أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حكومته أوقفت أحد المشتبه بضلوعهم في هجمات بروكسل الثلاثاء الماضي، بالقرب من الحدود السورية في 14 حزيران/ يونيو الماضي، وحذرت الحكومة البلجيكية من أنه كان مقاتلًا أجنبيًّا، وعلى الرغم من تلك التحذيرات إلا أنه لم يكن للسلطات البلجيكية أيّة استجابة فورية لإعلانه.
وأكدت السلطات البلجيكية أن ثلاثة مفجِّرين انتحاريين، بينهم شقيقان، هم من قاموا بتنفيذ هجمات بروكسل، وتتواصل عمليات البحث عن مهاجم آخر على الأقل، كما سارع المحققون إلى الربط بين الهجمات التي استهدفت مطار بروكسل وعربة مترو الأنفاق، والهجمات المتطرفة الأخرى التي جرت أحداثها في تشرين الثاني / نوفمبر وأسفرت عن مقتل 130 شخصًا في باريس وما حولها من المناطق، بعدما زعم تنظيم داعش مسؤوليته عن هذه الهجمات.
وعثرت الشرطة في بروكسل داخل سلة المهملات على جهاز كمبيوتر مع إحدى الوثائق التي تشير إلى أن المهاجمين تصرفوا بدافع من الشعور بالاضطرار واليأس في أعقاب توقيف صلاح عبدالسلام، الجمعة الماضية، وهو آخر الناجين ممن شاركوا بشكل مباشر في هجمات باريس، وجاء في الوثيقة التي كتبها الشقيق الأكبر إبراهيم البكراوي (29 عامًا) أنه لم يعد يشعر بالأمان، ولا يعلم ماذا يفعل، كما اتضح للسلطات أن البكراوي أشار في وثيقته إلى أنه يخشى من اقتراب نهايته حال اعتراف عبدالسلام.
وكان بكراوي ورجل آخر قد قاما بتفجير أنفسهما داخل مطار بروكسل، في انفجارين فصل بينهما تسع ثوانٍ، ثم قام شقيقه الأصغر خالد البكراوي (27 عاماً) بتنفيذ هجوم انتحاري في محطة مترو مايلبيك، وقد حاولت السلطات تحديد ما إذا كان المفجر الانتحاري الآخر في المطار كان نجم لكراوي الذي يبلغ من العمر 24 عاماً، وهو البلجيكي الذي كان على علاقة بهجمات باريس.
ويتمتع الشقيقان بكراوي بتاريخ من الجرائم العنيفة، إلا أن المسؤولين في بلجيكا لم يكن لديهم سبب لإبداء الشك في أنهم متطرفين حتى وقتٍ قريب، ومع ذلك، فقد خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليعلن أن حكومته أوقفت إبراهيم البكراوي بالقرب من الحدود السورية في 14 حزيران/ يونيو الماضي، وحذرت الحكومة البلجيكية أنه كان مقاتلًا أجنبيًّا، وذكر الرئيس التركي خلال مؤتمر صحافي عقد في العاصمة أنقرة، أنه وعلى الرغم من التحذيرات بأن ذلك الشخص كان متطرفًا، إلا أن السلطات في بلجيكا لم تستطيع تحديد علاقته بالتطرف، ولم يكن للحكومة البلجيكية استجابة فورية لإعلانه.
وكشف المدعي العام الفيدرالي البلجيكي، فريدريك فان ييو، في مؤتمر صحافي عما ساعد المحققين في التعرف على الاشقاء، بعدما أرشد الشرطة سائق تاكسي عقب حدوث التفجيرات عن المنزل في شارع ماكس روس الذي يقع في قسم سكاربيك في بروكسل والذي نقل منه الرجال الثلاثة، وعثرت السلطات في ذلك المنزل على نحو 33 باوندًا من المواد المتفجرة، وهي كميات هائلة مقارنةً بالأحزمة الناسفة التي استخدمها المهاجمون في باريس وكانت تحتوي كل منها أقل من باوند من مادة "تاتب"، كما وجد المحققون ما يقرب من 40 غالونًا من الأسيتون وما يقرب من ثمانية غالونات من يروكسيد الهيدروجين، وهي المكونات المستخدمة في تصنيع "تاتب"، فضلاً عن العثور على صواعق وحقيبة مليئة بالمسامير وغيرها من المواد التي يمكن أن تستخدم في صناعة العبوات الناسفة.
ومع استمرار التحقيقات، فقد بقيت بلجيكا في حالة حداد وعلى أعلى مستوى من التأهب، مع الوقوف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، أما المطار الذي شهد سقوط عشرة قتلى فقد استمر إغلاقه، وتوقفت حركة الكثير من خطوط مترو الأنفاق، في الوقت الذي بقيت فيه محطة مايلبيك، التي شهدت مقتل 20 شخصًا، مغلقة، ومع إعادة فتح المدارس، إلا أن الكثير من الموظفين التزموا منازلهم.
وداهمت الشرطة البلجيكية مبنى في حي أندرلخت في بروكسل، حيث تحفظ ضباطاً يرتدون بدلة واقية على ملفات وصناديق بلاستيكية من المبنى، بينما كان يقف في الخارج ضباط ملثمون، وذكر اثنان من ضباط الشرطة في الحي أنه تم توقيف أحد الأشخاص، ولكن تبقى هويته غير معروفة، وأكدت وكالات الأنباء البلجيكية الأسبوع الماضي أن الشقيقان بكراوي اللذان كانت نشأتهما في حي لايكن للطبقة العاملة في بروكسل، كانا مطلوبين للاستجواب منذ مداهمة 15 آذار / مارس الجاري، ولم يتضح السبب في عدم طلب السلطات رسميًا مساعدة الجمهور في العثور عليهما.
وصدر ضد إبراهيم البكراوي حكماً العام 2010 بالسجن تسعة أعوام لقيامه بإطلاق النار على ضباط الشرطة بعد محاولة سرقة مكتب لاستبدال العملات، إلا أنه لم يتضح متى أو لماذا تم إطلاق سراحه، أو كيف انتهى به المطاف في تركيا، وقالت الحكومة التركية إنه تم ترحيله إلى هولندا، وليس إلى بلجيكا، ولكنها لم تقدم تفسيرًا لذلك، أما خالد البكراوي فقد واجه عقوبة السجن خمسة أعوام في 2011 بتهمة محاولة سرقة السيارات وحيازة بنادق هجومية وقت اعتقاله، وقد أصدر الإنتربول مذكرة توقيف بحقه في آب / أغسطس الماضي في أعقاب انتهاكه شروط الإفراج عنه.
ويعتقد أن خالد البكراوي استخدم اسماً مستعاراً لاستئجار منزل في شارلروا في بلجيكـا، وكذلك شقة سكنية في حي فورست، وقد تم العثور على بصمات أصابع مرتكبي هجمات باريس عبدالحميد أباعود وبلال حدفي داخل المنزل في شارلروا في 9 كانون الأول / ديسمبر، بينما تم العثور على بصمات عبدالسلام في شقة حي فورست عقب مداهمة 15 آذار / مارس الجاري.
وقال وزير الداخلية، جان جامبون، خلال حديثه في الإذاعة البلجيكية صباح الأربعاء، إن مداهمات الشرطة ستستمر، وأن حالة التهديد ستبقى المستوى الرابع، حيث أعلى مستوياتها، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الفرضيات لوضعها على الطاولة، ولكن يبقى الأمر متروكًا للمحققين لفرز الحقيقة عن الخيال.
وقلل جامبون من التكهنات بأن الهجمات كانت بمثابة عمليات انتقامية نتيجة اعتقال عبدالسلام، قائلاً أنه من غير المرجح قيام المتطرفين بتنفيذ تلك الهجمات على نطاق واسع في غضون يومين أو ثلاثة من توقيفه، وذكر في وقتٍ لاحق أن الهجمات كان من المرجح إحباطها حال فرض بلجيكا أعلى مستويات التهديد بدلاً من المستوى الثالث، والذي تم فرضه عقب وقوع الهجمات في باريس، وأن المستوى الرابع من التهديد يتم فرضه عندما تكون هناك معلومات عن هجوم متطرف وشيك سيحدث في لحظةٍ معينة وفي أحد الأماكن، وهي المعلومات التي لم تكن متوافرة لديهم.
ونتيجةً لهذه الهجمات المتطرفة، فقد أصبح ميدان دو غراند سابلون وسط العاصمة بروكسل، والذي كان يعج بالسائحين والمتسوقين هادئاً، كما تم إغلاق الكثير من المتاجر، وبقي الطريق أمام محطة مترو كايلبيك مغلقاً، بينما فضل غالبية الموظفين العاملين داخل مبنى الاتحاد الأوروبي الذي يقع في المنطقة أن يلزموا منازلهم.
ووصف الدبلوماسي النمساوي، أنطون زيلينغر، الذي يقطن ويعمل في مكان قريب، وكان موجودًا في مكتبه وقت وقوع الانفجار في محطة المترو، الوضع بالمخيف، مشيراً إلى أن القليل من التفجيرات لن تدمر نمط المعيشة، حتى وإن أراد المتطرفون ذلك، واستمر عشرات الأشخاص في التجمع لإضاءة الشموع ووضع الزهور والرسوم عند النصب التذكاري المؤقت، كما تجمع المئات ظهراً للوقوف في صمت، وعبر الركاب في صالة يوروستار عن حزنهم ووقفوا في الظهيرة دقيقة صمت حداداً على أرواح الضحايا.
وذكر منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة التطرف، جيل دي كيرشوف، أن الصلة الواضحة ما بين الشقيقين بكراوي وعبدالسلام تشير إلى أن هجمات بروكسل لم تكن نتاج عمل خلية متطرفة نشطة أخرى، وأن مطار بروكسل سيظل مغلقاً على الأقل حتى الخميس.
وعلى غرار غالبية المطارات الغربية، فإن الحقائب لا يتم تفتيشها في مطار بروكسل إلى حين خضوعها للفحص، وهو ما يسمح بإدراج القنبلة في الحقيبة، وبالتالي تكون النتيجة قوة انفجارية أكثر فتكاً من السترة الناسفة، وفي البلدان التي تعاني من التطرف مثل أفغانستان والعراق، والشرق الأوسط، فإنه يتم وضع أكياس من خلال الماسحات الضوئية عندما يدخل المسافرون المطار.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر