لغز الأبرياء المحبوسين

لغز الأبرياء المحبوسين

المغرب اليوم -

لغز الأبرياء المحبوسين

فهمي هويدي


جيد أن يرفع سيف الاتهام من فوق رقاب نحو ٥٠٠ شخص بما قد يمهد لإخلاء سبيلهم، لكن من غير المعقول أن يتم ذلك بعد عشرين شهرا من احتجازهم. أتحدث عن قرار النائب العام المصرى الذى نشرته جريدة الأهرام يوم الخميس الماضى (٩/٤) بخصوص إحالة ٣٧٩ متهما من الذين شاركوا فى اعتصام ميدان النهضة إلى محكمة الجنايات، واستبعاد ٤٨٨ متهما آخرين لعدم كفاية الأدلة، وكان هؤلاء جميعا ألقى القبض عليهم أثناء وبعد فض الاعتصام الذى تم يوم ١٤ أغسطس من عام ٢٠١٣.

ليس لدى كلام بخصوص الذين أحيلوا إلى محكمة الجنايات، بعد توجيه ١٤ تهمة إليهم، وهو ما قد يدرجه البعض ضمن اللامعقول الحاصل، الذى له مصادر وقرائن أخرى عديدة. لكنى وجدت المفارقة أكبر فيما خص الذين تم استبعادهم من القضية. ولست على يقين من أنهم بعد الاستبعاد لن يزج بهم فى قضايا أخرى أم لا، كما حدث مع غيرهم. لذلك قلت إن استبعادهم من القضية «قد» يبرئ ساحتهم ويمهد لإخلاء سبيلهم.
عندى عدة ملاحظات على قرار النائب العام الذى أتمنى أن ينتهى بإخلاء سبيل هؤلاء الذين لم تتوفر أية أدلة تسوغ اتهامه فى قضية اعتصام النهضة. هذه الملاحظات هى:

* إننا بصدد حالة كاشفة للمدى الذى ذهبت إليه عمليات الاعتقال العشوائى التى كان ضحاياها مئات بل ألوف الأشخاص، وذلك هو السبب وراء ضخامة أعداد المعتقلين. ورغم أنه لا تتوافر لدينا بيانات رسمية بشأن أعدادهم، إلا أن الرقم المتواتر فى أوساط الحقوقيين المصريين يقدرهم بنحو ٤٠ ألف شخص.

 * إن عملية فرز الأشخاص الذين ألقى القبض عليهم استغرقت نحو ٢٠ شهرا، أعنى أنهم ألقى القبض عليهم أو على أغلبهم يوم ١٤ أغسطس عام ٢٠١٣، ثم صدر قرار النائب العام فى ٨ إبريل عام ٢٠١٥. الذى أخبرنا أنه بعد تلك المدة الطويلة تبين أنه ليست هناك أدلة تبرر توجيه الاتهام إليهم فى القضية، ولا تفسير لطول تلك المدة سوى أن الجهات المعنية لم تكترث بالفرز، وإنما ظل همها هو إلقاء القبض على أكبر عدد ممكن من المشكوك فى انتمائهم للإخوان، ثم النظر فى مصيرهم على مهل بعد ذلك.

 * بالمعدلات القائمة فإنه إذا كان فرز نحو ٩٠٠ شخص من الذين تم اعتقالهم فى أحداث النهضة قد استغرق حوالى ٢٠ شهرا، فربما يكون علينا أن ننتظر عدة سنوات لكى تسوى أوضاع الأربعين ألف شخص الآخرين، بحيث يتحدد مصير الذين سينظر القضاء فى أمرهم والذين يطلق سراحهم لأنه لا دليل على اتهامهم.

 * إن هؤلاء الذين تبين بعد ٢٠ شهرا أنه لا دليل على اتهامهم، ظل يمدد لهم الحبس طوال الأشهر التى خلت. الأمر الذى يضعنا أمام نموذج فادح للنتائج البائسة التى ترتبت على إطلاق مدة الحبس الاحتياطى وإساءة استعماله، بحيث يصبح بديلا عن الطوارئ. ولأن الأصل فى الإنسان هو البراءة، وأن الحبس الاحتياطى يمثل استثناء على ذلك الأصل.. وكأى استثناء كان ينبغى العمل به فى أضيق الحدود، إلا أن الممارسات بينت أن الاستثناء جرى التوسع فيه إلى أبعد الحدود.

 * اتصالا بما سبق فإن ما جرى مع هؤلاء الأبرياء الذين لم تتوفر أدلة إدانتهم كان بمثابة توقيع للعقوبة عليهم مع كل ما استصحبه ذلك من نتائج أدت إلى تعذيبهم والتنكيل بهم فى السجون، والإضرار بمصالحهم ووظائفهم ومستقبلهم، ناهيك عما تعرض له أهلوهم من حرمان وإذلال وتنكيل، ولا تسأل عما أصاب الآباء والأمهات والزوجات والأطفال من عنت جراء افتقادهم لأحبائهم.

 * لابد أن نسأل أنفسنا أيضا، ما الذى نتوقعه من هؤلاء الأبرياء بعد خروجهم بعدما تم تعذيبهم وتدمير حياتهم العملية والعائلية؟ كيف ستكون علاقتهم بالسلطة التى آذتهم والنخبة التى سوغت ذلك والمجتمع الذى هلل له؟ كيف يمكن أن تزيل آثار التشوهات التى أصابتهم جراء كل ذلك.

 ليست هذه القضية استثناء بطبيعة الحال، حيث لا مبرر لذلك. من ثم فليس من التعسف القول بأن ما جرى فى ميدان النهضة تكرر فى رابعة وفى أحداث مسجد الفتح وحلوان وكرداسة وعين شمس والمطرية، ومظاهرات ذكرى ثورة ٢٥ يناير، كما أنه تكرر فى الأحداث التى وقعت بالإسكندرية وبعض مدن الدلتا والصعيد. ذلك أن القبض العشوائى ظل سياسة عامة، وهى وراء وصول أعداد المعتقلين السياسيين إلى أكثر من ٤٠ ألفا. وحين ذكرت أنه «سياسة عامة» فلم يكن فى ذهنى ما أصاب الإخوان فى القاهرة والمدن الأخرى فحسب، وإنما قصدت أيضا بقية الجماعات السياسية وآخرين من المواطنين الأبرياء الذين شاء حظهم العاثر أن يتواجدوا بالقرب من أماكن الأحداث التى وقعت فأخذوا بجريرة غيرهم وألقوا فى غياهب السجون منذ سنة أو أكثر، دون أن تكون لهم أدنى علاقة بأى نشاط سياسى. وفى بريدى نماذج كثيرة لهؤلاء، أحدهم كان ذاهبا لأداء الامتحان فألقى القبض عليه منذ عشرة أشهر، ولأنه لا يعرف متى سيخرج فقد ذكر فى خطابه أنه أصبح منتميا إلى هندسة أبوزعبل (السجن!).

منذ شهر يناير الماضى تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة عن قرب إطلاق سراح أمثال هؤلاء المظلومين، وهو ما كان ينبغى أن يؤخذ على محمل الجد ويوفر للمظلومين بصيص أمل فى الانفراج، إلا أن شيئا لم يتم حتى الآن، ولم يفسر لنا أحد لماذا تعطلت هذه الخطوة بحيث لم ينفذ وعد رئيس الجمهورية وما هى الجهة التى حالت دون ذلك. بالتالى فإن أحدا لم يعد يعرف متى يمكن أن يغلق هذا الملف الذى يشكل استمراره بصورته الراهنة وصمة فى جبين النظام، فضلا عما يمثله من انتهاك لأبسط قواعد العدالة. ناهيك عما يثيره من أسئلة حول دور مراكز القوى داخل مؤسسة السلطة، وإذا لاحظت أننا نتحدث عن أبرياء اعترف رئيس الجمهورية بمظلوميتهم ووعد بإنصافهم، فإننا ما عدنا فقط نسأل لماذا لم يتم إنصاف المظلومين؟ وإنما صرنا نسأل أيضا من عطل تنفيذ وعد رئيس الجمهورية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغز الأبرياء المحبوسين لغز الأبرياء المحبوسين



GMT 19:47 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 19:45 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 19:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 19:40 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 19:37 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

السينما الإيرانية.. السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»!

GMT 19:34 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 19:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصندوق؟!

GMT 19:28 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلاهما مُر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب
المغرب اليوم - استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب

GMT 09:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يتصدّر ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك
المغرب اليوم - عمرو دياب يتصدّر ميدان

GMT 05:47 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

3 لاعبات من الحسنية في المنتخب المغربي النسوي

GMT 03:03 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

وعود صينية تٌضمد جراح أسهم شركات الألعاب

GMT 20:35 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

سوني تطلق سماعة أذن لاسلكية بسعر منافس جدًا

GMT 13:05 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أغرب حالات الولادة في الحيوانات

GMT 06:47 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

العراق يقلّص زراعة محاصيل الشتاء إلى النصف

GMT 06:37 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أفضل المعالم السياحية في "إيبوه" الماليزية

GMT 00:27 2018 الأحد ,16 أيلول / سبتمبر

معرض V & A دندي واحدٌ مِن أجمل المتاحف في العالم

GMT 06:01 2014 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

أشغال الجلد الطبيعي مميزة للغايّة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib