بينما يلتزم الرئيس الأمريكي “المَهزوم” دونالد ترامب بالصّمت “المُريب”، ويتوقّف عن مُمارسة “إدمانه” بنشر تغريدات على “التويتر”، تُؤكّد مصادر مُقرّبة جدًّا من “حزب الله” وإيران، إعلان حالة استِنفارٍ قُصوى تَحسُّبًا لإقدام “إسرائيل” على عُدوانٍ يستهدف أهدافًا حيويّةً في إيران تشمل مُنشآت نوويّة ومحطّات تحلية، وكهرباء وموانئ ومصافي نفطيّة.
ثلاثة تطوّرات رئيسيّة حدثت في الأيّام القليلة الماضية تُرجّح هذا الاحتِمال:
الأوّل: تأكيد موقع و”اللاه” الإسرائيلي الاستِخباري أنّ تعليمات صدرت لقيادة الجيش بأنْ يكونوا في جُهوزيّةٍ كاملةٍ تحسّبًا لأي تعليماتٍ جديدة، في تلميحٍ إلى تنفيذ خطط هُجوميّة ضدّ إيران في الأيّام القليلة المُقبلة.
الثّاني: إرسال القِيادة العسكريّة الأمريكيّة طائرة B52 القاذفة المُجهّزة بقنابلٍ عملاقةٍ تخترق المخابئ، وتُدمّر المُنشآت النوويّة المبنيّة في عُمق الجِبال مِثل “مُنشأة فردو” الإيرانيّة القريبة من مدينة قم.
الثّالث: اللّقاء الثّلاثي الذي انعقد في مدينة “نيوم” السعوديّة على الشّاطئ الشّمالي للبحر الأحمر بين مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، وبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء “إسرائيل”، والأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، وجرى خِلاله الاتّفاق على خطّة التحرّك المُقبلة ضدّ إيران، بما في ذلك إجهاض أيّ مُحاولة للرئيس الأمريكيّ القادم جو بايدن للعودة إلى الاتّفاق النووي، بعد توصّل هذا الثّالوث إلى معلوماتٍ مُؤكّدةٍ عن اتّفاقٍ جرى التوصّل إليه بين مسؤولين إيرانيين ومسؤولين كِبار في فريق الأخير أثناء الحملة الانتخابيّة تُؤكّد هذا التوجّه.
***
ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، قال قبل أيّام من رحيل إدارته بعد إعلان فوز باراك أوباما في الانتخابات عام 2007 إنّ أمريكا لن تُهاجم إيران الخطر الأكبر على مصالحها، لكنّه لا يستبعد أن تقوم “إسرائيل” بمُهاجمة إيران ومشاريعها النوويّة، وفي هذه الحالة ستتدخّل الولايات المتحدة لحِماية الأخيرة في حالِ حُدوث أيّ ردٍّ إيرانيّ، ومصدر مُقرّب جدًّا من “حزب الله” لم يَستبعِد هذا السّيناريو.
جميع الأطراف الثّلاثة التي شاركت في اجتماع “نيوم”، أيّ نِتنياهو، وبن سلمان، وبومبيو، تعيش حالةً من التأزّم، وقد تُقدِم مُجتمعةً على شنّ حربٍ لخلط الأوراق، والانتقام لفشلهم في تركيع إيران ومحور المُقاومة الذي تتزعّمه، وتعاظم قوّته العسكريّة في الوقتِ نفسه.
فالأوّل، أيّ نِتنياهو، معروفٌ بالإيمان بسياسة القفز إلى الأمام كُلّما جرى حشره في الزّاوية، ويُواجه حاليًّا تحقيقًا جِنائيًّا جديدًا أمر بإجرائه “خصمه” بيني غانتس، وزير الدّفاع، في صفقة الغوّاصات الألمانيّة (قيمتها 1,5 مِليار دولار) التي تحوم الشّبهات حول تلقّي مُقرّبين من نِتنياهو رشاوى وعُمولات، إلى جانب الاتّهامات الأُخرى المُوثّقة والمُثبّتة بتلقّيه، أيّ نِتنياهو، رشاوى ماليّة وعينيّة، وإقدامه على عمليّاتِ تزوير، أمّا الثّاني، أيّ الأمير محمد بن سلمان، فتتعاظم خسائر تورّطه في حرب اليمن، ويستعدّ لمُواجهة إدارة ديمقراطيّة جديدة ستفتح ملفّات انتِهاك بلاده لحُقوق الإنسان، على رأسها جريمة اغتيال جمال خاشقجي، وجرائم الحرب في اليمن، أمّا ثالثهم بومبيو فهو يُمَثِّل رئيسًا مهزومًا، ويُريد أن يخرج بطلًا من أيّ مُواجهة مع إيران استعدادًا لخَوضِ الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة.
باختصارٍ شديد نقول إنّ وليّ العهد السعودي، وكما قالت صحيفة “إسرائيل اليوم”، يُريد أن يُشَكِّل تحالفًا مع “إسرائيل” ضدّ إيران التي تُشَكِّل خطرًا على بلديهما، والتصدّي لأيّ سِيناريو للتّقارب معها، ورفع العُقوبات عنها من قِبَل إدارة بايدن.
ففي ظِل تعاظم الدّور الإقليمي التركي في القوقاز وشرق المتوسّط، ورصد “فُتور” في العُلاقات السعوديّة المِصريّة على أرضيّة رفض القِيادة المِصريّة إدانة إيران، والامتِناع عن التّصويت على قرارٍ أُمميٍّ يُفَنِّد انتِهاكات لحُقوق الإنسان، وظُهور مقالات في صُحف رسميّة مِصريّة تُطالب بخُروج مِصر من خيمة النّفوذ السّعودي، وتَوصّل الأمير بن سلمان، الحاكم الفِعلي في الرياض، إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّ التّحالف مع إسرائيل القوّة العسكريّة المُتقدّمة التي تُشاركه القلق من “الخطر الإيراني” هو المَلاذ الوحيد، حسب تقارير أوروبيّة وأمريكيّة وإسرائيليّة.
لعلّ الصّاروخ المُجنّح الذي انطلق من مدينة صعدة في شمال اليمن، وأصاب مُستودعات تخزين للوقود تابعة لشركة “أرامكو” في مدينة جدّة، على بُعد ألف كيلومتر تقريبًا، ونجح في تدمير مُعظمها، واضطرّ المُتحدّث باسم التّحالف السّعودي في اليمن للاعتِراف به بسبب ضخامة النّيران المُشتَعِلَة، وشاهدها سُكّان المدينة بوُضوحٍ وسط حالةٍ من الهلع، ولعلّ هذا الصّاروخ المُتقدّم والدّقيق جِدًّا، الذي يطير على ارتفاعِ 50 مِترًا ولا تَرصُده الرّادارات، ويحمل اسم “قدس 2” هو الرّسالة الأخطر التي تُوجّهها إيران، عبر حُلفائها في اليمن، وتقول بأنّ أيّ ضربة إسرائيليّة أو أمريكيّة لن تَمُر بدون ردٍّ، وهذا الصّاروخ ربّما يكون “فاتِح الشّهِيّة”.
***
أن يحمل هذا الصّاروخ الذي انطلق من كُهوفِ صعدة، مثلما يحلو للبعض استخدام هذا التّوصيف، اسم القدس فهذه رسالةٌ أُخرى أيضًا، يُؤكّد التِزام أصحابه بالقضيّة العربيّة الإسلاميّة المُقدّسة التي تتخلّى حُكومات خليجيّة عنها، وتتحالف مع مُغتصبيها، ومن يملك صواريخ “قدس 2” التي هزمت منظومة صواريخ “الباتريوت” الأمريكيّة، ووصلت إلى مدينة جدّة العاصمة الاقتصاديّة، وستَهزِم القبب الحديديّة الإسرائيليّة حتمًا، من المُؤكّد إنّه يملك “قدس 3” و”قدس 4″، والكشف عنها قد يكون مَيدانيًّا في المعارك والحُروب القادمة.. والأيّام بيننا.