يوافق غدا الأحد الذكرى السابعة والأربعين لحريق المسجد الأقصى، ذلك العمل الاجرامى الذى مس مكانا له قدسيته فى جميع الأديان، ومنذ هذا الحريق وإلى يومنا هذا تستمر ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة بمحاولات مستميتة لتغيير ديمجرافية مدينة القدس، فبات مصيرها بمقدساتها الإسلامية والمسيحية المحور الأول ولب الصراع فى القضية الفلسطينية، مع أصرار يقينى بأنها ستظل عربية وإسلامية الهوية مهما حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلى تغيير معالم المدينة المقدسة وتوطين آلاف اليهود فيها، فالإجراءات التى اتخذتها سلطات الاحتلال خلال الأعوام الماضية لمحو الهوية الإسلامية والعربية للمدينة ليست هى الطريق للسلام المنشود فى المنطقة ٠
وتأتى ذكرى حريق المسجد الأقصى هذا العام فى وقت تشهد فيه مدينة القدس المحتلة ومحيطها أعمال حفر وتنقيب فى محيط المسجد الأقصى من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلى والمستوطنين المتطرفين لبناء " هيكل سليمان " المزعوم وتنامى ظاهرة الاستيطان بالمدينة لتغيير طبيعتها الديموجرافية على حساب أبناء البلدة من الفلسطينيين، حيث تزايدت فى الآونة الأخيرة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة فى مدينة القدس، وتسارعت وتيرة عمليات التنقيب عن الهيكل المزعوم أسفل المسجد الأقصى مع كثرة عدد الأنفاق التى حفرتها إسرائيل أسفله وفى محيطه مما تسبب فى حدوث انهيارات متتالية للطرق والأسوار تنذر بتعرضه لمخطط هدم طمعا فى إقامة الهيكل ومن ثم تحقيق هيمنة ديموجرافية كاملة للاستيطان اليهودى على المسجد ٠
وجراء ذلك أنهار مؤخرا الدرج الأثرى فى سلوان الواصل بين وادى حلوة من مدخل عين سلوان وما يطلق عليها مدينة "داود"، وأعقب ذلك إخلاء 1500 مواطن مقدسى من بيوتهم فى حى "البستان" داخل بلدية لقدس المحتلة وهدم بيوتهم بهدف إقامة مشروع مدينة الملك داود اليهودية
وعلى الرغم من مشروع البيان الذى صدر عن مجلس الأمن خلال يوليو الماضى بشأن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المسجد الأقصى، والذى ينص على المحافظة على الوضع التاريخى الراهن فى الحرم الشريف ووقف العنف، إلا أن إسرائيل مازالت ترتكب كثيرا من الانتهاكات ولم تمتنع عن وقف العنف والممارسات الاستفزازية.
ويرجع حريق المسجد الأقصى إلى قيام دينس مايكل الاسترالى الجنسية- الذى جاء فلسطين للسياحة- بإضرام النار فى الجامع القبلى فى المسجد الاقصى، والتهم الحريق أجزاء مهمة منه، واحترق منبر نور الدين محمود الذى صنعه ليضعه بالمسجد بعد تحريره وهو ما كان يعتبر رمزاً فى فلسطين للفتح والتحرير والنصر على الصليبيين، واستطاع الفلسطينيون إنقاذ بقية الأجزاء، وألقت إسرائيل القبض على الجانى وادعت أنه مجنون وتم ترحيله إلى أستراليا.
