أميركا بين الشيخوخة والقضاء والحروب

أميركا بين الشيخوخة والقضاء والحروب

المغرب اليوم -

أميركا بين الشيخوخة والقضاء والحروب

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

دخلت الولايات المتحدة شهور عواصف الانتخابات الرئاسية. كل أربع سنوات يثور بركان المعركة الكبرى نحو البيت الأبيض. الحزبان الكبيران؛ الجمهوري والديمقراطي، لا يشيخان ولا يطويهما الزمن ويدفعهما إلى فراغ التقاعد. النظام الانتخابي الرئاسي الأميركي فريد، مثل كل شيء في الولايات الخمسين المتحدة. التصويت الشعبي الذي يشارك فيه جميع أفراد الشعب، والمجمع الانتخابي الذي يَشترط الدستور تشكيله كل أربع سنوات، لينتخب الرئيس ونائبه. يُعيَّن أعضاء المجلس الانتخابي، من كل ولاية، بالطريقة التي تحددها الهيئة التشريعية، ويضم المجلس 538 ناخباً. الأغلبية المطلقة من أصوات المجلس الانتخابي 270 عضواً أو أكثر، لانتخاب الرئيس ونائبه. إذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة تُجرى انتخابات طارئة، ويُطلب من الكونغرس انتخاب الرئيس ونائبه. القرار الفاصل في الانتخابات الرئاسية الأميركية يملكه المجمع الانتخابي، فلو حصل المرشح الرئاسي على أغلبية أصوات الشعب، وفشل في الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات المجمع الانتخابي فلن يُكتَب له الفوز، وذلك ما حدث للمرشحة هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016. تبدأ الرحلة الانتخابية الطويلة الساخنة، في شهر فبراير (شباط) وتمتد حتى شهر أغسطس (آب)، إذ يبدأ كل حزب باختيار مرشحه للرئاسة ونائبه. معارك الترشح داخل كل حزب، لها حلبتها، حيث يتواجه عدد من المتنافسين لخوض معركة التدافع الأولى الأساسية.

معركة هذه السنة لها عراك وضجيج خاص لا سابق له في الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ الحزب الجمهوري يتصدره الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو الملاكم والمصارع بكل جوارحه. رجل الأعمال والإعلام الذي لا يكلّ من الهجوم، والضرب فوق الحزام وتحته، وعلى الرأس والقدمين أيضاً. يلاحقه أكثر من تسعين تهمة، بعضها يهدده بالدخول إلى السجن، لكنها جميعاً لا توهن قبضةَ قفازيه أو لسانَه. تمكَّن ترمب من إزاحة عدد من منافسيه داخل الحزب الجمهوري مبكراً، ولم تبقَ إلا المرشحة نيكي هيلي، التي لا تمنحها استطلاعات الرأي والانتخابات الأولية داخل الحزب الجمهوري إلا نقاطاً ضئيلة أمام ترمب الرهيب. إلى الآن لم يبرز داخل الحزب الجمهوري مرشح من الوزن الثقيل قادر على منازلة دونالد ترمب.

الحزب الديمقراطي له حتى الآن مرشح وحيد، وهو الرئيس جو بايدن الجالس في البيت الأبيض. المعتاد أن يكون الرئيس الحاكم في المكتب البيضاوي، هو مرشح حزبه إن لم يكمل الولايتين الرئاسيتين. لم يتأكد إجماع الحزب الديمقراطي على ترشيح الرئيس جو بايدن. هناك أصوات داخل الحزب تهمس بعدم قدرة بايدن عن منازلة المرشح الجمهوري دونالد ترمب، الذي تضيء له استطلاعات الرأي العام الطريقَ نحو البيت الأبيض. لقد بلغ بايدن من الكبر عتياً، وذلك هو المأخذ الأكبر عليه داخل حزبه وخارجه. لكن إلى اليوم لم يتخذ الحزب الديمقراطي قراره المنتظر حول مرشحه للرئاسة. لمّح بعض وسائل الإعلام الأميركية، إلى إمكانية ترشيح ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لكن هذا الخيار تطوف حوله الكثير من الهنات. ميشيل أوباما، امرأة من أصول أفريقية، وزوجة رئيس سابق، كان له ما له وعليه ما عليه. المناوئون لها سيُحرّكون مزاجاً كامناً عند قطاع كبير من المحافظين بين الشعب الأميركي، وهو الذي لم يُسلِّم بعد بأهلية المرأة لتولي زمام القيادة في البلاد. الحساسية الكامنة لدى شريحة واسعة من الأميركيين التي لا تتعاطف أو تتحمس لتأييد ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية واللاتينية في الانتخابات الرئاسية. ترشيح ميشيل أوباما أو غيرها عن الحزب الديمقراطي، أو الاتفاق على ترشيح الرئيس الحالي جو بايدن، ذلك ما ستحمله الأخبار في الشهور، أو حتى الأيام القادمة. حتى الآن المرشحان الأبرز للرئاسة من الحزبين، هما الرئيس السابق دونالد ترمب، والرئيس الحالي جو بايدن. لأول مرة تبرز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ورقة عُمْر المرشح وما فيها من بقع ضعف تطول المرشحين. كلمة «الخرف» لا تغيب في وسائل الإعلام الأميركية، وفي التنابز بين المترشحين. المرشحة الجمهورية نيكي هيلي التي ضربتها الهزيمة مبكراً في انتخابات الحزب الجمهوري، ترفع فزاعة عُمْر المرشح دونالد ترمب، في حملتها الانتخابية الحزبية، وتُعيِّره بالهفوات التي لم تَغِب في خطاباته التعبوية الانتخابية. فقد خلط ترمب بين اسم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة، ومنافسته في السباق الجمهوري نانسي هيلي. أتذكّر هفوة مضحكة قديمة للرئيس ترمب؛ تحدَّث عن الرئيس الإيطالي ماتاريلا، وسماه موتساريلا، وهو اسم نوع من الجبنة الإيطالية!

يحمل دونالد ترمب ذاته مطرقة الخرف، ويهوي بها على منافسه الرئيس جو بايدن، بل يقلّده حركياً وصوتياً، ويطلق عليه «النائم جو». الخرف صار حجارة تُلقى على الرئيس جو بايدن، من جهات قريبة وبعيدة، وقد ارتفعت أصوات أطباء، تطالب بإخضاع الرئيس بايدن لاختبارات معرفية، مثل الاختبار المعياري للخرف (MoCA) لتقييم الانتباه والتركيز والذاكرة، وفي حال فشله في هذا الاختبار، قد تجرى له مجموعات أخرى أكثر شمولاً من الاختبارات النفسية والعصبية. كل ذلك بُني على زلّات الرئيس بايدن المتكررة، فقد جعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحافي، رئيساً للمكسيك، وفي مرة أخرى خلط بين اسم الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون والرئيس الراحل فرنسوا ميتران، وخلط بين المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول والمستشارة أنجيلا ميركل. حجارة أخرى ثقيلة هَوَت على رأس الرئيس العجوز من قاضٍ حقَّق في قضية احتفاظ الرئيس في منزله بوثائق عندما كان نائباً للرئيس أوباما. القاضي قال إن الرئيس بايدن رجل طيب وحسن النية، لكنّ ذاكرته الضعيفة أنسته أهمية تلك الوثائق ومكانها. سلاح الخرف الذي يُشهره المتنافسان على الرئاسة كلاهما ضد الآخر، طال الاثنين.

الانتخابات الرئاسية الأميركية، في هذه السنة، تُجرى في أجواء داخلية عاصفة اقتصادياً ومناخياً واجتماعياً، وتهزّها مشكلة الهجرة غير النظامية خصوصاً من المكسيك وغيرها من البلدان اللاتينية. ويشهد العالم حروباً وأزمات بلا حدود. الحرب الإسرائيلية التدميرية على غزة، لها حضور كبير في الانتخابات الرئاسية، ولها تأثير مباشر في حملة الرئيس جو بايدن الذي قدم دعماً مالياً وعسكرياً هائلاً لإسرائيل. الغالبية الساحقة من الأميركيين ذوي الأصول العربية والأفريقية تُجمع على معارضة موقف الرئيس بايدن. العمليات العسكرية الأميركية في سوريا والعراق والبحر الأحمر، والحرب الروسية على أوكرانيا، والدعم الأميركي لأوكرانيا... كلها حاضرة بقوة في محفل الانتخابات، بين مؤيد ومعارض. موقف المرشح دونالد ترمب من حلف الناتو، إذ هدد دول الحلف بأنه سيسمح لروسيا بغزوها، إذا لم تدفع نصيبها في ميزانية الحلف، هذا الموقف سيكون له فعله في دوائر النخبة السياسية والعسكرية الأميركية، وكانت ردود الفعل الأوروبية عاجلة وعنيفة. مَن الرئيس الأميركي القادم الذي ستلده هذه المعمعة غير المسبوقة في بلاد العجائب؟ وهل سيجلس في المكتب البيضاوي رئيس مسنٌّ خرِف، وتحت أصابعه زِرّ السلاح النووي؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا بين الشيخوخة والقضاء والحروب أميركا بين الشيخوخة والقضاء والحروب



GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأمريكية

GMT 22:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الكل متأخر... سيدي!

GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 15:30 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

متى يبدأ الدرس؟

GMT 14:53 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية واستحقاقات الحرب السرية

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب
المغرب اليوم - استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب

GMT 09:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات الكلى
المغرب اليوم - أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات الكلى

GMT 09:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يتصدّر ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك
المغرب اليوم - عمرو دياب يتصدّر ميدان

GMT 19:18 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

النائبة الديمقراطية إلهان عمر تحذر من عودة ترامب للبيت الأبيض
المغرب اليوم - النائبة الديمقراطية إلهان عمر تحذر من عودة ترامب للبيت الأبيض

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 10:41 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفرنسي هيرفيه رونار يعود لتدريب منتخب السعودية

GMT 05:47 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 06:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار الأميركي يواجه تحديات عقب توسع مجموعة "بريكس"

GMT 06:11 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية

GMT 09:46 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مانشستر سيتي في ضيافة وولفرهامبتون بالدوري الإنكليزي

GMT 00:48 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

دونالد ترامب يؤكد أن ولاية بنسلفانيا تمارس الغش
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib