الرباط – المغرب اليوم
تعتبر هذه الجلسة التشريعية حلقة أخرى من حلقات التعنت الحكومي الهادف إلى ضرب حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة وعموم الشعب المغربي، وترجمة فعلية لنواياها في تمرير أهم القوانين الاجتماعية التي تمس في العمق الحياة الاقتصادية الاجتماعية للمغاربة، واتخاذ قرارها و مخططها الانفرادي الخطير والتراجعي في حق متقاعدي الغد، خارج مؤسسة الحوار الاجتماعي المجمد، القرار المتمثل في الثلاثي الملعون زيادة إجبارية في سن التقاعد والرفع من الاقتطاعات وتقليص قيمة المعاش، وفق مقاربة أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع التي تنهجها الحكومة، وفي إطار معالجة تجزيئية لملف شائك تحت غطاء إصلاح انظمه التقاعد، على حساب الأجراء الحلقة الأضعف في مسلسل الإصلاح، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك استمرار الحكومة وإلى آخر لحظات من عمرها في هذه الولاية، في تبني سياسة لاشعبية ولا ديموقراطية معادية لحقوق و مكتسبات الطبقة العاملة وعموم الشغيلة المغربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حقوقا راكمتها على امتداد عقود من التضحية والنضال المرير، سياسة النقيض لكل مضامين المرجعية الحقوقية الكونية، والحقوق الدستورية، سياسة تتبنى ثقافة الفكر الوحيد، و لا تؤمن بثقافة الحوار والمفاوضات الجماعية في حل النزاعات العمالية، هدفها الأول هو إفراغ الحركة النقابية الأصيلة من محتواها وضرب مصداقيتها والاستخفاف بمهامها وأدوارها الاجتماعية المضمونة دستوريا، والقضاء على دور مؤسسات الوساطة الاجتماعية والسياسية. مما يهدد استقرار المغرب وسلمه الاجتماعيين. و محاولة ضرب المشروع المجتمعي الديموقراطي التقدمي، و بناء دولة الحق والقانون، ودولة الحرية والديموقراطية، والعدالة الاجتماعية، التي ناضلت وكافحت من اجلها الحركة النقابية والعمالية المغربية.
السيد الرئيس
إنه و رغم كل المبادرات التي قامت بها الحركة النقابية وفي طليعتها الاتحاد المغربي للشغل و المذكرات المفصلة والمدققة التي تضمنت سيناريوهات مختلفة وحلولا ومخارج دقيقة لمعالجة وانقاد الوضعية المالية المتأزمة نتيجة سوء تدبير وتسيير صناديق التقاعد، ووفق مقاربة شمولية تضمن حقوق ومصالح المتقاعدين، إلا أن الحكومة صمت آذانها وتجاهلت كل الاقتراحات لأنها عازمة ومصممة على قراراتها الانفرادية، حيث في الوقت الذي كنا ننتظر فيه تفاعل الحكومة مع مذكراتنا ضمن مؤسسة الحوار الاجتماعي و في إطار توافقي بين الفرقاء الاجتماعيين، فوجئنا بالحكومة تهرب هذا الملف من جديد إلى مجلس المستشارين وتبرمج مشاريع التقاعد للمناقشة والمصادقة عليها بل مع تحديد أجال أقصاه 25 يوما داخل لجنة المال، الأمر الذي جعلنا نتخذ إلى جانب حلفائنا النقابيين قرار الانسحاب من أشغال. علما أن المناقشة التفصيلية لهذه القوانين عرفت في بعض الأحيان حضور ثلاث برلمانيين من فرق الأغلبية ووزيرين في غياب أي رأي معارض في قوانين مصيرية بالنسبة للمغاربة.
السيد الرئيس
إن السياق العام الذي تتم فيه اليوم مناقشة هذه القوانين يتسم بحالة احتقان اجتماعي و غضب حقوقي، وهو ما يؤكده عدد المسيرات الشعبية و الإضرابات الوطنية العامة والقطاعية، والوقفات الاحتجاجية تنديدا واحتجاجا على التراجعات السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها الحصيلة التشريعية خاصة في هذه الدورة التي حطمت رقما قياسيا في السرعة القصوى في البرمجة و المناقشة والمصادقة على مشاريع قوانين دون احترام مسطرة التشريع المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس المستشارين والآجال القانونية التي تضمن لهذه القوانين مناقشة عميقة ومتأنية تضمن تجويدا للنص القانوني وحماية لحقوق الفئات المستهدفة منها.
ولعل استقالة ممثل فريقنا بالاتحاد المغربي للشغل من مكتب لجنة المالية والتنمية الاقتصادية يوم أمس خلال مناقشة والتصويت على التعديلات المتعلقة بمشاريع القوانين الخاصة بالتقاعد هو رد فعل طبيعي على عدم احترام الحكومة ورئاسة اللجنة أول مبدأ ديموقراطي منصوص عليه في الفصل الأول في الدستور وهو مبدأ الفصل بين السلط وتوازنها وكذا مقتضيات الفصل 71 الذي يحدد اختصاصات القانون وميادين ومجالات التشريع، و التحكم الفاضح للحكومة في تدبير وتسيير وبرمجة أشغال الجنة بالمجلس التي بات رئيسها يتخذ القرارات بشكل أحادي ودون استشارة أعضاء مكتب اللجنة عكس ما ينص عليه النظام الداخلي للمجلس. و هي تجاوزات قانونية أصبحت عرفا متفقا عليه في هذه اللجنة بين الحكومة وبعض الفرق. مما يجعل من المنتوج التشريعي منتوجا غير مكتمل ولا يستوف الجانبين معا: الجانب الموضوعي والشكلي.
السيد الرئيس
إننا في فريق الاتحاد المغربي للشغل لا يمكننا إلا أن نعبر عن أسفنا الشديد على المصير الذي أريد لملف التقاعد عبر إجهاض الحوار الاجتماعي، والنهج اللاديموقراطي الذي تم به تصريف قررا الحكومة، وعلى الفرصة التي فوتناها على بلادنا في ترجمة التزاماتها الدولية وفي تنزيل مضامين روح دستور 2011 . حيث أبانت الحكومة بشكل واضح عن رغبتها في إجهاض الاستمرار في بناء دولة المؤسسات و الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وتبني خيار الردة على كل المكتسبات و الحقوق،وعن فشلها الذريع في تدبير أهم الملفات الاجتماعية المطروحة على الساحة.
في المقابل فعلت الحركة النقاية ومعها المعارضة الآلية الدستورية بطلب تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول الوضعية المالية والإدارية للصندوق المغربي للتقاعد، حيث ثم الحصول على النصاب القانوني لتشكيل لجنة تقصي الحقائق تأكيدا على صدقية المواقف النقابية وعدالة القضية التي تدافع عنها الحركة النقابية والمتمثلة في حماية مكتسبات وحقوق منخرطي الصندوق المغربي للتقاعد. لأنها وحدها القادرة على الوقوف على حقيقة الوضع المالي للصندوق المغربي للتقاعد، قبل أي مبادرة تشريعية. وبالتالي فالمنطق الأخلاقي يقتضي هنا تأجيل طرح مشروع القانون المذكور بالجلسة العامة إلى حين صدور ومناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق وإلا فلن يكون أي معنى لهذه الآلية الدستورية لرقابة الحكومة المنصوص عليها في الفصل 67 من الدستور الذي يمنح هذا الحق لثلث أعضاء مجلس المستشارين. طالما ملف الصندوق المغربي للتقاعد ليس موضوع أي متابعة قضائية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر