ادريس الكنبوري
يوم الثلاثاء الماضي، صوت مجلس الأمن بهيئة الأمم المتحدة بالإجماع على التقرير السنوي المتعلق بنزاع الصحراء، حيث أوصى بتمديد مهمة البعثة الأممية لمراقبة وقف إطلاق النار(المينورسو) مدة عام آخر، إلى 29 أبريل من السنة المقبلة، دون أن يشير القرار إلى وضع آلية معينة لمراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، كما كانت تطالب بذلك جبهة البوليساريو وبعض الجمعيات الأوروبية والأمريكية المساندة لها. وعلى العكس من ذلك، أكد التقرير على أن الملف الحقوقي في الصحراء يهم الطرفين معا، بما يعني وضع الظروف غير الإنسانية التي يعيشها سكان مخيمات تيندوف تحت المجهر. فقد اكتفى القرار بالإشارة إلى»ضرورة تحسين وضعية حقوق الإنسان بالصحراء ومخيمات تندوف، وتشجيع طرفي النزاع على العمل مع المنتظم الدولي لتطوير وتحقيق رصد شامل ومستقل ومحايد لحقوق الإنسان».
وبهذا القرار أظهرت الدول الأعضاء في مجلس الأمن أنها تسعى إلى أن يظل هذا الأخير طرفا محايدا في نزاع الصحراء، الذي يبقى نزاعا ذا طابع إقليمي تتداخل فيه اعتبارات عدة، بما فيها تلك المتعلقة بوجود صراع خفي بين المغرب والجزائر، وبرغبة هذه الأخيرة في أن يكون لها موقع ضمن هذا النزاع المستمر طوال عقود. ذلك أن إدراج آلية لمراقبة حقوق الإنسان في القرار كان سيفسر بكونه يشكل انحرافا في مهام المينورسو، منذ تشكيلها في بداية التسعينيات من القرن الماضي كآلية لمراقبة وقف إطلاق النار فقط، وبكونه انحيازا لجبهة البوليساريو، الأمر الذي يعني بشكل واضح أن مجلس الأمن يخل بسياسة التوازن بين طرفي النزاع، وينتصر لطرف دون آخر.
وعلى عكس ما كان متوقعا، نوه القرار بالإجراءات والمبادرات الأخيرة التي اتخذها المغرب من أجل تعزيز اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالداخلة والعيون، وتفاعل المملكة مع المساطر الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وهو ما يعتبر انتصارا للمواقف المغربية الأخيرة بخصوص الصحراء، وردا مباشرا على مزاعم الجزائر والبوليساريو.
ويأتي القرار الأخير ليضع حدا للمناورات التي استمرت طيلة عام كامل، من أجل تحويل ملف حقوق الإنسان في الصحراء إلى شوكة في خاصرة المغرب، وتحريف أنظار المنتظم الدولي إلى قضايا توجد في جوانب المشكلة الرئيسية، التي تتعلق بالحقوق التاريخية والترابية للمغرب. فعمر النزاع يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، ووجود المينورسو يرجع إلى التسعينيات، ولم تظهر ورقة حقوق الإنسان إلا كمحاولة لترك ملف الحل معلقا وربح المزيد من الوقت، ونسف جميع المبادرات التي قدمت في هذا الشأن، وعلى رأسها مبادرة المغرب حول الحكم الذاتي، الذي اقترحها قبل سنوات.
وقد دخلت قضية حقوق الإنسان في الصحراء منذ شهر أبريل من السنة الماضية مجال المزايدات في الصراع الذي تخوضه جبهة البوليساريو والجزائر ضد المغرب، بعد عدة محاولات لتحويل نقطة التركيز إلى هذا الملف. إذ في 25 أبريل من السنة الماضية اتخذ مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2099، الذي ركز فيه بشكل خاص على الجانب المتعلق بحقوق الإنسان في نزاع الصحراء، إذ أكد القرار على «أهمية تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف، وتشجيع الأطراف على العمل مع المجتمع الدولي لوضع وتنفيذ تدابير مستقلة وذات مصداقية لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، واضعة في اعتبارها التزاماتها ذات الصلة بموجب القانون الدولي»، و»تشجيع الأطراف على مواصلة الجهود في كل منهما لزيادة تعزيز وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف للاجئين». بيد أن القرار نوه في الوقت نفسه بالإجراءات التي اتخذها المغرب في مجال حقوق الإنسان، حتى وقت صدور القرار، ومن جملتها اللجان التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في الصحراء، والتفاعل المستمر للمملكة مع الإجراءات الخاصة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
وقد منح ذلك القرار لخصوم الوحدة الترابية للمغرب فرصة للتشكيك في كل ما قام به فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، وتحريك اللوبيات الموالية للجزائر وجبهة البوليساريو في الدول الأوربية لتوجيه الأنظار ناحية الملف الحقوقي، وهو ما قاد الولايات المتحدة الأمريكية في شهر ماي من السنة نفسها، أي بعد أقل من شهر على صدور القرار المشار إليه، إلى تقديم اقتراح أمام مجلس الأمن من أجل توسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء، بحيث تشمل مراقبة حقوق الإنسان، الأمر الذي رفضه المغرب، وكان هناك تدخل من أعلى جهة في الدولة، مما أدى إلى إجهاضه.
وقد كان واضحا أن المغرب يدرك حجم المناورات التي يخطط لها خصوم وحدته الترابية، من أجل إدخال نزاع الصحراء في متاهات جديدة، وتحويل الصراع إلى معركة حقوقية لالتقاط الأنفاس. وكان حجم التحدي كبيرا بحيث توقف عنده الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح دورة أكتوبر 2013 للبرلمان، حين أشار الملك إلى أن قضية الصحراء تجتاز مرحلة صعبة تقتضي تركيز الجهود.
بيد أن ما حصل من سباق ديبلوماسي طيلة السنة الجارية، من أجل إسقاط مناورات الجزائر والبوليساريو، بات يملي على المغرب الانتقال إلى مستوى آخر في مقاربة ملف الصحراء على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتطوير الديبلوماسية الهجومية من أجل شرح وتفسير مواقفه الثابتة، بدل ترك الحبل على الغارب والتدخل في الساعات الأخيرة لإنقاذ الموقف، والاكتفاء بردود الفعل. فالديبلوماسية المغربية محتاجة إلى العمل المستمر ورفع درجة اليقظة وتسجيل الحضور الدائم، طالما أن ملف الصحراء لا يزال دون حل، وطالما يستمر مجلس الأمن سنويا في معالجة الملف بالشكل الروتيني الذي لا ينبئ بأن المنتظم الدولي عازم على الحسم فيه.
القرار 2152.. «فخاخ» تحت طاولة المفاوضات على نزاع الصحراء
بلغزال: مجلس الأمن صحح منزلقات بان كي مون لكنه أقحم حقوق الإنسان في المفاوضات
تنفست الدبلوماسية المغربية الصعداء، بعد القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي بالتمديد لبعثة «المينورسو» في الصحراء إلى متم شهر أبريل 2015، دون أن يتضمن أي آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان أو إسناد مهامها إلى البعثة الأممية.
لكن خلفيات التقرير وما تضمنه بين سطوره، تؤكد أن الخطر مازال قائما، خاصة في الفقرة التي تشير إلى تأكيده على «أهمية تحسين حالة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف»، علاوة على تشجيعه ل»الطرفين على العمل مع المجتمع الدولي على وضع وتنفيذ تدابير تتسم بالاستقلالية والمصداقية لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان، مع مراعاة كل منهما ما عليه من التزامات بموجب القانون الدولي».
بين أبريل 2013 وأبريل 2014 اتخذ المغرب سلسلة إجراءات في مجال حماية حقوق الإنسان، شكلت حجة لمواجهة «مناورة» غير مسبوقة للأمين العام للأمم المتحدة، الذي حاول توسيع مهام البعثة الأممية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، فكان رد المغرب صارما بمكالمة ملكية «حاسمة» نبهت بان كي مون إلى طبيعة الوساطة الأممية. بل إن الموقف المغربي وصل حد التهديد بإنهاء مهام بعثة «المينورسو».
كواليس المفاوضات بمجلس الأمن كشفت إلى حد كبير تفهم الدول الكبرى، وبشكل خاص مجموعة أصدقاء الصحراء، لحساسية الملف والموقف المغربي الصارم تجاه أي محاولة لتحوير مهام «المينورسو» والمسار التفاوضي للملف، فكان أن تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع قرار «محايد»، يأخذ بعين الاعتبار الخطوات التي اتخذها المغرب، ويدعو في المقابل إلى تحسين حالة حقوق الإنسان.
لكن الأيام التي سبقت صدور القرار الأممي كشفت «ارتجالية» و»لا حياد» الأمين العام للأمم المتحدة، الذي عوض أن يقدم تقريرا موضوعيا، سار في نهج أغضب الرباط، بعدما فتح القضية على المجهول عندما وضع سنة 2015 كأجل لحل الملف، أو إعادة النظر في المسار التفاوضي حول قضية الصحراء، وهو ما يعني حسب عدد من المراقبين، إشارة ضمنية إلى إمكانية إدراج الملف في البند السابع للأمم المتحدة، عوض البند السادس الذي تتم فيه معالجة النزاع برؤية التفاوض والتوصل إلى حل سياسي متوافق حوله.
قرار التمديد لبعثة المينورسو حاول إعادة المياه إلى مجاريها، بتأكيده على الخلفية القانونية لمعالجة هذا الملف المدرج في إطار البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والتأكيد على البعد الإقليمي لهذا النزاع، ودور دول الجوار، وبشكل خاص الجزائر، في إيجاد حل مقبول لدى الطرفين.
عبد المجيد بلغزال، الحقوقي والخبير في شؤون ملف الصحراء، أكد ل»المساء» أن القرار الأخير 2152 صحح بعض المنزلقات التي وردت في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، حيث أعاد التأكيد على أننا بصدد البحث عن حل سياسي متفاوض عليه، تحت البند السادس، أي أنه غير ملزم ودون أي تهديدات.
وأوضح أن القرار ربط بشكل دقيق ومنهجي بين إيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء، وبناء الفضاء المغاربي، وأثر ذلك على الأمن والسلم في الساحل والصحراء. «وهذا الربط ليس اعتباطيا، بل يبين الخلفية المرجعية والرؤية الاستباقية لأطروحة الحكم الذاتي باعتبارها حلا موجها لبناء الفضاء المغاربي وإيجاد التوازن في الشمال والساحل والصحراء».
وسجل بلغزال أن القرار أعاد التأكيد على أهمية المقترح المغربي، وأعاد وصفه بكونه يتسم ب»الجدية والمصداقية». أكثر من ذلك، يقول المتحدث ذاته، «فإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة رتب تقريره فقط على القرار الصادر في أبريل 2013، فإن القرار الأخير أعاد بما لا يدع مجالا للشك أو اللبس التأكيد على الإطار المرجعي المنظم للمفاوضات بدءا بالقرار 1754 الصادر في 2007 إلى حد الآن».
لكن الخطورة التي يحملها قرار مجلس الأمن تتمثل في دعوته الأطراف بشكل صريح إلى أهمية تحسين حالة حقوق الإنسان في الصحراء. وفي هذا الصدد يوضح بلغزال قائلا: «الإشكال في هذه الفقرة يتمثل في الإضافة التي دعت الأطراف إلى وضع وتنفيذ تدابير تتسم بالاستقلالية والمصداقية لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان».
هذه الحيثية الواردة في القرار والمبنية على دعوة صريحة إلى «وضع» آليات لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان، تعني حسب بلغزال، أن هذه الآليات لا يمكن أن تتأتى إلا بمفاوضات مباشرة أو عبر الوسيط الأممي، وهو ما يؤكد بشكل قاطع أن «الصراع على حقوق الإنسان، الذي أصبح صراعا مركزيا، لم يعد بموجب هذه الحيثية مركزيا في الصراع السياسي فقط، ولكن مركزيا حتى في مسار المفاوضات المطروح والمرسم من طرف مجلس الأمن، وسيصبح هذه السنة، نقطة ثابتة من أجل التداول فيه، ووضع تدابير والعمل على تنفيذها».
وأكد الخبير في شؤون ملف الصحراء أن «حساسية وخطورة وتعقيدات النزاع حول وضعية حقوق الإنسان سترتفع درجة حرارتها، على حساب أصل المشكل المرتبط بالتفاوض من أجل حل سياسي، لأن ما يجري في الجانب المتعلق بحقوق الإنسان هو مجرد تمظهرات لعدم إيجاد الحل السياسي».
وبناء على كل هذه الحيثيات، يرى بلغزال أنه «لا يمكن أن ننجح في معركة حقوق الإنسان بشكل مستقل عن السياق العام للبناء السياسي والديمقراطي». وزاد قائلا: «التحدي الأول لنحافظ على نوع من الجاذبية لمشروع مبادرة الحكم الذاتي التي أطلقناها، والتي سعى تقرير الأمين العام إلى تقويضها، هو أن نسد الهوة التي فتحها تقرير الأمين العام بتشكيكه وسعيه إلى تقويض مبادرة الحكم الذاتي».
وأكد أن المدخل الأساسي الأول هو الاستمرار دون تردد في بناء دولة القانون ودولة المؤسسات، وطنيا وجهويا. وفي هذا السياق، يقول بلغزال، «لا بد من الذهاب ودون تردد نحو بناء جهوية سياسية حقيقية، بمعايير تعطي للساكنة الحق في هيئة تنفيذية وتشريعية وقضائية، لتكون هذه الجهوية كإطار مؤسساتي انتقالي يؤهل الصحراء للحكم الذاتي»، مشيرا إلى أنه «ضمانا لنجاح هذا المشروع، يجب أن تأتي هذه المبادرة في إطار بناء جهوي متكامل يعم جميع الجهات».
أما على مستوى السياسات العمومية، فيرى بلغزال «ضرورة القطع مع كل أشكال الفساد والريع، وتفعيل مقتضيات الدستور بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحرير الطاقات وإقرار عدالة اجتماعية حقيقية، لأن ذلك هو الكفيل بنزع كثير من الألغام التي يكون أصلها اجتماعيا، أو حقوقيا أو قلقا أو تذمرا وليس بالضرورة سياسيا، وبالتالي يجب وقف الفساد وإعمال القانون».
أما في مجال حقوق الإنسان، يضيف المتحدث ذاته، «فالمجلس الوطني ولجانه الجهوية، وأخذا بعين الاعتبار أن التقرير والقرار سجلا أن المغرب يتجاوب بشكل جيد مع الآليات الدولية والمساطر الخاصة، وأكدا على التحول والدور الذي تلعبه المؤسسة الوطنية واللجان الجهوية، فكل ذلك يعني أن التحدي والمسؤوليات أصبحت أكبر على المؤسسة الوطنية واللجان الجهوية».
وسجل أن «المطلوب اليوم هو بلورة رؤية استراتيجية دقيقة في مجال حقوق الإنسان، وأن نجعل منها مركز السياسات العمومية في جميع المجالات، وأن يكون المجلس الوطني هو قائد هذه الاستراتيجية، وأن نُخرج هذه المؤسسة الوطنية من دائرة التجاذب السياسي، ونمدها بالإمكانيات والوسائل الكفيلة بالاطلاع بمهامها».
واستطرد الخبير في ملف الصحراء قائلا: «نحن أمام قضية مصيرية، ولا داعي اليوم إلى التجاذب في هذا الموضوع، بل يجب مد هذه المؤسسة بكافة الوسائل والإمكانيات اللازمة للقيام بدورها، إضافة إلى دعم وتيسير التواصل بين اللجان الجهوية وبقية القطاعات المتدخلة في مجال الحماية، وأن تكون هناك علاقة مبنية على الثقة والحياد والمهنية والمسؤولية بين اللجان الجهوية وبقية المتدخلين في حماية حقوق الإنسان»، ومؤكدا على ضرورة النهوض بالحماية عبر مساطر دقيقة تعتمد المهنية والمعايير الدولية.
وأكد بلغزال أنه بالإضافة إلى التحدي المؤسساتي المرتبط بالجهوية والسياسات العمومية، فالتحدي الأكبر مرتبط بوجود أحزاب سياسية متماسكة ومرتبطة بقضايا الناس، قادرة على التأطير لخلق توازن مجتمعي.
وإذا كان قرار مجلس الأمن الدولي نزع كثيرا من الألغام التي كادت أن تفجر مستقبل المفاوضات حول النزاع، فإن المناورات التي سبقت القرار أكدت فشل الأمم المتحدة إلى حد الآن في مساعيها لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية بهذا الملف الشائك، في ظل انعدام إرادة الأطراف الأخرى للتوصل إلى حل سياسي متفاوض عليه، مقابل مبادرة مغربية جادة وصادقة، بوسعها أن تكون أساسا للحل المنشود.
المهدي السجاري
شيات: على المغرب تكريس دبلوماسية «أخلاقية» مكثفة تستهدف المجتمع المدني الدولي
قال إن المينورسو في طريقها إلى أن تصبح آلية بيروقراطية
وراء القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن بتمديد مهام بعثة المينورسو عدة رسائل، يرى خالد الشيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة أنها تكشف أن «الاجتهاد» لإيجاد حل لقضية الصحراء من طرف المجتمع الدولي، وخصوصا مجلس الأمن، حاذ عن مساره، وأصبحت تعبيراته تميل إلى لعبة سياسية تستهدف كل شيء إلا تحقيق الاستقرار ووضع القطار علىسكة الحل النهائي. وأكد الشيات على أن الدبلوماسية المغربية لازال أداؤها ضعيفا فيما يتعلق بالقدرة على خلق «لوبيات» مساندة له على الصعيد الدولي، وقدرته على تحريك المجتمع المدني الدولي أو ضمان جزء منه على الأقل.
- ما هي القيمة المضافة لقرار تمديد بعثة «المينورسو» الصادر عن مجلس الأمن، من وجهة نظرك؟
هي تأكيد للثقة للسلام والأمن بالمنطقة من طرف المجتمع الدولي، والثقة العميقة في إمكانية إيجاد حلول بديلة لاستعمال القوة، التي كانت هي السمة الغالبة قبل وقف إطلاق النار. للأسف، ليست هناك قيمة مضافة فيما يخص البنية الداخلية لآلية تحقيق السلام بالمنطقة، فقد أصبحت مثل هذه المواعيد المرتبطة بتقرير الأمين العام، وبقرار مجلس الأمن، مجرد محطات تكرر نفسها بدون بدائل حقيقية لتكريس السلام، الذي لا يتحقق بمجرد تمديد البعثة إلى الصحراء، بل بإمكانية إيجاد حل متوافق عليه بين أطراف النزاع، وفي هذا الإطار يمكن القول إن «الاجتهاد» لإيجاد هذا الحل حاذ عن مساره وأصبحت تعبيراته تميل إلى لعبة سياسية تستهدف كل شيء إلا تحقيق الاستقرار ووضع القطار على سكة الحل النهائي.
إذا كانت المينورسو تريد أن تصبح آلية بيروقراطية فهي في طريقها إلى ذلك، والمشكل أن البدائل التي تطرح لتجاوز هذه المعضلة ليست تفاوضية حتى من داخل المينورسو. وعندما تحوز هذه البعثة وفلسفتها، كما وضعت نظريا، على رؤية واقعية يمكن آنذاك أن تكون فعالة، لكنها تصبح للأسف، في كثير من الأحيان، تعبيرا عن موازين قوة داخل ردهة الأمم المتحدة، وتحاول أن تتقدم على حساب طرف في المعادلة، وغالبا ما يكون ذلك على حساب المغرب، لكن هذه مقاربة خاطئة وخطيرة أيضا.
- كيف ترى مسار ملف الوحدة الترابية بعد القرار الأخير؟ وما هي الخطوات التي يتعين اتخاذها لتفادي حصول مفاجأة غير سارة؟
مسار ملف الوحدة الترابية يتسم عموما بخاصيتين: القدرة على التكيف من جهة، واعتبار هذا التكيف عدم استقرار «أخلاقي» من جهة ثانية. لقد راوح المغرب حلوله بين الحرب وقبول الاستفتاء ومقترح الحكم الذاتي طيلة سنوات النزاع، والطرف المقابل المطالب بالانفصال استقر على مطلب واحد مرتبط بأدبيات ومبادئ الأمم المتحدة والمتمثل في مبدأ تقرير المصير. وقد جلب ذلك للمغرب قدرة سياسية على الحفاظ على وحدة أراضيه، لكنه على المستوى «الأخلاقي» عمق الهوة مع الفاعلين غير الحكوميين على الصعيد الدولي. لذلك هناك منفذ استغله أعداء الوحدة الترابية، هو مسألة حقوق الإنسان والمطالبة بتمديد بعثة الأمم المتحدة لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهذا الأمر يضمن للطرف الآخر عدة امتيازات. مجرد التداول السنوي للمسألة ورفض المغرب يعطيان صورة سلبية عنه على المستوى الإعلامي وغير الرسمي، وذلك يشبه الحفر في جدار سميك بملعقة صغيرة. يمكن للأمر أن ينجح على المدى البعيد فيتم اختراق الجدار. لم يكن رد فعل الدول الكبرى مهما في مسألة حقوق الإنسان، فهناك آليات لتحقيق التوازن معها بطرق متعددة، لكن المشكل يعني أن خطة الطرف الآخر بعيدة المدى، وهي بذلك تقوم على تمديد النزاع من جهة وتحويل مفهوم الحل من المسار المتفاوض عليه من جهة أخرى، وهنا يصبح التفاوض بدون جدوى.
على المغرب ليتفادى المفاجآت أن يعمل على تكريس دبلوماسية «أخلاقية» مكثفة تستهدف المجتمع المدني الدولي، وعلاقته مع الأمم المتحدة يجب أن تقوم على تفريغ المخطط المعادي بتكريس تفاوض فعال للوصول إلى حل للنزاع، وإبراز النية الحسنة والسليمة لتحقيق ذلك، وبالتالي وضع البوليساريو ومن يساندها في معادلة واحدة، وليس تمكينها من تحقيق أطروحات وتصورات بمعادلات بمجاهيل عديدة.
- ما قراءتك لقرار مجلس الأمن تمديد مهام المينورسو دون إعطائها الحق في مراقبة حقوق الإنسان؟
هنا يكمن الخلل أصلا. لم تعد هذه اللعبة تستهوي أحدا. على الأمم المتحدة أن تقوم بمجهود حقيقي لإقرار السلام النهائي بالمنطقة. صحيح أن حقوق الإنسان ترتبط بالنزاعات الدولية وببعثات الأمم المتحدة، لكنها ليست شرطا لتحقيق السلام من جهة، والفقه الدولي يميز بين الدول التي تحوز القدرة على المساءلة الدولية لوضع حقوق الإنسان، وغيرها من الدول و»الأطراف» التي لا تحوز ذلك. لذلك أتساءل: كيف يمكن أن تكون مسألة حقوق الإنسان أولوية بالنسبة للبعثة مع وجود آلية وطنية ذات مصداقية لمراقبة حقوق الإنسان لها هيئات محلية أو جهوية؟ وكيف يمكن أن نطالب كل سنة بتمديد مهام البعثة لتشمل حقوق الإنسان لدولة وقعت على كل المعاهدات والبروتوكولات المرتبطة بحقوق الإنسان، والتي توجه إليها ملاحظات حول هذه الحقوق في مجلس حقوق الإنسان الأممي أقل أحيانا من الملاحظات الموجهة إلى دولة عريقة في الديمقراطية؟ ما هي الدلائل على الخرق الشامل أو الأشكال المفرطة لاستعمال القمع ضد أفراد بعينهم في المغرب وفي الأقاليم الجنوبية بالتحديد؟ لا شيء. إنها إذن لعبة السياسة التي اختلطت بمبدأ سام هو تحقيق السلام بالمنطقة.
إذا كانت الأمم المتحدة مستعدة لتحقيق السلم والوصول إلى حل نهائي للأزمة فعليها أن تتجاوز بحزم مسألة تعويم القضية بحقوق الإنسان. لكنها، طبعا، تعكس طبيعة القوى داخلها وداخل مجلس الأمن. لكن لا بديل عن توجيه سليم لحل النزاع.
- ألا ترى بأن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن تدبير المغرب لملف الوحدة الترابية يسعى في سقفه الأعلى إلى احتواء أي تطور سلبي، عوض تحقيق اختراقات تدعم موقفه؟ وبم تفسر غياب الدبلوماسية الاستباقية في المغرب؟
التدبير ليس بيد المغرب وحده. طبعا هو يملك جانبا من توجيه مسارات الحل، لكنه أيضا يبقى منضبطا لآليات أخرى مفروضة بطبيعة التدافع بين أطراف النزاع الأخرى، والسياسة التي وصفتها بالاحتواء ليست أمرا سلبيا، لأنها أعطت الدبلوماسية المغربية أفقا جديدا لتحقيق التوازن في القضية، كما أنها تبرهن للطرف الآخر أن الدبلوماسية ليست دائما عملية «تجارية». يمكن للدول التي تحوز قدرات اقتصادية هائلة وتتوفر على مصادر طاقة أن «تغازل» بها المواقف المجابهة للوحدة الترابية للمغرب، لكن يمكن للمغرب أيضا أن يحقق مفهوما جديدا للانفتاح على قوى جديدة، كما حصل عندما جاء اقتراح تمديد بعثة المينورسو من حليف تقليدي للمغرب، هو الولايات المتحدة الأمريكية.
ليست دبلوماسية الاحتواء مسألة سلبية عندما تكون الدولة قادرة على ممارستها، فهي تعطي آفاقا متجددة، لكن لا يجب، بالمقابل، أن نبقى حبيسي هذا الطرح. يمكن للمغرب أن يعمل على دبلوماسية «استباقية» كما وصفتها، وأحيانا أكثر من تسعين بالمائة من السياسات الخارجية للدول سياسات استباقية. هذا ليس مطلبا، بل هذا ما يجب أن يكون، وهنا سأعرج على قدرة المغرب على خلق «لوبيات» مساندة له على الصعيد الدولي، وقدرته على تحريك المجتمع المدني الدولي أو ضمان جزء منه على الأقل. للأسف، مجهوداتنا في العمليتين معا ضعيفة، قبل أيام يمكن لأي متتبع أن يقرأ بسلبية كبيرة أزمة المنتجات الفلاحية بين المغرب وشريكه الأساسي، أي الاتحاد الأوربي، ناهيك عن الترهل الذي تمارس به سياسة الانفتاح على الفاعلين المدنيين عبر العالم. يمكن أن نقول إن المغرب يخسر بتركيزه على الدبلوماسية الرسمية والمباشرة أحيانا بالقدر الذي يربح به المواقف الرسمية للدول.
- ألا تعتقد بأن التعاطي الأمني مع بعض الملفات ذات الطابع الاجتماعي بالمناطق الجنوبية، وغياب إستراتجية دبلوماسية واضحة أفقدا المغرب الكثير من أسهمه؟
ما هو مفهوم التعاطي الأمني؟ أعتقد أن الشعب من حقه التظاهر والتعبير عن رؤيته في كل أنحاء المملكة، لكن يجب ألا يكون هذا التعبير تنفيذا لأجندة قوى خارجية ومعادية في آن، ثم إن بعض التقارير التي تتحدث عن واقع حقوق الإنسان بالمناطق الجنوبية تكتب في مقرات مخابرات أجنبية. لا يجب أن نقدس بعضها فقط لأنها أمريكية. الذي يدافع عن حقوق الإنسان يجب أن يتحلى بالموضوعية أولا، ونحن لا ندعي بأن المغرب جنة حقوق الإنسان، لكن لا يجب على الآخرين شيطنته أيضا. الوقائع التي ترتبط بالمسألة لا ترقى أحيانا إلى أن تكون في التقارير الدولية. لا ننسى أن المغرب في تعامله مع الصحراويين يفعل ذلك باعتبارهم مغاربة، ولا أحد يجب أن يعلو على القانون، فالكل سواسية أمامه، ونحن نعلم جميعا أن المغرب يعامل المغاربة الصحراويين بطرق أكثر لينا ويتغاضى عن مجموعة من الممارسات التي تمس أحيانا رموزه وقيمه، لذلك لا نريد فقط أن نطلب من المهتمين بحقوق الإنسان أن يكونوا موضوعيين، بل نطلب منهم أيضا أن يتحلوا بنفس «الشهامة» عندما يتابعون الوضع بمخيمات تندوف.
- ما التحديات المطروحة على المغرب قبل 30 أبريل 2015 تاريخ تجديد مهام «المينورسو»؟
التحدي مطروح على أعداء المغرب أكبر. يجب أن يبدعوا شيئا جديا بدل إعادة نفس السيناريو كل سنة. لكن هناك أشياء يجب على المغرب تعزيزها واستغلالها، وأعتبر أننا خسرنا مواقع متقدمة في فضاء يعد حليفا استراتيجيا هو الاتحاد الأوربي. لا يجب أن تمر أزمة المنتجات الفلاحية الأخيرة بطريقة عادية، فهناك أزمة صناعة اللوبيات ودعم المجموعات المساندة للمغرب، خاصة بالبرلمان الأوربي، وهذا سيؤثر لا محالة على مواقف الدول الأوربية لاحقا، ويمكن أن تكون بسلبية كبيرة وبنتائج غير منتظرة.
أما الشيء الذي يجب علينا استغلاله فهو الموقف الأخير داخل الكونغرس الأمريكي. لقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية العلاقات المغربية الأمريكية في مسار إيجابي، وهو عمل جيد بالمنسبة لنا، لكننا يجب أن نعزز التعاون مع الولايات المتحدة بأساليب جيدة. هناك شراكات استراتيجية واقتصادية وتجارية، لكن يجب أن تكون الشراكة متينة وغير قابلة للتحول على المديين المتوسط والبعيد، ولعل «شراكة مسؤولة» يمكن أن تقوم بهذا الدور. يجب على الأمريكيين أن يخولوا للمغرب قدرات حقيقية ومستقلة لتدبير ملفات على صعيدي شمال إفريقيا وإفريقيا وهنا يمكن للمغرب أن يلعب أدواره المتجددة.
- من الأوراق التي حاول خصوم المغرب إحراجه بها ورقة حقوق الإنسان وثروات الصحراء. كيف يتعين على المغرب التعامل مع هاتين النقطتين؟
سبق أن تحدثنا عن حقوق الإنسان. لا يرتبط الأمر بها مباشرة، فهي مناورات ستزول بفعل الواقع. لا يجب أن يتحول الأمر إلى معضلة حقيقية لأننا بالقدر الذي نثق في المغرب نخشى عليه من بعض أبنائه من التطرف في اتجاهات مختلفة. يجب على الدولة في كل الأحوال أن يتسع صدرها للتظاهر والاحتجاج، ولكن يجب أن يبقى ذلك في حدود القانون أولا، وفي حدود الإيمان بالمغرب ثانيا.
أما الثروات فليس عندي جواب آخر غير أن الدولة لها الحق في استغلال ثرواتها كما تراه مناسبا، لكن ذلك يرتبط أحيانا بسياسات خاصة. هناك دول تمتع أهالي مناطق الثروات بامتيازات خاصة، وهذا يمكن أن يكون حلا من الحلول، لكن لا يجب أن تكون المسألة مقايضة باعتبار أن سكان المناطق الجنوبية هم من يحوزون ثروات المنطقة. المغرب يقوم بمجودات للتمنية الجهوية، ويمكن أن تكون الجهوية المتقدمة حلا سياسيا أيضا.
مصطفى الحجري
الملف الحقوقي سيظل ورقة توظفها الجزائر والبوليساريو في ملف الصحراء
إن عدم تنصيص القرار الأممي الصادر مؤخرا حول تمديد بعثة المينورسو إلى نهاية 30 أبريل من سنة 2015 على توسيع صلاحية البعثة الأممية للصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان لا يعني أن هذه الصفحة طويت، لكون الملف الحقوقي سيظل ورقة توظفها كل من البوليساريو والجزائر من أجل الضغط على المغرب ومحاصرة مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها، والتي حظيت بمباركة الدول العظمى.
وفي هذا السياق يرى رحال بوبريك، مدير مركز الدراسات الصحراوية التابع لجامعة محمد الخامس-أكدال بالرباط، أن الملف الحقوقي هو الورقة الوحيدة التي ظلت البوليساريو تستعملها منذ سنة 2005 من أجل الضغط على المغرب بهدف توسيع صلاحية المينورسو، والذي لا يمكن أن يتم إلا باتفاق الطرفين، يضيف بوبريك.
توسيع مهام البعثة الأممية في الصحراء لا يمكن أن يتم لكون ذلك يتعلق بإجراءات مسطرية تتمثل أساسا في قبول الطرفين للمهمة الجديدة التي يمكن أن تسند إلى المينورسو، التي حددت مهامها سنة 1991 في مراقبة وقف إطلاق النار والإشراف على عملية الاستفتاء، إضافة إلى أن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لا يمكن أن يجبر أي دولة على اتخاذ قرار دون رغبته، يوضح بوبريك ل»المساء»، مضيفا أن رفض المغرب إسناد مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء إلى المينورسو ليس لأنه يرغب في التكتم على شيء، بل لأن ذلك يعتبر انتقاصا من سيادته على أراضيه، إضافة إلى وجود آليات أممية مختصة في مراقبة حقوق الإنسان تزور المغرب، في إطار المواثيق والمعاهدات الدولية، التي وقعها عليها، ومنها الآليات الخاصة التي تتم عبر بعث مقرر خاص أو خبير أو مجموعة عمل.
ولا يخشى المغرب من أي مراقبة دولية لكونه فتح المجال أمام البعثات الأممية، من خلال زيارة المقرر الخاص بالتعذيب، وزيارة خبيرة حول الحقوق الثقافية، ومجموعة العمل المكلفة بمتابعة ملف الاتجار في البشر. وفي هذا الصدد يقول رئيس مركز الدراسات الصحراوية: «لو كان المغرب يخشى من مراقبة حقوق الإنسان لما فتح الباب أمام الوفود الأجنبية وأمام المسؤولين الأمميين، ولما سمح لهم بالاطلاع على ما يجري بالمغرب، سواء في الشمال أو الجنوب. وهؤلاء يزورون المغرب ويعدون تقارير حول وضعية حقوق الإنسان».
استعمال الورقة الحقوقية في ملف الصحراء هو «حق أريد بها باطل ومجرد ورقة يتم توظيفها من أجل المساومة السياسية» يقول بوبريك، الذي يرى في الوقت ذاته أن هذا لا يعني أن حقوق الإنسان على مايرام في الأقاليم الجنوبية، وأنه ليست هناك تجاوزات تقع، ولذلك أنشئت اللجان الجهوية بالأقاليم الجنوبية التابعة للمجلس الوطني للحقوق الإنسان، والتي تعتبر آلية وطنية لتتبع الوضع الحقوقي، كما أن الحكومة تفاعلت مع المطالب السابقة المتمثلة في التسريع بالتجاوب مع الشكايات الخاصة بالأقاليم الجنوبية.
وسيظل الملف الحقوقي مرتبطا بملف الصحراء، حيث إن القرار الأممي، الذي صوت عليه مجلس الأمن، والقاضي بتمديد بعثة المينورسو إلى نهاية شهر أبريل من السنة المقبلة، نص على أهمية تحسين حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف، وأشار إلى ضرورة تشجيع الطرفين على العمل مع المجتمع الدولي على «وضع وتنفيذ تدابير تتسم بالاستقلالية والمصداقية لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان، مع مراعاة كل منهما ما عليه من التزامات بموجب القانون الدولي». كما نوه القرار بالإجراءات والمبادرات الأخيرة التي اتخذها المغرب من أجل تعزيز اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالداخلة والعيون، وتفاعل المملكة مع المساطر الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وفق بلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والذي اعتبر أن ما نص عليه القرار الأممي يقر بوجاهة المقاربة المتبعة من قبل المغرب المبنية على تعزيز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وعلى التفاعل الإيجابي مع المساطر الخاصة للأمم المتحدة، طبقا لالتزاماته المترتبة عن الاتفاقيات الدولية التي تعد المملكة طرفا فيها.
ورغم أن المغرب يعتبر القرار الأممي انتصارا، وينوه بمقاربته في مجال حقوق الإنسان، سيما أنه ألغى متابعة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فما تزال التحديات مطروحة أمامه، خصوصا في مجال الحكامة الأمنية في تدبيرها للاحتجاجات والمظاهرات التي يعرفها المغرب، خصوصا في العاصمة، مما يستوجب تكوين رجال الأمن، يوضح مدير مركز الدراسات الصحراوية، إضافة إلى ضرورة قيام المجتمع المدني بدور الوسيط بين الدولة والمواطنين، عوض قيام بعض نشطائه بتوظيف الملف الحقوقي من أجل تمرير خطاب سياسوي.
خديجة عليموسى
أمريكا وفعالية خيار إمساك العصا من الوسط في قضية الصحراء المغربية
في كل فصول الصراع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، كان دائما الموقف الأمريكي موسوما بالحياد حفاظا على توازناتها الإستراتيجية الإقليمية، فهي تدرك، قبل كل شيء، أنه لا يمكن الاستغناء عن المغرب كحليف استراتيجي في المنطقة، لاسيما أن الإصلاحات التي شرع فيها منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم سنة1999 فرضت نفسها بقوة على السياسة الخارجية الأمريكية، لكن بالمقابل لا تقدر على التخلي عن قوة اقتصادية-نقصد الجزائر- تتوفر على احتياطات مهمة من الغاز والنفط تماشيا مع سياستها المعروفة: السياسة بالمصالح لا بالعواطف.
هناك ملاحظة أساسية يمكن التوقف عندها في التعاطي الأمريكي مع قضية الصحراء المغربية وهي أنها تدرك أن جبهة البوليساريو لا تعدو كونها آلية في يد الجزائريين تحاول من خلالها فرض سياسة الأمر الواقع، وبيان ذلك أن الخارجية الأمريكية دائما ما تنظر إلى الصراع بكونه تجاذبا بين قوتين إقليميتين تسعيان إلى الهيمنة على شمال إفريقيا وعلى المنطقة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط.
بطبيعة الحال، فإن مشروع القرار الأمريكي القاضي بتوسيع صلاحيات المينورسو ليشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء المغربية، قلب كل التوقعات، وطرح أكثر من علامة استفهام حول خلفياته وبواعثه الأساسية، خاصة أنه لم تكن هناك مؤشرات توحي على نحو ما أن الموقف الأمريكي إزاء قضية المغاربة الأولى، سيتغير. مهما تكن التخمينات، التي تشير جميعها، إلى أن أسباب اقتصادية محضة هي التي كانت وراء هذا الانعطاف المفاجئ للسياسة الأمريكية داخل مجلس الأمن الممتلك زمام القرار السياسي بشأن ملف الصحراء، فإن الرسالة التي بعثها الملك محمد السادس إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أعادت الأمور إلى نصابها، وذكرت الأمريكيين بأن تغيير الموقف يمس بالوحدة الترابية للمغرب ويمس، قبل أي شيء، العلاقات المتينة بين البلدين.
على العموم انتهى سوء الفهم الكبير بين المغرب وأمريكا، وذاب جليد الخلاف بعد الموقف الأمريكي، وتوج الانفراج بزيارة قام بها الملك محمد السادس إلى أمريكا خلال الشهور الماضية. الزيارة التي وصفت بالتاريخية، لم تكن لتغفل التطرق إلى قضية الصحراء، وكان البيان المشترك الذي صدر عن القمة بين الملك محمد السادس وباراك أوباما قويا في مضامينه إلى درجة أن بعض المحللين اعتبروا نص البيان بمثابة انقلاب واضح للسياسة الأمريكية تجاه قضية الصحراء.
نقرأ في نص البيان: «تعهد الرئيس بمواصلة دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي ودائم ومقبول من لدن الأطراف لقضية الصحراء. وتماشيا مع السياسة الأمريكية الثابتة على مدى سنوات عديدة، فإن الولايات المتحدة أكدت، بشكل واضح، على أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب هو مقترح جدي وواقعي وذو مصداقية، ويمثل مقاربة ممكنة من شأنها تلبية تطلعات ساكنة الصحراء إلى تدبير شؤونها الخاصة في إطار من السلم والكرامة»، مضيفا في نفس السياق «وأكد الرئيس أن الولايات المتحدة تدعم المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، بما فيها عمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، وناشد الأطراف العمل من أجل إيجاد حل سياسي. وأكد القائدان، مجددا، تشبثهما المشترك بتحسين ظروف عيش ساكنة الصحراء، والعمل سوية على مواصلة حماية حقوق الإنسان والنهوض بها في المنطقة».
نص البيان واضح، لا يحتمل الكثير من التأويل، ويحمل تأكيدا للموقف الأمريكي السابق الذي جاء على لسان هيلاري كلينتون، الكاتبة السابقة في الخارجية الأمريكية حينما اعتبرت مقترح الحكم الذاتي مقترحا يحظى بالجدية والمصداقية بمعنى أن المقترح المغربي آلية قابلة للتفاوض وكسرت الكثير من الجمود الذي طبع قضية الصحراء المغربية، بيد أن السؤال المطروح في هذا الصدد: هل تقدر الولايات المتحدة الأمريكية على ترجمة هذا الموقف على أرض الواقع؟
الأكيد أن التطورات التي عرفتها إفريقيا جنوب الصحراء، لاسيما في مالي، ستجعل أمريكا تعيد الكثير من حساباتها بالمنطقة بالنظر إلى الحضور القوي الذي بات يتمتع به المغرب في المنطقة وقدرته على إحداث الاختراق السياسي، ومن ثم ليس من مصلحة أحد أن يفخخ الأوضاع الإقليمية في المنطقة أمام تزايد المخاطر الإرهابية القادمة من دول الجنوب. البعض يرى أن القرار الأخير الذي صدر عن مجلس الأمن، والذي وجه صفعة قوية للجزائر ومعها جبهة البوليساريو يشكل تحولا جديدا في التعاطي مع الملف من لدن الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد رأى الجميع كيف أن الديمقراطية الجزائرية أفرزت رئيسا غير قادر حتى على أداء اليمين الدستورية، ورأى أيضا أن المغرب استطاع أن يكون بمأمن عن الصراع الدموي الدائر في الكثير من المناطق العربية في اللحظة الراهنة، ورأى أيضا أنه ماض في سبيل ترسيخ أركان تجربته الديمقراطية رغم كل التوعكات التي تصيبها بين الفينة والأخرى. صحيح أن القوى الكبرى التي تمتلك القرار السياسي لا يعنيها كثيرا مثل هاته الإصلاحات بقدر ما تهمها المصالح الاقتصادية الثابتة، لكن صحيح أيضا أن الاستراتيجيات العالمية الجديدة تنطلق من نقطة أساسية: الشريك الأساس هو القادر على ضمان الاستقرار.