عندما يتعلق اليمنيون بالعودة إلى الماضي…

عندما يتعلق اليمنيون بالعودة إلى الماضي…

المغرب اليوم -

عندما يتعلق اليمنيون بالعودة إلى الماضي…

خير الله خير الله

من أفضل ما يلخّص الوضع اليمني، تعليق تلقّيته من صديق من محافظة إب يعرف عن طبيعة البلد أكثر مما يعرف غيره، فضلا عن امتلاكه مقدارا كبيرا من الواقعية. جاء في التعليق الذي يقول كلّ شيء تقريبا بسطور قليلة: “إن اليمن هو البلد الوحيد في العالم الذي تتصارع فيه كلّ القوى من أجل العودة إلى الماضي”.
الشرعية ممثلة بالرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي ونائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء خالد بحّاح تريد العودة إلى ما قبل سقوط صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014.

التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) يريد العودة إلى ما قبل سقوط محافظة عمران، معقل آل الأحمر زعماء حاشد سابقا، صيف العام 2013.

المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح) يريد العودة إلى ما قبل ثورة الشباب التي خطفها الإخوان المسلمون في مطلع العام 2011.

الجنوبيون، في معظمهم، يريدون العودة إلى ما قبل الوحدة في مايو 1990.

الحوثيون (أنصار الله) يريدون العودة إلى ما قبل سقوط نظام الأئمة في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962”.


أين مستقبل اليمن الذي يعاني أيضا من انتشار “القاعدة” و”داعش”، خصوصا في المحافظات الجنوبية، على رأسها حضرموت وأبين وشبوة وعدن؟ كان آخر دليل على هشاشة الوضع الأمني في مدينة مثل عدن، التي حررتها قوات التحالف العربي من الحوثيين وحلفائهم وأعادتها إلى الشرعية، اغتيال المحافظ اللواء جعفر محمّد سعد، وهو ضابط مشهود له بالكفاءة والمهنية والابتعاد عن الحساسيات الحزبية الضيقة وتمسّكه بالمحافظة على أمن المواطن والإخلاص لقضية البلد، أو ما بقي منه.

يصعب تعداد المشاكل التي يعاني منها اليمن والتي تجعل كلّ مجموعة من المجموعات المتصارعة أسيرة هدف معيّن يمنع التفكير في عمق هذه المشاكل. هناك أوّلا غياب أي قدرة على إعادة الدولة المركزية التي تحكم من صنعاء، كما كان يحلم الحوثيون بعيد سيطرتهم على العاصمة سيطرة كاملة في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014.

سارع الحوثيون، وقتذاك، إلى فرض “اتفاق السلم والشراكة” بمباركة من الأمم المتّحدة والرئيس الانتقالي عن طريق جمال بنعمر المبعوث الخاص للأمين العام للمنظمة الدولية.

تبيّن مع مرور الوقت أن “أنصار الله” لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو اقتصادي للبلد باستثناء تحويل اليمن مستعمرة إيرانية. أَعلنوا قيام “الشرعية الثورية” وتذرّعوا بها لتبرير الحملة العسكرية التي بدأوها في كلّ الاتجاهات وصولا إلى باب المندب وعدن، وذلك بعد الالتفاف على تعز. سمح ذلك لعدد لا بأس به من المسؤولين الإيرانيين بالقول إن طهران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

تبدو كلّ الأطراف اليمنية المتصارعة في حال هروب مستمرّة إلى أمام. إنها تهرب عمليا من مشاكل اليمن التي لا حلّ لها في المدى المنظور في غياب التوصّل إلى صيغة جديدة للبلد. ثمّة حاجة إلى شجاعة كبيرة للاعتراف بأنّ اليمن لم يعد موحّدا، إضافة إلى أنّ العودة إلى دولتي الشمال والجنوب لم تعد واردة بأيّ شكل.

من يستطيع معالجة الوضع الاقتصادي في اليمن؟ من يستطيع إطعام اليمنيين؟ من يستطيع إعادة التلاميذ والطلاب إلى المدارس والجامعات؟ هل لا تزال هناك مدارس وجامعات أصلا؟ هل لا تزال زراعة في اليمن؟ هل لا تزال هناك خدمات طبّية ومستشفيات؟

كلّ شيء مدمّر في اليمن. كان علي عبدالله صالح آخر رئيس لليمن الموحد. استمرّت الوحدة بين 1990 و2011. انتهت الوحدة في اليوم الذي خطف الإخوان المسلمون ثورة الشباب على نظام لم يعد قادرا على تلبية طموحات هؤلاء الشبان الذين كانوا يختزنون شحنة كبيرة من الحماسة والاندفاع والنيّات الحسنة. أدّى ذلك إلى جعل الصراع على السلطة يدور داخل أسوار صنعاء. لم تعد صنعاء المركز الذي يُحكم منه اليمن وتدار منه النزاعات في مختلف المناطق اليمنية، بما في ذلك الحروب المستمرّة مع الحوثيين بين 2004 و2010.

انتهى الحوثيون من حروبهم مع صنعاء ليشنوا حربهم على خصومهم وصولا إلى صنعاء التي أسقطوها بعد إسقاطهم عمران تمهيدا لإقامة تحالف مع علي عبدالله صالح، هو في الواقع إحياء لتحالف قديم بين الجانبين.

أصرّ الرئيس السابق على البقاء في صنعاء ولعب دور سياسي وعسكري على الرغم من معرفته التامة أن كلّ شيء تغيّر، وأن لا مجال للعودة إلى ما قبل 2011. تلك العودة صارت حلما أكثر من أيّ شيء آخر. لم يعد من معنى للاحتفال بذكرى استقلال الجنوب في 1967 ولا لإحياء “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962”، خصوصا بعدما اعتبر الحوثيون أنّهم قاموا بثورة على الثورة وأن احتلالهم لصنعاء يؤرّخ لليمن الحديث!

عقدة العودة إلى الماضي تتحكّم بكلّ طرف يمني. لدى كلّ طرف تاريخ يرفض أن ينساه. تقضي الشجاعة الآن بتجاوز كلّ طرف لتاريخ معيّن. لن يكون في استطاعة الشرعية العودة إلى صنعاء، مثلما لن يكون في استطاعة الحوثيين حكم صنعاء إلى الأبد مهما اعتقدوا أنّهم باتوا يجسّدون العصبية الزيدية في مرحلة معيّنة.

أضاع اليمنيون فرصا كثيرة. تلهّوا بجلسات الحوار الوطني أكثر مما يجب بكثير. لم يدركوا خطورة الحوثيين ومعنى انتقال الصراع الذي افتعله الإخوان السلمون إلى داخل أسوار صنعاء.

لم يدركوا أنّ “عاصفة الحزم” آتية، وأن أهل الخليج لا يمكن أن يتركوا اليمن لإيران… وأنّ هذه “العاصفة” ستستمرّ ما دامت هناك حاجة إليها، وما دامت هناك أسباب تدعو إلى احتواء إيران.

ستستمرّ “العاصفة” التي حققت حتّى الآن هدفا في غاية الأهمّية يتمثل في منع إيران من وضع يدها على اليمن. ولكن في النهاية، سيكون على اليمنيين، بمن في ذلك أولئك الذين يمثّلون الشرعية، التفكير في مواجهة المستقبل ومشاكله، بدل التفكير في كيفية العودة إلى الماضي.

كشف اغتيال “داعش” لمحافظ عدن مدى الحاجة إلى نمط جديد في التفكير، خصوصا أن التغاضي عن “داعش” و”القاعدة” والتنظيمات الإرهابية الأخرى سينعش الحوثيين الذين يراهنون على أن الشرعية ليست في وضع يسمح لها بالاستفادة من الإنجازات التي تحقّقت بفضل قوات التحالف العربي والبناء عليها.

ماذا يعني ذلك؟ إنّه يعني بكل بساطة أن على اليمنيين البحث عن صيغة جديدة تؤمن التعايش في ما بينهم، حتّى لو كانت هذه الصيغة لا علاقة لها من قريب أو بعيد لا بالوحدة ولا بدولتي الشمال والجنوب…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يتعلق اليمنيون بالعودة إلى الماضي… عندما يتعلق اليمنيون بالعودة إلى الماضي…



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib