أوقات صعبة

أوقات صعبة

المغرب اليوم -

أوقات صعبة

توفيق بو عشرين

المعلومة هي السلاح الأكثر فعالية لمحاربة الإرهاب، والمعلومة الأكثر أهمية وسط دراما باريس جاءت من الرباط، وقالت للفرنسيين، الذين أصيبوا بصدمة كبيرة جراء المجزرة، إن العقل المدبر لغزوة باطكلان يوجد في شمال باريس، وبالضبط في حي سان دوني، وليس في سوريا كما تعتقدون، وإن عبد الحميد أباعود، البلجيكي من أصل مغربي، مختبئ في إحدى الشقق هناك مع قريبة له تدعى حسناء آيت بولحسن.
سقط أباعود في مواجهات عنيفة مع الشرطة الفرنسية، وأعلن النائب العام الخبر رسميا بعد أن جرى التعرف على هويته عن طريق ADN لأن جثته شوهها الرصاص، ولم يعد أحد قادرًا على التعرف عليه… لعل هذا التعاون الأمني والاستخباراتي المغربي مع أجهزة الأمن الفرنسية يشفع لمليون و500 ألف مغربي الذين يعيشون في فرنسا، ويعانون اليوم بسبب نظرات الشك والارتياب والاتهام، وانتعاش خطاب عنصري يريد أن يضع 5.4 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا في قفص الاتهام.

وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازنوف، ذكر يوم أمس أن «دول الاتحاد الأوروبي لم تعط أي معلومة لأجهزة الأمن الفرنسي عن دخول أباعود إلى الأراضي الأوروبية، وأن المعلومة التي جاءتنا عن وجود العقل المدبر لأحداث باريس جاءت من بلد غير أوروبي»، لكنه لم يذكر هذا البلد ولم يشكره، بل عمد إلى ذكر أصول الإرهابي المغربية قبل البلجيكية عندما قال: «أباعود مغربي بلجيكي»، عِوَض أن يقول إنه بلجيكي من أصل مغربي… هذه إشارات غير طيبة من أصدقائنا الفرنسيين، فمن شأن إعلان اسم المغرب كمصدر للمعلومة التي قادت إلى قتل قائد خلية باريس أن يخفف من مشاعر الغضب لدى اليمين الفرنسي وجمهوره العريض اتجاه المسلمين والمغاربة، على اعتبار أن الرباط منخرطة في الحرب على الإرهاب، وتستثمر أجهزتها موارد بشرية ومادية كبيرتين في أوروبا وفي سوريا من أجل الوصول إلى المعلومات التي تفيد في حماية أرواح الأوروبيين وغير الأوروبيين من الإرهاب الأعمى.
هذا ليس وقت عتاب لأن أصدقاءنا الفرنسيين مرتبكون، وأجهزتهم الأمنية معرضة لنقد شديد ومحاسبة عسيرة. وإذا كانت وسائل الإعلام مازالت تحترم فترة الحداد، ومعارضو هولاند مازالوا يحتفظون بسيوفهم في أغمادها، فهذا أمر مؤقت سرعان ما سيزول، ليعوضه نقد شديد للاستخبارات التي لم تفلح في اصطياد خلية باريس، ولم تستطع، بعد أربعة أيام، أن تعرف أن أباعود، مهندس هجمات باريس، موجود على أراضيها وليس في الرقة السورية…

بدأت نبرة الخطاب العنصري تتصاعد في فرنسا ضد الفرنسيين المسلمين وضد المهاجرين، وبدأت ألسنة الشعبوية تمتد إلى أحياء بكاملها، حيث دعا سيئ الذكر إيريك زمور إلى قصف حي كامل في بلجيكا اسمه مولمبيك بدعوى أنه أصبح عشا لتفريخ الإرهابيين، وقال زمور، الفرنسي اليهودي، إن الجيش الفرنسي عليه أن يقصف «مولانبكستان» عِوَض قصف الرقة.

الرئيس الفرنسي، وأمام هول الصدمة، وحتى لا يتهم بالضعف وبالتقصير في اتخاذ كل الإجراءات من أجل حماية الأمن الفرنسي، اختار سياسة أمنية متشددة تميل إلى خارطة اليمين أكثر مما تميل إلى التوجهات التقليدية لليسار، الذي يدعو إلى التوازن بين حماية الأمن وحماية الحريات العامة والفردية، وإلى ملاحقة الإرهاب لكن داخل حدود القانون ودولة المؤسسات.
لقد مدد هولاند حالة الطوارئ في البلاد، ما يعني أنه يعطل القانون واختصاصات القضاء وحرية التعبير، وبمقتضى هذا الإجراء الاستثنائي وضعت الأجهزة الأمنية 10 آلاف فرنسي مسلم على قائمة المشتبه في كونهم يحملون توجهات متطرفة، وجرى وضع المئات في الإقامة الإجبارية من قبل الشرطة دون إذن قضائي ولا ملفات مضبوطة، كما جرى أمس اتخاذ قرار حساس يتعلق بإغلاق مواقع على النيت يشتبه في ترويجها مواد تحرض على العنف، أما المقبل من الإجراءات فهو تعديل الدستور للحد من حرية التنقل ومن شروط منح الجنسية ونزعها، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية وفق قوانين جديدة كلها ستوضع تحت ضغط الخوف والغضب.

أمس أصدرت نقابة الصحافيين الفرنسيين بلاغا شديد اللهجة ضد الإجراءات الأمنية المتشددة للسلطات الفرنسية، داعية إلى احترام حرية التعبير والنشر رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وقال البيان: «وظيفة الصحافة ينبغي أن تستمر في مساءلة السياسة الحكومية رغم الوضع الدرامي الذي يعيشه البلد، حيث يجب أن يستمر الصحافيون في تحقيقاتهم بخصوص نتائج تدخل فرنسا عسكريا في عدد من مناطق العالم، وبيع أسلحة لديكتاتوريات عسكرية ودينية في الشرق الأوسط. لا يجب على الصحافيين أن يصبحوا أداة لصالح الدعاية العسكرية».
عندما كتبنا هذا الكلام قبل صدور بيان نقابة الصحافيين الفرنسيين خرج من يتهمنا بالعبث في التحليل وتبرير الإرهاب باسم السياسة، في حين أن إدانتنا للإرهاب كانت واضحة، لكن إدانة الإرهاب لا تلغي البحث عن جذور العنف الديني والسياسي الكامن وراء هذا العمل. يختلف الإرهاب عن جريمة الحق العام، لأن الأول وراءه فكر وإيديولوجيا وسياسة وموقف، وحتى وإن كان مدانا يجب أن يحلل ويسلط عليه الضوء، أما الجريمة فوراءها بواعث ونوازع فردية أو نفسية أو مادية أو جنسية… هذا ما انتبهت إليه نقابة الصحافيين الفرنسيين التي تريد للأسئلة، كل الأسئلة، المتعلقة بالإرهاب وبمواقف فرنسا وسياساتها أن تعبر عن نفسها، وأن تضمن لنفسها مكانا في المجال العام والنقاش العمومي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوقات صعبة أوقات صعبة



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib