بقلم - ادريس الكنبوري
الحكومة النيجرية انخرطت في مشاريع جديدة، لتحفيز الشباب في عدد من المناطق المتضررة من الإرهاب على الاستقرار وعدم البحث عن "وظائف" مع الجماعات الإرهابية.
تخوض الحكومة النيجرية حربا طاحنة ضد الجماعات الإرهابية على أكثر من جبهة داخل حدودها، بحيث يبدو أن هذه الجماعات تريد جر القوات العسكرية النيجرية إلى حرب استنزاف بهدف كسر قدراتها على صد الهجومات المتكررة وسد كافة الثغرات التي تشكل منفذا لمقاتلي هذه التنظيمات المسلحة. ولكن الحكومة في الوقت نفسه تنهج أسلوبا سياسيا مختلفا لدفع هؤلاء المقاتلين من الشباب المغرر بهم إلى وضع السلاح مقابل الاستفادة من العفو وإسقاط الملاحقة القضائية.
ففي الثاني من شهر نوفمبر الجاري صادقت الحكومة على مشروع قانون جديد يتم بموجبه تعديل مواد في قانون العقوبات، في إشارة منها إلى أنها تحاول المزاوجة بين الردع والترغيب في سياستها ضد التهديدات الإرهابية. وتسمح التعديلات الجديدة لأتباع جماعة بوكو حرام التائبين بالاستفادة من العفو والاندماج في الحياة الاجتماعية مجددا، شرط ألّا يكونوا من منفذي الجرائم الإرهابية وأن يكونوا من الشباب المغرر به. ونص القانون الجديد على إلغاء المتابعة الجنائية ضد مجندي التنظيم الذين يسلمون أنفسهم عن طواعية إلى السلطات النيجرية ويلقون السلاح ويعبرون عن نيتهم التخلي عن الإرهاب. وتضمّن القانون أيضا إجراءات تتيح للحكومة بدفع تعويضات للضحايا وعوائلهم.
موازاة مع تلك الإجراءات القانونية والسياسية انخرطت الحكومة النيجرية في مشاريع جديدة لتحفيز الشباب في عدد من المناطق المتضررة من الإرهاب والعنف على الاستقرار وعدم البحث عن “وظائف” مع الجماعات الإرهابية، التي تستغل حالة البؤس والفقر في الأوساط الاجتماعية لاستقطاب أبناء الفئات الدنيا.
ومنذ عام وضعت الحكومة برنامجا ذا أبعاد اقتصادية واجتماعية في منطقة ديفا على الحدود مع نيجيريا، شكلت طوال السنوات الثلاث الماضية ساحة معارك ضد بوكو حرام. والهدف من البرنامج إنشاء بيئة اجتماعية واقتصادية جديدة لفائدة شباب المنطقة الذين انخرط الكثير منهم في صفوف التنظيم بسبب غياب آفاق المستقبل وانتشار الفقر والبطالة. وقد قدمت فرنسا مساعدة مالية قدرت بنحو 11 مليون دولار في إطار مشروع أطلق عليه “شباب ديفا”، تم بمشاركة بين الوكالة الفرنسية للتنمية والهيئة العليا النيجيرية لتعزيز السلام.
تتزامن هذه الإجراءات، التي تسعى، حسب الحكومة، إلى خلق مناخ سياسي يحول دون التحاق الشباب بالجماعات المتطرفة، مع حملة تمشيطية تقوم بها القوات العسكرية في البلاد ضد مقاتلي التنظيم الذين أنشأوا لهم مخابئ في منطقة غابية تقع على الحدود ما بين النيجر وبوركينا فاسو وبنين، حيث حصلت عمليات قتل واختطاف عدة في الفترات الماضية. وتعد تلك المنطقة الحدودية ملاذا آمنا للإرهابيين بسبب كثافة أنشطة التهريب والتجارة غير المشروعة.
ومنذ أكثر من أسبوع تخوض قوات الجيش النيجري معارك طاحنة مع جماعات متطرفة قادمة من بوركينا فاسو ومالي، تحاول فرض سيطرتها غرب البلاد على الحدود بين البلدان الثلاثة، حيث تفرض الحكومة حالة طوارئ منذ العام الماضي. وبالرغم من أن النيجر لا توجد فيها حتى اليوم معسكرات أو قواعد خلفية تابعة للتنظيمات الإرهابية المسلحة، إلا أنها تتعرض بين الحين والآخر لهجمات من قبل مقاتلي هذه التنظيمات الذين يتسللون من مالي أو بوركينا فاسو أو نيجيريا، البلدان القريبة التي تتخذ فيها التنظيمات المسلحة قواعد لها. وتستغل هذه التنظيمات هشاشة الدولة وغياب الغطاء الأمني الكافي في المناطق الحدودية لكي تنتشر وسط السكان، حيث تشهد بعض هذه المناطق تحركات لأتباع الجماعات الإرهابية الذين يتجولون على متن دراجات نارية ويطلبون من المواطنين دفع الزكاة بالقوة، وفي حالة رفض بعضهم أداء ما يطلب منهم تتم تصفيتهم بدم بارد. كما يلزمون السكان بالتجمع لسماع خطبهم الدينية التي يلقونها فيهم، ويقتحمون المدارس لإلقاء خطب أمام التلاميذ والمدرسين، وفي حالة الامتناع يقومون بحرق هذه المدارس.