وأدى هذا الحريق إلى تدمير المقصورة الملكية بالمسجد واتلف خشب السقف الجنوبى منه وأصاب التلف العمودين الموصلين من ساحة القبة إلى المحراب والقوس المحمول عليهما والجدار الجنوبى، وأتت النيران على ثمان وأربعين نافذة من النوافذ فريدة الصنع ٠
وأحدثت تلك الجريمة المدبرة فوضى فى العالم، مفجرة ثورة غاضبة خاصة فى العالم الإسلامى، وفى اليوم التالى للحريق أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعه فى الساحة الخارجية للمسجد الأقصى، وعمت المظاهرات القدس احتجاجاً على الحريق، فيما تم الدعوة إلى عقد أول مؤتمر قمة إسلامى فى الرباط بالمغرب
وحريق المسجد الاقصى الذى حدث فى عام 1969 لم يكن الفعل الإسرائيلى المستفز الوحيد الذى أقدمت عليه السلطات الإسرائيلية، بل أن هناك أشكالا من جرائم أخرى ارتكبت فى حق المسجد الأقصى، ففى عام 1979 أطلقت الشرطة الإسرائيلية وابلا من الرصاص على المصلين المسلمين فى ساحة المسجد مما أدى إلى إصابة العشرات منهم بجروح، وبعد تلك الواقعة بعام عقد حاخامات اليهود مؤتمرا عاما حول القدس خططوا خلاله لاحتلال المسجد الأقصى٠
وفى عام 1981 تم الإعلان عن اكتشاف نفق أسفل الحرم يبدأ من حائط البراق وبعدها بعام حاولت جماعة "حشو نانين" المتطرفة بقيادة رئيسها "يوئيل لرنر" تدمير المسجد عن طريق شحنات شديدة الانفجار، وفى عام 1983 اقتحمت جماعة ما تسمى بـ" أمناء جبل الهيكل" ساحة المسجد وأقامت طقوسا دينية أمام "باب المغاربة" فى حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلى، وفى عام ١٩٨٤تم اكتشاف ثغرة طولها ثلاثة أمتار وعرضها متران وعمقها أكثر من عشرة أمتار تؤدى إلى نفق طويل شقته سلطات الاحتلال بمحاذاة السور الغربى للمسجد مما هدد بانهياره ٠
وفى عام ١٩٩٠ اقتحمت مجموعة من أعضاء حركة "كاخ" المتطرفة ساحة المسجد فى حماية قوات الاحتلال، وأقامت استعراضا استفزازيا شمل شعارات ضد العرب والمسلمين، وفى عام 99 افتتح إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل وقتها مدرجا فى الجهة الجنوبية للمسجد بهدف استخدامه فى إقامة الطقوس الدينية اليهودية، وفى عام 2000 وفى تحد سافر لمشاعر المسلمين انتهك إرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق حرمة المسجد الأقصى وسط إجراءات أمنية مشددة الأمر الذى أدى إلى اندلاع الانتفاضة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وفى عام 2001 وضع مجموعة من اليهود حجر أساس رمزى للهيكل الثالث المزعوم أمام "باب المغاربة" تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلى، وفى عام 2004 هددت جماعة يهودية متطرفة بتفجير الأقصى باستخدام طائرة بدون طيار محملة بمواد ناسفة
وقامت إسرائيل مؤخرا بتنفيذ مخططها لبناء أكثر من 70 ألف وحدة سكنية جديدة فى المستوطنات اليهودية المنتشرة فى الضفة الغربية، منها نحو 6 آلاف شقة جديدة فى محيط القدس الشرقية، وصدقت على بناء 15 ألف وحدة من تلك الوحدات بهدف مضاعفة عدد المستوطنين اليهود مرتين، ومن أخطر مواقع الوحدات السكنية الجديدة المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أرض أبوديس شرقى القدس، وسيؤدى البناء فى هذه المنطقة إلى عزل الضفة الغربية عن القدس.
وتقوم قوات الاحتلال الإسرائيلى حاليا بإغلاق المنفذ الوحيد المتبقى للمواطنين من وإلى مركز شمال مدينة القدس وإجبارهم على استخدام المعابر العسكرية للمرور، ووضعت يدها على مساحات واسعة من أراضى المواطنين فى محيط المنطقة بهدف عزل القدس عزلا كاملا عن ضواحيها ومحيطها وامتدادها الجغرافى والديموجرافى الفلسطينى، وقد ترتب على هذا إغلاق ما يزيد على 700 منشأة اقتصادية.
وتضع إسرائيل المدينة شرقها وغربها تحت إدارة بلدية القدس التى تهتم أساسا بالمواطنين اليهود فى القدس الغربية، وتحاول زيادة أعدادهم فى القدس الشرقية، وأصبح بالقدس شرقها وغربها 76 ألفا و860 يهوديا، أى 10% من سكان إسرائيل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر