الدار البيضاء - جميلة عمر
جلست القرفصاء تنتظر دورها للاستماع إليها من طرق قاضي التحقيق في استئنافية فاس ، كان وجهها المتجعد شاحبًا ونظراتها توحي بغضب ما ، كانت تتنفس بين فينة والأخرى تنهيدات قوية.
كل المتهمين كانوا يتحدثون مع من يآزرهم من أصحاب البدل السوداء إلا هي كان يبدو عليها وحيدة ، ولحظة سمعت الشرطي يناديها بكلمات جافة، صوبت نظراتها المخيفة إليه وجعلته يرتعد منها، وقفت واتجهت صوب مكتب قاضي التحقيق بخطى ثقيلة وكأنها تعلم مصيرها والحكم الذي سيصدر في حقها.
فمن تكون هذه المتهمة وكيف وصلت إلى هذا المكان الذي الداخل إليه مكبل بتهم ثقيلة والخارج منه مولود من جديد؟
في ذلك البيت المتواضع الشبه العشوائي في منطقة تاونات تسكن عائلة تتكون من أم مسنة، وثلاثة أبناء أكبرهم المتهمة السعدية البالغة من العمر 53 عامًا، وغير المتزوجة .. والأخ المتهم الضحية والأخت الصغرى التي كانت سبب جريمة قادت أخويها الأخت إلى السجن وفي الغالب لمدى الحياة والأخ إلى القبر لتظل مع والدتها المشلولة بدون معين.
قبيل العيد بأسبوع عادت" السعدية" إلى البيت بعد عمل شاق في خدمة البيوت، كان يظهر عليها التعب، ومع ذلك بمجرد ما دخلت إلى الغرفة التي توجد فيها أمها المشلولة حتى أظهرت ابتسامتها العريضة، وقبل أن يسدل الليل ستاره قامت بإطعام والدتها وتغيير ملابسها وحفاظتها، لتسلم نفسها للنوم للاستراحة من تعب العمل اليومي المضني.
لم تكن تعتقد الأخت أن أخيها سيقلق راحتها عند عودته وهو ثمل من كثرة شرب الخمر، إذ عند الثانية والنصف صباحًا عاد الأخ السكير في حالة غير طبيعية، أخد يصرخ ويسب ويشتم الجيران بأقبح الصفات.
حاولت الأخت الصغرى إسكاته وإدخاله إلى غرفته في الأول تعنت ورفض، لكن سرعان ما قاده شيطانه إلى التحايل على أخته بإدخاله إلى غرفته لكي يخلد للنوم ، المسكينة لم تكن تعلم نواياه الإجرامية فأخذته إلى الغرفة وهناك انقض عليها معتبرًا إياها فريسته لتلك الليلة ، دفعها للداخل وأغلق الباب كما أغلق فمها بمنديل فأزال ملابسها الداخلية راغبًا في الاعتداء عليها جنسيًا ، غير مراعي على أنه أخته الصغرى ، وغير راحم دموع التوسل التي كانت تذرف من عينيها، ولم يكن يهمه آنذاك إلا تلبية شهواته الجنسية .
السعدية استغربت للهدوء السريع الذي ساد البيت بعد دخول أخيها إلى البيت، مع العلم هو معتاد كل ما عد في حالة سكر إزعاج كل من في البيت ، غير مراعي للحالة الصحية التي تعاني منها أمه المشلولة ولا احترام الجيران، كما لاحظت أن أختها لم تعد بعد إلى الغرفة حيث ينامون فيها.
خرجت السعدية من الغرفة مسرعة ، متجهة نحو غرفة أخيها لمعرفة ما الخطب؟ لكن الصدمة كانت قوية بالنسبة لها ، حاولت السعدية وهي المريضة بداء السكري، ضبط أعصابها، وحاولت انقاد أختها من الوحش الكاسر الذي تنصل من دم القرابة، لكن الأخ منعها وانهال عليها بالسب والقذف، و تمادى في تصرفاته الطائشة والكلام النابي ونعتها بأقبح الأوصاف، دون مراعاة مشاعرها واحترامها له وتقديرها لظروفه الاجتماعية، حيث هي من تعوله بعدما غادر المدرسة مبكرًا للتفرغ لممارسة كرة القدم، دون أن يؤمن مستقبله لعوادي الزمن.
اشتد غضب الأخت الكبرى ، وخرجت من الغرفة تبحث عن أي شيء لتحد من تصرفات الأخ المجرم ، ضغطها المرتفع والسكري الذي أغمض عينيها جعلها تأخذ منجلًا يستعمل في الحصاد وجدته في طريقها ، وعادت إلى الغرفة ليتفجر الغضب الذي بداخلها حيث حولها إلى وحش وبضربة واحدة تمكنت أن تبتر عنق أخيها عن جسده تاركة إياه مثل الخروف غارقًا في دمائه ، بعد حررت أختها من بطشه .
قبل أن تتجه السعدية لمخفر الشرطة طلبت من أختها الاعتناء بوالدتها والاعتماد على نفسها، بعد ذلك خرجت مهرولة في اتجاه مركز الشرطة من أجل تسليم نفسها و إشعارهم بالحادث .
انتقلت عناصر الشرطة إلى عين المكان الذي وقعت فيه الجريمة ، وهناك تم الاستماع للضحية الأولى التي هي الأخت الصغرى والجيران ، وكذلك للأم المسنة حيث أجمع الكل أن السعدية وضعت حدًا لبطش شخص لا يخاف الله.
بعد الاستماع إلى السعدية من طرف عناصر الأمن والاستماع إلى الشهود أحيلت على الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في فاس ، الذي تابعها بعد الاستماع إليها بالضرب والجرح بالسلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه، وفي نفس اليوم تم الاستماع إليه من طرف قاضي التحقيق إعداديًا ليتم تأخير ملفها إلى التاسع من الشهر المقبل .
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر