بعد أكثر من ربع قرن على إنشاء اتحاد المغرب العربي، الذي ولد في مدينة مراكش المغربية في فبراير 1989، لا أحد اليوم يتذكر هذا التجمع الإقليمي الذي يرى الكثيرون أنه ولد ميتا وهو يقترب من عامه السابع والعشرين.
فالاتحاد من الناحية العملية ميت، وإن ظلت أمانته العامة موجودة على مستوى الهياكل، والبلدان المغاربية لم تعد تراهن عليه، كما أنه لم يعد يغري شعوب المنطقة، بل إن القلاقل التي مرت بها هذه الأخيرة خلال السنوات القليلة الماضية، منذ ما سمي بالربيع العربي، زادت في فقدان الأمل فيه، بسبب انكباب كل بلد على مشكلاته الداخلية.
ولد الاتحاد عام 1989 بمبادرة ما بين العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، في ظرفية دولية وإقليمية شهدت تقلبات نتيجة انهيار المعسكر الاشتراكي وزوال منطق الحرب الباردة، التي قسمت المنطقة المغاربية لجيلين، وكان هناك أمل يحدو البلدين المغاربيين الأكبر في تحقيق تقارب يضع الخلافات البينية التي سادت خلال القطبية الثنائية وراءهما.
أما مشكلة الصحراء، التي تعود بجذورها إلى سبعينات القرن الماضي، فقد كان يؤمل أن يتم بحثها داخل الاتحاد عبر حوار مغربي – جزائري. ولكن التطورات التي حصلت في الجزائر وتنحية الشاذلي بن جديد عن السلطة في بداية التسعينات أوقفتا ذلك التقارب الممكن، وبقي الاتحاد موجودا على الورق، لكن دون أن يستطيع تحقيق أي من الطموحات التي سطرها القادة الخمسة في الميثاق المغاربي الذي وقعوا عليه في قصر المؤتمرات بمراكش.
الحقيقة أن الاتحاد المغاربي عاش فترة قصيرة فقط، هي فترة الحلم المشترك بالتكتل الإقليمي أثناء حفل التوقيع على ميثاقه، إذ دخل لاحقا مرحلة الخلافات بين بلدانه الأعضاء، فإلى جانب الخلاف المغربي – الجزائري التقليدي حول الصحراء كان هناك الخلاف الحدودي بين البلدين، بعد أن قامت الجزائر بإغلاق حدودها مع المغرب عام 1994، وظل الاتحاد عاجزا عن تدبير هذا الملف.
وعلاوة على ذلك كان النظام الليبي الأسبق للعقيد معمر القذافي يتهم الاتحاد بالتخلي عن بلاده في مرحلة الحصار الدولي المفروض عليها، بل والتقيد بالحظر الذي فرضته الأمم المتحدة، بحيث رفضت ليبيا عام 1995 تسلم رئاسة الاتحاد احتجاجا على ذلك الوضع.
على الجانب الاقتصادي، ورغم إعلان قيام منطقة للتبادل الحر بين البلدان الأعضاء عام 1994 خلال قمة الرؤساء، لا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية إلا 2 بالمئة من قيمة معاملاتها الخارجية، وهو الرقم الأضعف بين مختلف التجمعات الإقليمية سواء في أوروبا أو في آسيا.
أما على الصعيد الثقافي فإن حضور كل بلد لدى البلد الآخر ضعيف بل غائب تماما، مقارنة بالحضور الفرنسي في كل من المغرب والجزائر وتونس، وحجم التبادل الثقافي بين بلدان الاتحاد يكاد يساوي صفرا.
ومنذ عام 1994 لم يعقد الاتحاد أي قمة على مستوى الرؤساء، نتيجة الخلافات الكثيرة بين أعضائه؛ فقد انكفأ كل بلد على نفسه لتدبير مشكلاته الخاصة، إلى حد أن المغرب قرر عام 1996 تجميد أنشطة الاتحاد بشكل رسمي.
وفي عام 2012 حاول الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي إعادة بعث الروح فيه، حيث قام بجولة في بلدان المنطقة لحثهم على عقد القمة المغاربية بعد سنوات من الجمود، وصرح خلال زيارته للجزائر بأن الظروف أصبحت جاهزة لإعادة بناء الاتحاد بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية في تونس وليبيا، ولكن محاولاته باءت بالفشل، ثم جاءت الضربة القاضية من موريتانيا عام 2015 عندما أعلنت انسحابها “تقنيا” من الاتحاد، والمراهنة على تجمع دول الساحل.
وبعد عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الأفريقي الشهر الماضي، إثر غياب استمر أكثر من ثلاثة عقود، يكون اتحاد المغرب العربي قد دخل طور النهاية، إلا بعملية جراحية قاسية تعيد بث الروح فيه. فقد أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه أمام القمة الأفريقية الأخيرة في أديس أبابا أن الحلم المغاربي “الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينات من القرن الماضي، يتعرض اليوم للخيانة”، موضحا بأن الاتحاد يشكل “المنطقة الأقل اندماجا في القارة الأفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع”، وهي إشارة واضحة إلى أن الاتحاد الأفريقي أكثر ديناميكية من الاتحاد المغاربي الذي لم يعد له وجود.
المصدر : صحيفة العرب