لندن - سليم كرم
نبه مسؤولون أمنيون أوروبيون إلى أن تنظيم داعش درَّب نحو 400 - 600 مقاتل من بين 5 آلاف مواطن أوروبي ذهبوا إلى سورية؛ لتنفيذ عمليات متطرفة تستهدف دول القارة الأوروبية، كما أنه نشر خلايا متشابكة خفيفة الحركة كالتي نفذت عمليات بروكسل وباريس، وتتمتع بحكم شبه ذاتي، لأنه يتيح لأعضائها حرية اختيار وقت الهجوم ومكانه وأسلوبه بما يورنه مناسبا لتحقيق أقصى قدر من الدمار المادي والبشري.
وتكشف شبكة الخلايا خفيفة الحركة والتي تتمتع بحكم شبه ذاتي عن وصول الجماعات المتطرفة إلى أوروبا، مع فقدانها السيطرة على الأراضي في سورية والعراق، ووصف المسؤولون في الاستخبارات الأوروبية والعراقية وكذلك عضو البرلمان الفرنسي الذي يتعقب الشبكات المتطرفة، المعسكرات في سورية والعراق وربما في الكتلة السوفيتية السابقة بمركز تدريب المقاتلين لمهاجمة الغرب.
وقبيل مقتلها في مداهمة للشرطة، فقد ادعى زعيم المتطرفين الذين نفذوا هجمات باريس أنهم دخلوا أوروبا في مجموعة متعددة الجنسيات قوامها 90 مقاتلًا، والذين تفرقوا في كل مكان، بينما لم يسفر توقيف الجهادي الهارب صلاح عبدالسلام عن إحباط الهجوم متعدد الجوانب بعد أربعة أيام فقط على مطار العاصمة البلجيكية والمترو، والذي أسفر عن سقوط 31 قتيلًا وإصابة 270 آخرين بحسب ما تشير التقديرات، فيما قتل ثلاثة مفجِّرين انتحاريين.
وتواصل السلطات البلجيكية البحث على الأقل عن أحد الهاربين في الهجمات، وهذه المرة لرجل ظهر في لقطاتٍ مصورة من داخل المطار مع اثنين من المهاجمين الإنتحاريين، ولكن تبقى المخاوف بعدما ذكر المسؤولون في بلجيكـا أن الرجل غير معروف الهوية سيسير على نهج عبدالسلام، وذكر وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه ريندرز، أن عبدالسلام كوَّن شبكة جديدة من المجاهدين في حي مولينبيك المعروف منذ فترة طويلة بأنه يعد ملاذاً للمتطرفين، وذلك بعدما تمكن سريعاً من الفرار في أعقاب هجمات باريس.
وكشفت بلجيكا أن اثنين من المفجِّرين الانتحاريين المتورطين في هجمات بروكسل هما الشقيقان إبراهيم وخالد البكراوي، واللذين لم تكن لهما علاقة بالتطرف حتى قيام أحدهما باستئجار وحدة سكنية قادت إلى العثور على عبدالسلام الأسبوع الماضي، وبالمثل، فإن الجزائري الذي قتل داخل المنزل الذي تمت مداهمته في 15 آذار / مارس الجاري لم يكن لديه سوى سجل سرقة صغير في السويد، ولكنه انضم إلى داعش العام 2014 وعاد إلى أوروبا وكان جزءاً من منفذي مؤامرة 13 تشرين الثاني / نوفمبر في باريس.
وأكد تنظيم داعش خلال إعلانه مسؤوليته عن الهجوم أن هناك خلية سرية من الجنود قد تم إرسالها إلى بروكسل لهذا الغرض، وهو ما أكدته وكالة الشرطة في الاتحاد الأوروبي حينما قالت إن المسؤولين الاستخباراتيين اعتقدوا في تقرير صدر نهاية كانون الثاني / يناير الماضي أن التنظيم أرسل أوامر للمتدربين من أجل تنفيذ هجمات على غرار القوات الخاصة، وتحدث مسؤول أمني أوروبي عن أن ناطقين بالفرنسية لهم اتصالات في شمال أفريقيا وفرنسا وبلجيكا يقودون الوحدات ومسؤولون عن تطوير استراتيجيات الهجوم في أوروبا، وأن المقاتلين في هذه الوحدات تدربوا على الاستراتيجيات في ساحة المعركة وكيفية استخدام المتفجرات وتقنيات المراقبة والمراقبة المضادة، وهي التدريبات التي لم تعد تستغرق أسابيع كما كان الحال العام 2014 بعدما تغيرت الاستراتيجيات التي تهدف إلى إحداث هجوم يسفر عن أكبر عدد من القتلي.
وأكد المسؤول الأمني أن وسائل مماثلة قد تم تطويرها بواسطة تنظيم القاعدة، إلا أن داعش ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك المستوى، بحيث يتم تدريب هؤلاء المقاتلين حتى يقوموا هم أنفسهم بتنفيذ العمليات من دون تلقي أوامر من معقل التنظيم في مدينة الرقة السورية أو أي مكانٍ آخر.
وأوضح المحلل الأمني السويدي، ماغنوس رانستورب، أن هجمات الثلاثاء التي أعقبت القبض على عبدالسلام ربما تكون نقطة انطلاق لمؤامرة تم التخطيط لها منذ فترة، وأن الانتحاريين من المحتمل أن يكونوا قد جاؤوا من نفس دفعة المتطرفين الذين خرجوا من سورية، وذكر عدد من المسؤولين الأمنيين أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن الجزء الأكبر من التدريب يجري في سورية وليبيا وأماكن أخرى في شمال أفريقيا.
وأكد شيراز ماهر، وهو باحث كبير في المركز الدولي لدراسة التطرف في لندن، أن القيام بمثل هذا الهجوم المتطور يحتاج التدريب والتخطيط وتوفير المواد والأراضي اللازمة للقيام بذلك، وأجرى ماهر مقابلات مكثفة مع المقاتلين الأجانب، ويمتلك مركز الأبحاث الذي يوجد مقره في كينجز كوليدج في لندن، واحدة من أكبر قواعد البيانات الخاصة بالمقاتلين وشبكاتهم، كما كشف مسؤول كبير في المخابرات العراقية أن عناصر الخلية التي قامت بتنفيذ هجمات باريس قد تفرقت ما بين ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والدنمارك والسويد، في ما عبرت مجموعة جديدة من تركيـا.
ووفقاً للمسؤولين الفرنسيين والبلجيكيين فإن أحدث الأسماء التي ظهرت علي الساحة هو نجم لاكروني، وقد تبين أنه مقيم في بروكسل ويحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، كما أنه صانع القنابل الذي قام بتجهيز الأحزمة الناسفة المستخدمة في هجمات باريس، وتم العثور على خمسة عشر كيلوغرام من مادة "تاتب" في منزل له علاقة بمنفذي هجمات بروكسل، جنبًا إلى جنب مع المواد المتفجرة الأخرى، على الرغم من أن لاكروني لم يرتبط اسمه علناً بالهجوم الأخير، ولكنه يبقى حرًا طليقًا مثل الرجل مجهول الهوية الذي شوهد وهو يرتدي قميصًا أبيض في مطار بروكسل وقت الهجوم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر