شهدت شوارع العاصمة الفرنسية "باريس" ومدينة "بوردو" الواقعة في الجنوب الفرنسي، اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين يرتدون الأقنعة التي تخفي وجوههم، وسط تدفق رائحة الغاز المسيل للدموع الذي اطلقته شرطة مكافحة الشغب.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "تليغراف" البريطانية، فقد رشق المتظاهرون المعارضون لتعديل قانون العمل، الشرطة بالحجارة، وملأت سحب الغاز المسيل للدموع أجواء المدن الفرنسية، وهاجم قرابة 100 شخص مركز الشرطة في بوردو، وألقوا الحجارة على المركز، كما أـلقوا إحدى سيارات الشرطة.
أما في باريس فقد أغلق العمال محطات الوقود فضلا عن مناطق متعددة من الشبكة القومية للطرق في فرنسا. وهتف المشاركون في مسيرة الاتحاد العام للعمل الفرنسي “سي . جي . تي” في ساحة "الباستيل"، مهد الثورة الفرنسية، "لا نقاش، لا مساومة، ألغوا قانون أرباب العمل". كما كتب المتظاهرون على طول الجدار في شارع "ديدرو" باللون الوردي عبارة: "هولاند مثل تاتشر" كنوع من السخرية وليس الإطراء.
ودعت النقابات المعارضة لمشروع تعديل قانون العمل إلى "زيادة التعبئة" من تظاهرات وإضرابات تتوالى منذ أكثر من شهرين في فرنسا، وذلك في بيان، أمس، فيما علق الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند الموجود في اليابان حيث شارك في قمة مجموعة السبع، بالقول إن "الحكومة ستصمد لأنه إصلاح جيد".
وتعتبر هذه المظاهرات ضمن جوانب المسيرات العمالية الغاضبة التي تجتاح جميع أنحاء الأراضي الفرنسية جراء رفض التعديلات التي أدخلتها حكومة إيمانويل فالس على قانون العمل. ففي الأيام القليلة الماضية، ذهب الاتحاد العام للعمل أكثر من أي نقابة منذ عام 1995 لدفع فرنسا إلى طريق مسدود تماما، ففي باريس، أوقف العمال معظم المفاعلات النووية عن توليد الطاقة، ولم يعد هناك سوى 3 مفاعلات من بين 19 مفاعلا مستمرة في العمل.
كما توقفت نحو 40% من محطات الوقود عن العمل بسبب الإضراب، فيما تسعى النقابات العمالية إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة للتراجع عن تلك التعديلات أو إلغاء القانون. فوفقا للأرقام التي أعلنتها الحكومة الفرنسية فإن 4.655 محطة وقود في فرنسا من بين 12 ألف محطة توقفت تماما عن العمل أو تعمل بمعدلات متدنية للغاية، ما يثير مشكلة توليد الكهرباء. كما أن هناك احتمالات بزيادة الوضع سوءا بانتقال الإضراب إلى وسائل النقل العام بشكل "غير محدود" هي مع بداية الأسبوع المقبل قبل أيام من انطلاق. بطولة كرة القدم "يورو 2016 ".
ويأتي التصعيد ردا على تدخل الشرطة بالقوة لرفع الحصار المفروض من محتجين، على عدد من المصافي النفطية بالبلاد، اعتراضا على التعديلات الأخيرة في قانون العمل، لتتصاعد بذلك المواجهة بين الحكومة الاشتراكية في فرنسا و"الاتحاد العام للعمل"، الأمر الذي ينذر بإثارة شلل في البلاد بهدف إجبار الحكومة على التخلي عن مشروع قانون العمل المثير للجدل.
وتعد هذه الضربة الثانية الأقوى للبلاد منذ مايو/أيار عام 1968، عندما خرج العمال والطلاب إلى الشوارع في أكبر إضرابٍ عام شهده تاريخ فرنسا، وسادت الإضرابات العامة والاعتصامات في المصانع والجامعات في أنحاء الجمهورية، والتي انتهت حل الجمعية الوطنية والإعلان عن عقد انتخابات برلمانية جديدة في يونيو/حزيران.
ونقلت الصحيفة عن شخص قوله إنه "يمكن التبنؤ بنهاية مظلمة لهذه الأحداث، فهناك دليل فرنسا، للمرة الأولى منذ عقدين، متوجهة إلى عاصفة من الاضطرابات الاجتماعية التي يغذيها زعيم الاتحاد اليساري، وهي على ما يبدو عازمة على إحياء الحرب الطبقية، وإفقاد الرئيس، الذي لا يتمتع بالشعبية، ورقة التوت الأخيرة من مصداقيته قبل الانتخابات المقررة العام المقبل.
وتم تحذير البريطانيين الذين يأملون في عبور فرنسا في السيارات بأنهم قد لا يجدون وقودًا لسياراتهم. وأصدرت هيئة عبارات P & O بيانا متسرعا أصرت فيه على أنه الخدمة سارية رغم الإضراب، في حين "حررت" الشرطة مستودعات الوقود، لكن الطيران المدني الفرنسي نصح شركات الطيران، الجمعة، بملء خزانات وقود طائراتهم في الخارج بسبب نقص الوقود في الداخل.
في الوقت نفسه، حذرت شركات إدارة الفنادق من أن "سياسة الأرض المحروقة" التي تتبعها النقابة تسبب في خفض معدلات الإشغال بنسبة 50 % لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ أعقاب الهجمات الإرهابية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في باريس، حيث يخشى السياح الفرنسيون والأجانب فوضى السفر أو ما هو أسوأ.
وأعرب العمال عن غضبهم الشديد من "خيانة" الحكومة الاشتراكية لهم بهذا القانون الذي يقف في صف أرباب العمل على حسابهم، وتعد هذه أول إضرابات عامة على الصعيد الوطني ضد الحكومة اليسارية منذ عام 1948.وكان غضبهم واضحا بالفعل في ساحة الأمة، حيث ألقى مئات من المتظاهرين الحجارة على الشرطة، وأشعلوا النيران في عربات "سوبر ماركت"، فيما ردت الشرطة بعشرات الاعتقالات في صفوف المتظاهرين.
ودعا الاتحاد العام للعمل، العاملين أيضا في الشركة الوطنية للسكك الحديدية “آس إن سي إف” إلى المشاركة في إضراب قابل للتمديد اعتبارا من 31 مايو الجاري للتنديد بتراجع الحوار المجتمعي وبتمرير قانون العمل بالقوة، على حد تعبيرهم.
واتسعت دعوات الإضراب ضد قانون العمل لتشمل أيضا النقابات التمثيلية للطيران المدني التي دعت إلى إضراب خلال الفترة من 3 إلى 5 يونيو/حزيران المقبل للمطالبة بتحسين أوضاع العمل ووقف عمليات تسريح العمالة حيث يتم الاستغناء عن 116 موظفا سنويا منذ 2008 ، وأكدت الإدارة العامة للطيران المدني أن قرار تنفيذ الإضراب سيحسم عقب اجتماع أخير في 31 مايو/أيار الجاري للتفاوض بشأن مطالب العاملين.
كما دعت نقابة “سي جي تي” الإدارة المستقلة لوسائط النقل الباريسية “إر أ تي بي” التي تشمل مترو وترام باريس وقطارات الضواحي والحافلات، إلى بدء إضراب مفتوح اعتبارًا من 2 يونيو/حزيران المقبل للمطالبة بسحب قانون العمل الجديد وإعادة فتح المفاوضات السنوية حول الرواتب. وذكرت، على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أنه لم يتم تلبية الاحتياجات المشروعة للموظفين وزيادة الأجور من خلال مشروع قانون العمل.
من ناحية أخرى، تتواصل أزمة نقص الوقود في عدة مدن في فرنسا بسبب سد الطرق المؤدية إلى مصافي النفط والموانيء التجارية من قبل محتجين على قانون العمل ما أدى إلى نقص الوقود في 30% من محطات الوقود في البلاد.
وقدرت خسائر شركة “توتال” النفطية جراء إضراب مصافي التكرير في فرنسا ما بين 40 و45 مليون يورو أسبوعيًا، في الوقت الذي يتطلب إعادة تشغيلها عدة أسابيع، حيث أكدت الشركة أن 350 من محطات الوقود التابعة لها تعاني من نقص كلي في الوقود بينما تواجه 431 محطة نقصا جزئيا، وهدد رئيس مجلس إدارة الشركة باتريك بوياني، بخفض استثمارات الشركة في فرنسا حال استمرار الوضع الراهن.
وقال زعيم الاتحاد العام للعمل لوران غاستون كارير، في جنوب شرق باريس، إنه لا نية لتقديم تنازلات. وأكد:"لا بنزين، لا ديزل، لا توجد قطرة تخرج من هذه المصفاة"، كما يؤكد. وأضاف:"سيستمر المنع حتى يتم إلغاء القانون".
وقالت مساعد وعضو مجلس البلدي لمجلس الشيوخ في "بانيو" ، (بلدة شيوعية خارج باريس)، هيلين سيليريس، 35 عاما، إنهم يهدفون من الاحتجاج الى ضرب نموذج "الأنغلوسكسونية" ذات "التعددية الليبرالية" في بريطانيا، وأضافت: "إنكلترا ليست نموذجا لإتباعه، فأنا أعارض جدا النموذج الليبرالي الذي يدعي أنه يمكنه محاربة البطالة من خلال منح المزيد من الحقوق لأصحاب العمل وأقل للعمال". وتابعت:"الناس تعتقد دائما أن النماذج الاقتصادية في إنكلترا وألمانيا لابد من محاكاتها، ولكن الكلمة التي تخطر ببالي هي انعدام الأمن الوظيفي".
وللمرة الثامنة منذ أواسط مارس/آذار، تظاهر عشرات آلاف الأشخاص، الخميس، في مختلف أنحاء فرنسا احتجاجا على مشروع القانون الذي يهدد الأمن الوظيفي برأيهم. وفي الأيام الأخيرة منع المحتجون الوصول إلى محطات لتكرير النفط ومستودعات للمحروقات مما عرقل توزيع السائقين بالوقود وأدى إلى طوابير طويلة أمام المحطات.
ودعا تجمع النقابات المعارض للتعديل في بيان إلى "مواصلة التحرك وزيادته". وتم إعلان يوم تعبئة تاسع، في 14 يونيو/حزيران المقبل، على أن يقتصر الحشد على باريس. وتم اختيار الموعد ليتزامن مع بدء النقاشات حول نص مشروع القانون في مجلس الشيوخ. ونددت النقابات التي طلبت عقد لقاء مع هولاند منذ الأسبوع الماضي دون تلقى جواب، بصمت الحكومة و بـ"تعنتها وإصرارها على عدم سحب مشروع القانون".
ويصب استمرار الاضطرابات في مصلحة اليمين الفرنسي (الجبهة الوطنية) التي تطالب زعيمتها مارين لوبان، مزيدا من حقوق العمال، إذ تدعم الجبهة سرا الاحتجاجات سرا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر