بقلم - ادريس الكنبوري
الأوروبيون يكتفون بالخطابات والوعظ السياسي، دون تقديم بدائل عملية ملموسة، كما أن المساعدات التي تقدمها أوروبا لبلدان الجنوب لا تكفي للنهوض بعبء التصدي لظاهرة الهجرة السرية.
أحلام في عرض البحر
لا تكاد معضلة الهجرة السرية بين ضفتي المتوسط تهدأ قليلا حتى تظهر من جديد. وبينما توقع الأوروبيون قبل ثماني سنوات أن يكون “الربيع العربي” فرصة لبلدان منطقة شمال أفريقيا من أجل وضع نموذج اقتصادي يدفع الراغبين في الهجرة إلى البقاء، حصل العكس تماما، حيث أدت الأحداث التي شهدتها المنطقة إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية في السنوات القليلة الماضية، نتيجة الاضطرابات التي حصلت في ليبيا بوجه خاص، والتي تحولت في فترة قصيرة بعد الإطاحة بالنظام السابق إلى محطة عبور للآلاف من المرشحين لعبور الضفة الجنوبية للمتوسط نحو ضفته الشمالية.
هذا الموضوع هيمن يومي الأربعاء والخميس الأخيرين على أشغال المؤتمر الوزاري الخامس للحوار الأورو-أفريقي حول الهجرة والتنمية، الذي عقد بمدينة مراكش المغربية تحت الرئاسة المشتركة للمغرب وبلجيكا، بمشاركة وزراء الخارجية والداخلية والهجرة لحوالي 60 بلدا من أفريقيا وأوروبا. حيث قدم وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة رقما مثيرا في اليوم الأول للمؤتمر، عندما أشار إلى أن نسبة الارتفاع في معدلات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا في اتجاه أوروبا بلغت 67 بالمئة خلال السنوات العشر الماضية.
وعلى الرغم من أن تقرير وكالة الأمم المتحدة للاجئين، الذين صدر الأربعاء في توقيت مزامن لموعد افتتاح المؤتمر، قال إن معدل الهجرة السرية من القارة الأفريقية نحو أوروبا تراجع بنسبة 74 بالمئة، بسبب الاتفاق بين الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي حول وقف تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، إلا أن هذا التراجع لا يعني أن الأمور عادت إلى طبيعتها كما كانت قبل مرحلة الربيع العربي، لأن ذلك التراجع تم قياسه على الطفرة الكبيرة التي شهدتها ظاهرة الهجرة خلال الأعوام الثلاثة الأولى لاندلاع أحداث الربيع العربي.
وحسب نفس التقرير، فإن واحدا من كل 14 مهاجرا غير شرعي يلقى حتفه غرقا. في الوقت الذي أكد بأن النسبة الأولى للمهاجرين تأتي من ليبيا التي تعيش فوضى على جميع الأصعدة مما يجعل من الصعب التحكم في تدفق المهاجرين السريين، إذ بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا أوروبا عبر ليبيا خلال السنوات الماضية مليونا ونصف المليون، معظمهم من دول الشمال الأفريقي، فضلا عن الدول الأفريقية الأخرى خاصة الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا، وهي الدول المسماة بالدول الهشة.
والملاحظ أن الارتفاع في نسبة المهاجرين غير الشرعيين، حسب الحكومة الإسبانية، بدأ تحديدا عام 2013، وهي الفترة التي تتزامن مع تزايد التوتر في القطر الليبي واندلاع الصراع المسلح بين الفصائل المتقاتلة هناك، وتسلل مقاتلي تنظيم داعش بدءا من عام 2014، حيث وجد الآلاف من المواطنين الليبيين أنفسهم أمام خيار الهجرة إلى أوروبا كحل وحيد للهروب من الانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية بعد تحلل الدولة.
ولا يبدو أن مؤتمر مراكش سيعطي نتائج ملموسة خلال الفترات المقبلة ويحدّ من ظاهرة “قوارب الموت”، ولذلك يظل تفاؤل البلدان الأفريقية محدودا. فقد بحث المؤتمرون مخطط عمل يلح على وضع مقاربة إقليمية مشتركة مع احترام سيادات الدول، ودعوا إلى تفهم مشترك للأسباب العميقة للهجرة غير القانونية وللنازحين قسرا في القارة، ومحاربة الشبكات العاملة في نقل المهاجرين غير الشرعيين. بيد أن حسابات الحقل تخالف حسابات البيدر، ذلك أن الأوروبيين يكتفون بالخطابات والوعظ السياسي، دون تقديم بدائل عملية ملموسة، كما أن مساعدات أوروبا التي تقدمها لبلدان الجنوب لا تكفي للنهوض بعبء التصدي للظاهرة.
وفي الوقت الذي تطرح فيه ظاهرة الهجرة غير الشرعية مشكلة على مستوى العلاقات بين الشمال والجنوب، تثار مشكلات سياسية داخل إسبانيا نفسها بخصوص ذات الموضوع. فالحزب الاشتراكي العمالي المعارض للحكومة التي يقودها الحزب الشعبي اليميني ينتقد هذا الأخير بسبب السياسات غير الإنسانية التي يتعامل بها مع المهاجرين الذين تمكنوا من دخول التراب الإسباني، إذ يطالب بإنشاء ملاجئ ذات مواصفات توفر الكرامة لهؤلاء المهاجرين، ويحث الحكومة على التفاوض مع بلدان الجنوب من جهة، وبلدان الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية من أجل التدخل وتقديم المساعدات المطلوبة، وهو ما يدل على غياب سياسة أوروبية موحدة تجاه قضية الهجرة، الأمر الذي يجعل بلدان منطقة الجنوب في أزمة حقيقية من حيث إيجاد مخاطب مقبول في الجانب الأوروبي.