إدريس الكنبوري
صدر للباحث أحمد البهنسي، المتخصص في الاستشراق اليهودي المعاصر، كتاب جديد يتطرق إلى قضية لم يحالفها الكثير من الحظ لتشكل موضوعا للباحثين، وهي رؤية الموسوعات اليهودية لعلوم القرآن. الكتاب تحت عنوان «القرآن الكريم وعلومه في الموسوعات اليهودية: دراسة نقدية»، وقد صدر عن مركز «تفسير» للدراسات القرآنية بالمملكة العربية السعودية.
يتناول الكتاب المحاور المنشورة في الموسوعات اليهودية، سواء منها المتخصصة أو العامة، وباللغتين العبرية والإنجليزية، الورقية أو الإلكترونية، التي تم فيها التعرض إلى القرآن وعلومه من طرف مختلف الباحثين والمتخصصين اليهود. بهدف نقدها وتمحيصها علميا والرد عليها. وقد حصل الكتاب على «إجازة» من الأزهر تسمح بتداوله، بعد التأكد من خلوه من كل المخالفات الشرعية، حسب اللجنة المختصة داخل المؤسسة.
يؤكد الباحث في كتابه أن هناك الكثير من التخبط والتناقض في التعرض للقرآن وعلومه في الموسوعات اليهودية، من ذلك الاختلال الكبير حول مصدرية القرآن، إذ يلاحظ أن الموسوعات اليهودية لم تتفق على تحديد مصدر واحد للقرآن الكريم، بل إنها طرحت فرضيات خاطئة علميا. وأكد الباحث أن الموسوعات اليهودية تعتمد في فرضيتها الخاطئة، حول إرجاع القرآن الكريم لمصادر يهودية ونصرانية ووثنية، على «التشابه اللفظي- السطحي» بين بعض الآيات القرآنية وبعض النصوص الواردة في العهدين القديم والجديد، وهو ما يثبت ضعف ما تطرحه الموسوعات اليهودية حول القرآن الكريم من الناحيتين العلمية والموضوعية، إذ لم تعتمد على أسانيد علمية وموضوعية قوية، بل اعتمدت على مجرد «تشابهات سطحية» في شبهاتها حول القرآن الكريم.
ويشير الكتاب إلى أن «المدرسة اليهودية في الاستشراق» ظهرت وتكونت في العصر الحديث، وأهم مجالاتها الدراسات الدينية المقارنة بين اليهودية والإسلام، بهدف رد القرآن الكريم إلى العهد القديم. ومن أبرز المؤلفات في هذا الصدد كتاب الحبر اليهودي الألماني أبراهام جايجر «ماذا أخذ محمد عن اليهودية؟»، والذي ترجم إلى الإنجليزية عام 1898.
كما قام المستشرقون اليهود والإسرائيليون، بنشر أفكارهم وإيديولوجياتهم الاستشراقية عن القرآن الكريم في مؤلفات ومجلدات ضخمة، إضافة إلى نشرها في موسوعات ودوائر معارف كبيرة كتبت بالإنجليزية والعبرية. ووردت مقالات عدة في الموسوعات اليهودية عن القرآن الكريم وما يتعلق به حملت عنوان «القرآن»، أو «قرآن»، ورد بعضها منسوبا إلى محرر أو مؤلف معين، وبعضها لم تتم الإشارة إلى مؤلفها أو محررها.
يقع الكتاب في خمسة فصول، يتناول الأول منها بالتحليل والنقد ما جاء في الموسوعات اليهودية حول جمع وترتيب الآيات القرآنية، أما الفصل الثاني فيتعرض بالنقد لما جاء في الموسوعات اليهودية حول رد قصص القرآن الكريم إلى مصادر يهودية ونصرانية ووثنية، بينما ينقد المؤلف في الفصل الثالث ما جاء في الموسوعات اليهودية حول رد عقائد وشرائع القرآن الكريم لمصادر يهودية ونصرانية ووثنية، وخصص المؤلف الفصل الرابع لنقد ما جاء في الموسوعات اليهودية حول رد أصول بعض ألفاظ القرآن الكريم إلى لغات أعجمية غير العربية، أما الفصل الخامس والأخير فينقد رؤية الموسوعات اليهودية الخاطئة لموقف القرآن الكريم من اليهودية والنصرانية. كما احتوى الكتاب على ملحق تضمن النصوص الأصلية للمقالات التي وردت في الموسوعات اليهودية حول القرآن الكريم باللغتين الانجليزية والعبرية، وترجمتها إلى اللغة العربية، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للقارئ للاطلاع على النصوص الكاملة والأصلية لما جاء عن القرآن في الموسوعات اليهودية.
ويؤكد الباحث وجود قرائن علمية ولغوية تدحض إمكانية وجود كلمات ذات أصول يهودية في القرآن الكريم، ويبين بأن قصص القرآن تهيمن على الجزء الأكبر من فرضيات الموسوعات اليهودية حول رد المادة القرآنية لمصادر غير أصلية، واستحواذ رد القرآن إلى مصادر يهودية، أكثر من رده إلى مصادر نصرانية ووثنية، وهو ما يعكس حسب الباحث واحدة من أزمات الكتابات الاستشراقية عموما؛ إذ يلاحظ أن المستشرقين اليهود يردون القرآن الكريم إلى مصادر يهودية، في حين يرده المستشرقون النصارى إلى مصادر نصرانية، ما يعني سيطرة إيديولوجية ذات خلفية دينية على كتاباتهم.
"المساء"