آلام المخاض

آلام المخاض

المغرب اليوم -

آلام المخاض

بقلم - توفيق بو عشرين

قبل سبع سنوات خرجوا بالآلاف إلى الشوارع لإسقاط الديكتاتور، واليوم يخرجون بالآلاف لإسقاط القانون المالي الجديد. قبل سبع سنوات كان التونسيون يتألمون في صمت خوفا من عصا الجنرال بنعلي. اليوم لا يصرخون فقط من الألم في الشارع العام، بل يضغطون من أجل إجبار الحكومة على التراجع عن سياسة التقشف، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الزيادات التي همت المواد الاستهلاكية الأساسية.

هذه هي تونس اليوم، مجتمع حي وديناميكي، انتقل من المطالبة بالحرية والتعددية إلى المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وحتى وإن كانت الحصيلة مؤلمة: شهيد واحد وعشرات الجرحى و700 معتقل، فإن البلاد على الطريق الصحيح لتعلم ممارسة الديمقراطية، التي تعطي الحق للفقراء في أن يحتجوا، وللعاطلين أن يصرخوا، وللمهمشين أن يسمعوا صوتهم لمن يجلس فوق كرسي الحكم. ديمقراطية لا تملك عصا سحرية لحل المشاكل الاجتماعية، لكنها تسمح للمواطن بالضغط على الحكومة دون المس بثوابت الدولة ولا بكيان الأمة.

لو خرج الآلاف للتظاهر في بلاد عربية أخرى بالليل أو النهار لإسقاط قانون المالية، أو لرفض شروط صندوق النقد الدولي، لجرت أنهار من الدماء في الشوارع، ولانقلب الاحتجاج إلى ثورة أو شبه ثورة، لكن تونس اليوم -النموذج الوحيد في العالم العربي الذي تعايش مع ربيعه وأخرج منه أفضل ما فيه- تسير على درب إرساء نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، بعدما أرست قواعد نظام سياسي جديد.

رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، اعترف بأن البلاد تمر بصعوبات تدفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات قاسية، وأنه ليس لها من خيار سوى رفع الضرائب، وتأمل بذلك تقليص العجز إلى 4,9 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، مقارنة بـ6 في المائة التي وصل إليها العام الماضي. هذه التعديلات هي جزء من شروط صندوق النقد الدولي التي وافقت عليها الحكومة مقابل حصولها على حزمة من القروض تبلغ 2,8 مليار دولار في 2016. الصندوق جمّد الشطر الثاني من المبلغ لأن الإصلاحات كانت تسير ببطء شديد.

تجارب الانتقال الديمقراطي التي جرت في أوروبا، سواء في نهاية السبعينات (إسبانيا، البرتغال واليونان)، أو التي جرت في نهاية التسعينات (دول شرق أوروبا)، كلها استفادت من حزمة مساعدات اقتصادية كبيرة ومهمة، سواء من قبل الاتحاد الأوروبي أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك من أسباب تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عن الأنظمة التي خرجت من تحت عباءة الديكتاتورية العسكرية أو المدنية في هذه البلدان، لكن تونس الآن لا تواجه فقط ندرة المساعدات الاقتصادية من أشقائها العرب وأصدقائها الأوروبيين، بل تواجه تداعيات الثورة المضادة التي تقودها الرياض وأبوظبي والقاهرة، والتي ترمي إلى إفشال أي تحول ديمقراطي في العالم العربي، مخافة انتقال العدوى إلى أنظمتها التي تقاوم الإصلاح السياسي، وتعادي الديمقراطية، وتسعى إلى تأبيد الاستبداد في بلدانها وعند وجيرانها.

إن الصعوبات الاقتصادية التي تمر منها تونس، رغم قسوتها، فإن احتمالها ممكن، بعدما تخطت البلاد مخاطر كثيرة وكبيرة، كان أولها موجة الاغتيالات السياسية التي كانت ترمي إلى إشعال فتيل الحرب الأهلية داخل بلاد الزيتون، ومنع قيام أي توافق بين الإسلاميين والعلمانيين حول الوثيقة الدستورية، وأسس الحكم الديمقراطي، وثانيها الخطر الإرهابي الذي كان يريد أن يمس أسس النظام وثقة الشعب في الدولة التونسية… البلاد على أعتاب انتخابات بلدية جديدة هذه السنة، وانتخابات تشريعية في السنة المقبلة، وما لم تصلحه الثورة، سيصلحه صندوق الاقتراع، المدعو إلى خلق نخب جديدة وعقول جديدة وآمال جديدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آلام المخاض آلام المخاض



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران
المغرب اليوم - شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا

GMT 02:57 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

3 مشروبات شائعة تُساهم في إطالة العمر

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أبرز الأماكن السياحية في مصر

GMT 17:04 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ديوكوفيتش يقترب من سامبراس ويحلم بإنجاز فيدرر

GMT 12:56 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الوداد ربح لقبا للتاريخ !!

GMT 22:00 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

إسماعيل الجامعي رئيسا جديدا للمغرب الفاسي

GMT 02:18 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نجمات هوليوود تحتضن صيحة "الليغنغز" الملون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib