بقلم - ادريس الكنبوري
استثمر بولصونارو الوضع في الداخل وفي الخارج لشن حملة على الاشتراكية والشيوعية، ورفع شعارا شبيها بالذي رفعه ترامب في الانتخابات الأميركية "البرازيل فوق كل شيء والله فوق الجميع".
يبدو أن النزعة الشعبوية قد بدأت تهب على قارة أميركا اللاتينية في السنوات القليلة الأخيرة، تقليدا للشعبوية الأميركية التي بات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ممثلها البارز، ليس داخل الولايات المتحدة فحسب، بل في العالم أجمع. فها هو مرشح اليمين المتطرف في البرازيل، جير بولصونارو، الذي تصفه وسائل الإعلام الناطقة بالإسبانية “ترامب الصغير”، يحقق فوزا كبيرا في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التي أجريت الأحد الماضي، بفارق واسع عن منافسه مرشح الحزب العمالي اليساري، فرناندو حداد، ذي الأصل اللبناني، إذ حصل الأول على 46 في المئة من أصوات الناخبين، الذين قدر عددهم بنحو 140 مليون ناخب، مقابل 29 بالمئة فقط لحداد.
أثار فوز بولصونارو جدلا واسعا في البلاد وفي أميركا اللاتينية وداخل إسبانيا، لكونه سيكون أول رئيس يميني متطرف في أكبر بلد في القارة يُعدّ القوة الاقتصادية العاشرة عالميا، ويمكن أن يصبح مثالا يحتذى في بلدان أميركا اللاتينية الأخرى.
فهذا الرجل ذو الخلفية العسكرية، الذي عمل مظليا في القوات المسلحة البرازيلية في عهد الدكتاتورية خلال السبعينات والثمانينات قبل أن يحال على التقاعد، خلق الجدل من حوله في الداخل منذ سنوات، ومواقفه اليمينية المتطرفة لم تكن سرا، إذ هو عضو في البرلمان لسبع ولايات متتالية، كان خلالها يعبر عن آرائه الأكثر تطرفا تجاه مختلف القضايا، ويدلي بمواقف علنية معادية للسود والشواذ، ومؤيدة للعنصرية. كما لم يكن يخفي حنينه إلى عهد الدكتاتورية في البلاد في الفترة ما بين 1964 و1985، حتى إنه في تجمع انتخابي في أبريل عام 2016 أشاد بأحد جلادي العهد الدكتاتوري المعروفين في البلاد، وهو كارلوس ألبرتو أوسترا، المتوفى عام 2015، والذي أدانه القضاء البرازيلي عام 2008 لمسؤولياته عن التعذيب في مرحلة الحكم الدكتاتوري.
ويمكن رد فوز بولصونارو إلى عاملين رئيسين، الأول داخلي والثاني خارجي.
أما العامل الداخلي فهو يرتبط بحقبة الرئيس اليساري الأسبق لويز إيناسيو لولا، الذي يوجد رهن الاعتقال حاليا بتهمة الفساد، حيث حكم عليه باثني عشر عاما سجنا، ولا يزال ملفه تحت النظر القضائي بعد تقدمه بالطعن. وقد استفاد مرشح اليمين المتطرف من الحملة الإعلامية القوية التي شُنّتْ على لولا ومرحلة حكمه، إذ أضعفت تلك الحملة حزبه، الحزب العمالي، وقضت على حظوظ مرشحه في الفوز، في وقت لا يوجد منافس قوي آخر يمكنه خوض سباق المنافسة. وحتى قبل شهرين كان لولا، الذي أطلق عليه في السابق لقب “أب الفقراء”، يعبر عن نيته في الترشح للانتخابات الرئاسية من داخل السجن بعد أن طالبه حزبه بذلك. وفي شهر أغسطس الماضي كشف استطلاع للرأي أن لولا يتوفر على 39 بالمئة من نوايا التصويت لدى الناخبين، مقابل 19 بالمئة فقط لزعيم الحزب اليميني المتطرف، لكن المحكمة العليا في نهاية نفس الشهر أصدرت قرارا بمنعه من الترشح للانتخابات، ما دفعه إلى تقديم نائبه في الحزب فرناندو حداد، ذي الأصل اللبناني، رغم أن مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أصدرت في 17 أغسطس رأيا تؤكد فيه أن لُولا يمكنه ممارسة حقوقه الانتخابية كمرشح؛ ولا يستبعد مراقبون أن يكون اعتقال لولا وتوجيه تهمة الفساد إليه مخططا له للحؤول دون ترشحه وتركه المجال مفتوحا أمام الحزب اليميني المتطرف.
أما على الصعيد الخارجي فقد استفاد المرشح اليميني من الوضع في فنزويلا المجاورة، التي تعيش أزمة اقتصادية وسياسية حادة تحت حكم الحزب الاشتراكي الموحد، الشيوعي، منذ أواخر عهد الرئيس السابق هوغو تشافيز، وصولا إلى مرحلة خلفه نيكولاس مادورو، ووصل الأمر إلى تدفق الآلاف من المهاجرين إلى البلدان المجاورة بسبب استفحال الأزمة داخل البلاد، ما دفع بعض بلدان القارة إلى المطالبة بعزل النظام الحاكم في كاراكاس كعقاب له.
استثمر بولصونارو الوضع في الداخل والخارج لشن حملة على الاشتراكية والشيوعية وتصويرهما كنموذجين للفشل، إلى درجة أنه رفض مقابلة تلفزيونية مع خصمه فرناندو حداد، كإشارة منه إلى أنه لا يهتم بوجوده، ورفع شعارا شبيها بذلك الذي رفعه ترامب في الانتخابات الأميركية “البرازيل فوق كل شيء والله فوق الجميع”، وهاجم جميع خصومه السياسيين. بيد أن البرنامج الانتخابي الذي تقدم به أمام البرازيليين يشكك الكثيرون في قدرته على الوفاء به، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر منها البلاد، والانقسام السياسي الذي أضيف إليها بعد الانتخابات.