وجدة- كمال لمريني
حلت، الذكرى الـ 104 لاستشهاد البطل الشريف محمد امزيان، قائد المقاومة المسلحة في بلاد الريف، الذي أستشهد فجر يوم 15 مايو/أيار برصاص الأسبان.
وذكرت جمعية أدهار أوبران للثقافة والتنمية أن الشريف محمد امزيان يعتبر من الأوائل الذين عارضوا المشروع الإستعماري الإمبريالي في شمال إفريقيا، قبل وبعد فرض الحماية على المغرب، وأثناء التغلغل الإستعماري في بلدان شمال إفريقيا، وكان على وعي جد مبكر بنوايا المستعمر. وأشارت إلى أن الشريف محمد أمزيان من مواليد عام 1859 في الريف، في قبيلة أيث بويفرور (أزغنغان و النواحي)، نشأ وترعرع فيها، ثم حفظ القران على عادة أهل الريف أنذاك، في زاوية والده بـ ازغنغان، ثم صار تاجرًا يبيع ويشتري في الماشية والأبقار التي كان يستوردها من الجزائر إلى الريف، حيث كان يزاول مهنة "الزطاط" ويساعد أبناء الريف أثناء عبورهم لوادي ملوية في إتجاه الجزائر أو أثناء العودة منها، نظرًا لتجربته وقوته البدنية.
وأضافت أن الشريف امزيان، لم يكن معتكفًا في الزوايا وينتظر الهبات والهدايا، بل كان يعمل ويساعد أبناء الريف، لما كان له من السمعة الحسنة والأخلاق الكريمة والطيبة في الأوساط الريفية الملتزمة، ونظرًا للمكانة والإحترام والتقدير التي كان يحظى بها من قبل أهالي الريف، جعلهم ينضمون إلى صفوف المقاومة والجهاد تحت قيادته، علمًا أنه كان هناك صراع بين بعض القبائل الريفية أو ماعرف في كتب التاريخ بـ الصراع القبلي، لكن تجاوزوا هذه الصراعات مع ظهور المقاومة بقيادة البطل الفذ الشريف امزيان، وتمكن من توحيدهم، وتحويل الصراع القبلي إلى صراع ضد العدو.
وأبرزت، انه بعد إحتلال أزغنغان من طرف الإسبان، وشيدوا أول ثكنة عسكرية لجيشهم تتسع لنحو أربعة ألف جندي، حيث قاموا باحتلال سلوان وباقي المناطق المجاورة. وكشفت أن البطل الأمازيغي الريفي، قرر مقاومة المشروع الإستعماري الإسباني في بلاد الريف، مبينة أنه في البداية وقع في اصطدام مع جنود المتمرد بوحمارة (الجيلالي الزرهوني)، فدخل الشريف أمزيان مع هذا الاخير في عدة مواجهات ومعارك (بوحمارة كان يستمد قوته وأسلحته من الإسبان ومن فرنسا حيث كان متعاونًا معهم، لكن لم ينفعه ذلك أمام إرادة الريفيين). فانهزم و طرد.
وتابع المصدر ذاته، أنه بعد الاجتماع الذي عقد بين زعماء قبائل الريف الشرقي، بهدف محاربة بوحمارة، وإلتفافهم حول الشريف محمد امزيان، التامت قبيلة ثمسمان، أيث وليشك، وأيث توزين، وتفرسيت، وأيث سعيد، أيث سيدال وأيث بويفرور، لتلتحق قبيلة أيث ورياغل و قبائل أخرى بالمقاومة. وزاد المصدر، أن هؤولاء كلهم شاركوا في الزحف على مركز بوحمارة في قلعة سلوان، ليغادر بعدها بوحمارة الريف الشرقي نهائيًا بمعية جيشه مواليًا وجهه شطر تازة ونواحيها التي كانت لا زالت متمسكة بطاعته.
و في 27 حزيرن/يونيو من عام 1909، اتفق زعماء قبائل الريف على منع الإسبان من استمرارهم في إنشاء طريق السكة الحديدية التي تربط بين جبال وكسان و إحرشاون ومدينة مليلية المحتلة. وفي يوم الجمعة 09 تموز/يوليو من عام 1909، أصدر رئيس المجاهدين الشريف محمد أمزيان أوامره بالهجوم على العمال الإسبان الذين كانوا يشيدون الجسور والسكة الحديدية، وهذه أول معركة دخل فيها محمد امزيان مع الإسبان، واستمرت إلى غاية 27 تموز/يوليو من نفس السنة وسمية المعركة بـ "إغزار ن وُشن" "وادي الذيب"، وهي من أشهر المعارك التي خاضها الشريف أمزيان، وقتل فيها الجنرال الإسباني بنيتو، الذي عين من طرف الحكومة الإسبانية للقضاء على بطل الريف ورفاقه والمقاومة في الريف التي كانت عائقًا أمام المشروع الأوروبي الإستعماري أنذاك.
واندحر الإسبان في تلك المعركة التي حملت إسم موقعها "إغزار ن وشن" وخلفت خسائر فادحة ومئات القتلى والمعطوبين في صفوف الجيوش الإسبانية، بينما استشهد البعض من المجاهدين الذين كانوا مع الشريف محمد امزيان، ةثم تلت موقعة "إغزار ن وشن"، معركة "إجذياون" في قبيلة أيث شيشار التي تقدم إليها الإسبان من مليلية، في 20 إيلول/سبتمبر 1909 بجيش يزيد عدده عن 4000 جندي وضباط وعلى رأسهم الجنرال “الفاو” والجنرال “طوبار” والجنرال “مراليس”، لكن الشريف محمد امزيان ورفاقه كانوا في الموعد، واعترضوا طريق العدو الغاصب، وتشير إحدى الرويات أن عدد المجاهدين الذين كانوا مع محمد امزيان لم يتجاوزوا 1500 مجاهد غير مجهزين. التحم الريفيون مع الإسبان هناك في ملحمة الوطيس، فانهزم الإسبان للمرة الثانية أمام رجال الشريف أمزيان، وغنم المجاهدون أسلحة كثيرة وصاروا يقتلونهم بها.
وألحقت إسبانيا أضرار وخسائر فادحة على مستوى العدة والعتاد، وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى من بينهم الجنرال مراليس، إضافة إلى مجموعة من المعارك التي قادها البطل الريفي الامازيغي في هذه الفترة المحاصرة، وألحق خسائر فادحة بالجيش الإسباني، رغم عزها وجلال قدرها، استطاع هذا الأخير استرجاع عدة مناطق التي احتلها الإسبان أثناء حملتهم العسكرية التوسعية في الريف. و في 14 مايو/أيار 1912، خرج الشريف امزيان برفقة عدد كبير من المجاهدين قاصدًا منزل فرقة "الحياذا" في قبيلة أيث سيدال، حيث تواجد قيادة المقاومة الريفية، وفي طريقه إنتهى إلى مسجد في إحدى المداشر المجاورة، وكان ذلك المدشر تحت النفوذ الإسباني. وقرر الشريف محمد أمزيان ورفاقه أن يقضوا الليلة في المسجد حتى الصباح الباكر، ثم يستمروا في طريقهم، لكن الجواسيس الذين كانوا يراقبوان الشريف محمد أمزيان قاموا بدورهم الخياني، وأخبروا من يهمهم الأمر من المحتل بمكان تواجد المجاهدين. في حين حاصر الإسبان ذلك المسجد وتلك المنطقة بصفة عامة، فلما علم الشريف بذلك قال لأصحابه قولة مأثورة و مخلدة في سجل التاريخ و في ذاكرة شعب الريف "كل من يرغب منكم في الحياة فليتسلل تحت جناح الظلام، أما أنا فلا حاجة لي في الدنيا بعد هذا اليوم"، فتوضأ وصلى الفجر ثم خرج وشرع هو ومن بقي معه في القتال، وإطلاق النار على العدو.
واستشهد برصاص الإسبان فجر يوم 15 مايو/أيار 1912، وحسب رواية أحد أوتاد المعامع الحربية السيد الحاج سلام البويعقوبي التمسماني، أحد شجعان الريف الأشاوس، هذا الرجل خاض جميع المعارك التي قادها الشريف محمد امزيان، وشارك في عدة معارك الجهادية في عهد مولاي موحند محمد بن عبد الكريم الخطابي، وكان حاضرًا يوم استشهاد الشريف امزيان. يحكي أن بعد استشهاد محمد أمزيان، توقف الرصاص ونقله الجنود الإسبان إلى أحد المستشفيات في مليلية المحتلة، وبعد تيقنهم أن الجسم الذي حملوه من أرض المعركة هو نفسه جسم الشريف محمد امزيان، سلموه لإخوانه، ليدفن في مقبرة جده السيد أحمد بن عبد السلام في مدينة أزغنغان قبيلة أيث بويفرور. واستمر حزن رجال الريف ونسائها وأطفلها على فراق هذا البطل المغوار، وتراجع صفوف المقاومة في الريف على كل المستويات، إلى أن يحمل القاضي المجاهد عبد الكريم الخطابي وابنه محمد بن عبد الكريم الخطابي مشعل المقاومة، ويطرد المستعمر من جديد من أراضي بلاد الريف.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر