القاهرة – طارق شحاته
هل صحيح أن مقابر المشاهير أمثال عبدالحليم حافظ، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وشادية، وحسين رياض، ومنير مراد، والكحلاوي، وأنوروجدي، وأحمد مظهر، وأم كلثوم، وغيرهم من عامة الناس في حي البساتين في القاهرة مهددة بالانهيار، وضياع رفاتهم؟، هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا التحقيق "المصور" مع أسرعبدالحليم والشيخ عبدالباسط وحسين رياض ومنيرمراد، الذين حذروا من حدوث "كارثة" من جراء هبوط أرضي، وغرق رفات الأموات الموجودين في المنطقة التي تتواجد بها مقابر ذويهم، إذا لم تتدخل الدولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه بعد أن تسللت المياه إليهم عبرالسنين بسبب بناء البيوت الجديدة والعمارات الشاهقة على جزء كبير من عين الصيرة، آدى لتسرب المياه وتعرض المنطقة بأكملها للخطر.
توجهنا إلي المنطقة، وتوقفنا عند مقابر عائلة الفنانة شادية، التي أكدت لنا خادمة المكان بأن شادية، بعد عمرطويل، ستدفن هنا بجوار ذويها، وكذلك مقبرة السيدة أم كلثوم التي يكسوها الهدوء والسكينة، وكان في استقبالنا عم طه، ذاك الرجل العجوز الذي أكد لنا أن هناك مثل نفق من تحتنا تحت التراب يحوى جسامين أم كلثوم وعائلتها، وشاهدنا الحجرة التى كانت تجلس بها بعد وفاة والدتها لتقرأ الفاتحة لها داخل سورة المقبرة الفسيح، وعلمنا من عم طه أن السفير الفرنسي في القاهرة والفنانة فيفي عبده، التي تحرص على زيارة الست أم كلثوم، وهي في طريقها إلى قبر والدتها، وفي الشارع المقابل كانت مقبرة أنوروجدي، التي تغيرت كثيرًا، وفي طريق العودة من تلك الرحلة مررنا على مقبرة أحمد مظهر، وفريد الأطرش، وبليغ حمدي، ومسجد ومقبرة الكحلاوي، والتي أكد البعض أنها في أمان من المياه الجوفية، ولكن البعض الآخر كان له رأي مختلف على طريقة أغنية السيدة فيروز القديمة "الغضب الساطع آتىّ"، بمعنى أن المياه الجوفية لن تترك شيئًا في طريقها على جانبي الطريق إذا لم تتدخل الدولة سريعًا، وإليكم التفاصيل...
في البداية تقول الحاجة زينب الشناوي ابنة الحاجة علية، شقيقة العندليب الراحل عبدالحليم حافظ: "المياه الجوفية أغرقت مقابر عائلتي، خالي عبدالحليم حافظ، ووالدتى الحاجة علية، وخالي محمد شبانه، والحمدلله وفقنا في عمل عازل لهم وقمنا أنا وابن خالي محمد شبانة بتكليف الموضوع من أموالنا الخاصة، بعيدًا عن المحافظة، وحي البساتين في القاهرة، وقمنا برفع المقابر عن سطح الأرض بعيدًا عن المياه التي أغرقتها بالكامل، عن طريق شركة عثمان أحمد عثمان، ولوتفقدت حضرتك منطقة القبور هناك سيصيبك الحزن ليس على مقبرة عبدالحليم فقط ولكن على كل القبور والأموات من حوله، أمثال الشيخ عبدالباسط والكحلاوي وحسين رياض والإمام الليثي، أحاطت قبورهم المياه من كل جانب".
وأضافت: "على الناحية الأخرى من تلك المقابر تجد مقابر أم كلثوم، وفريد الأطرش، كل هؤلاء معرضون للغرق في أي وقت وضياع رفاتهم، وهؤلاء جميعًا قمم أفذاذ ليسوا بحاجة للحديث عنهم تركوا بصمات واحدة بتاريخ مجالاتهم وأعمالهم"، وأشارت الحاجة زينب إلى أن هناك من تلك القبور على وشك الغرق مثل مقبرة عبدالحليم حافظ".
وتابعت: "علمنا أن منسوب المياه يزداد في المنطقة من ناحية عين الصيرة؛ بسبب بناء العمارات الجديدة، والمياه تتدفق من كل جانب، وحتى لا أفتي في الموضوع ولكن على حسب وجهة نظري، يجب التدخل السريع والمباشر من قبل المسؤولين عن المنطقة بتقديم الحلول المناسبة لمنع تكرار مثل هذا الأمر مرة أخرى، الذي مازال يهدد سكان القبور من الأموات، إما بمنع بناء العمارات الجديدة أوماشابه"، وأكدت أنه بالرجوع إلى الحى قال لنا "لاحلول، إما ترفعوا قبوركم عن مستوى الأرض أو تقومون بنقل رفات أمواتكم من هذه المنطقة، وهم لايعلمون مدى خطورة ذلك، فعن نفسي أرض الله واسعه وأدفن في أي مكان ولكن عبدالحليم، الذي يحرص عدد كبير من محبينه على زيارة قبره في شهر مارس من كل عام في ذكرى وفاته، ولوفرضنا قمنا بنقل مقبرة عبدالحليم إلى مكان آخر، الناس ستعترض ويقولون لماذا أقدموا على هذا الفعل، ولذلك أضطررنا لرفع مقبرة عبدالحليم، وتكلفنا أنا ومحمد شبانه أكثر من ربع مليون جنيه حتى نحافظ على المقبرة من المياه، وفوضنا أمرنا إلى الله، لأننا بذلك سنكون في منطقة القبور بعد ما قمنا بها –أخيرا- مثل "الغواصة" التى تحيطها المياه من كل جانب، وأسمح لي أناشد الرئيس السيسي للتدخل، لأنني كما أعلم هو يحب عبدالحليم، وحماية مقبرته من الغرق أو بأمر من سيادتك تنقل لمكان آخر".
أما محمد الشناوي ابن الفنان كمال الشناوي، زوج الحاجة زينب ابنة شقيقة عبدالحليم، فيقول: "منذ فترة والمقابر من حول مقبرة عبدالحليم تغمرها المياه وتصيبها بالغرق، خاصة وسبق وقمنا بعمل تحصين أول لمقبرة عبدالحليم من قبل، ولكن أكتشفنا –أخيرا- أن ماقمنا به ليس كافيًا ولمسنا بأنفسنا وصول المياه الجوفيه للمقبرة، ولأن أسرة عبدالحليم كانت حريصة على رفات أمواتها وحرمتهم سارعوا بفتح المقابر والكشف عما إذا كان أصابها الضرر من الداخل أم لا، لأننا وجدنا وقوع شروخ من أعلى المقبرة بالداخل مع وجود نشع للمياه، وطلبت من ابني محمد شبانة وزوجتي الحاجة زينب ضرورة عمل شيء هندسي يحافظ على المقابر وتأمينها بالشكل العلمي السليم، لأن المقبرة محيطة بالمياه من كل اتجاه، التي تأتيها وتتسرب إليها من عين الصيرة، وكان رأيّ بأن رفات عبدالحليم وأشقائه محمد وإسماعيل وعلية يتم وضعهم في غرفة مغلقة داخل المقبرة لحين عمل الترميمات والإصلاحات اللازمة، واللجوء لمهندس مختص لهذا الأمر، رغم أن هناك ناس كثيرين وقتها أفتوا بوضع تراب وماشابه لوقف تدفق المياه على المقبرة، ولكن لم نسمع لكلامهم"
وأضاف: "أتعجب من التراخي من قبل المسؤولين عن هذا الموضوع الخطير على الرغم أننا رفعنا قضية وكسبناها على المحافظة في هذا الشأن وإلزامهم بالتدخل السريع لإنهاء هذه المشكلة قبل تفاقم الأمور أكثر من ذلك، لأننا سبق وقمنا بعمل بحث جيولوجي من خلال باحثين في كلية العلوم في جامعه القاهرة، في الحفر والترميم الأول الذي قمنا به، وخرجت تقاريرهم تفيد بوضع الحلول المناسبة لمنع تسريب المياه إلى المقابر، وأفادوا بضرورة وجود أبيار حول المقابر حتى تقوم بسحب المياه الجوفيه القادمة من عين الصيرة ثم يتم بعد ذلك شفطها والتخلص منها بعيدًا، وللأسف لاحياة لمن تنادي، وللعلم قمنا بالسير في إجراءات تلك القضية منذ عام 2005 بعد وفاة الحاجة علية، وكسبناها في مجلس الدولة منذ شهر واحد فقط، للأسف من حول الرئيس السيسي المحترم الذى يعمل من أجل رفعة بلدنا مازالو ا يفكرون بمنطق قبل ثورة 25 يناير".
ويتدخل في الحوار محمد شبانه ابن شقيق عبدالحليم حافظ: "حرصت على الذهاب لدار الإفتاء أنا وابنة عمتي الحاجة زينب وزوجها؛ لنسأل في شأن نقل عظام عمي عبدالحليم ووالدي وأعمامي، فقابلنا وقتها الشيخ عماد عفت، مديرمكتب مفتي الديارالمصرية علي جمعة، في ذاك الوقت، وقال لنا بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال بأن عظام الموتى تشعر كما تشعرون، ويجب المحافظة عليهم عند الإقدام على هذا الأمر، وقمنا بنقل جسامينهم لحين عمل عازل أسفل المقبرة ومن كافة الأجناب وطمأنونا، حتى غمرت المياه أخيرًا المقبرة وأصبحت آيلة للسقوط من كافة الاتجاهات، وعلى الفور قمنا بعمل الترميمات اللازمة وبناء المقبرة من جديد، وقمنا بتكفين أمواتنا مرة أخرى على الأكفان القديمة الموجودين بها، ووضعناهم في غرفة مجاورة داخل المقبرة بها لحد شرعي، وقمنا بغلق جميع المنافذ من حولهم – حتى الشبابيك -
ووضع طوب وخرسانة لحين الانتهاء من بناء المقبرة الجديد، ووضعنا علامات بينهم، وفصلنا الرجال عن النساء".
من جانبه، يقول طارق عبدالصمد، نجل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد: "الحمدلله مقبرة والدي في شارع الرحمة بحى البساتين (محمية) من المياه الجوفية، ولن يصيبها أي ضرر بإذن الله، لأن المياه المسربة من عين الصيرة تبعد عن المقبرة بحوالي 300 متر، لأنني حرصت على الجلوس مع الناس هناك وطمأنونني بأن المقبة ليست بحاجة إلى ما فعلته أسرة عبدالحليم بالمقبرة، أثناء قيامنا بتجديد مقبرة والدي وبناء الأسوار الخاصة بها بالحجرالفرعوني، كما أنني قلت للناس هناك بأنني على استعداد لعمل حوائط عازلة للمياه إذا كانت المياه الجوفية تسبب خطرًا على مقبرة والدي، وعلمت أخيرًا أنهم يقومون بإنشاء شبكة صرف صحي بالمنطقة لعمل بيارات لحماية المقابر من الغرق من المياه المسربة إليها، وبالتالي يقومون بعمل تعديلات بشبكة الصرف الصحي حتى تصل المياه لصحراء المقطم بعيدًا عن منطقة مقابر البساتين".
وأضاف: "للعلم موقع مقبرة والدي في بداية الشارع من ناحية شارع الخيالة وقسم البساتين، ولذلك من يتواجدون بأخر الشارع هم المتضرررين أكثر من مياه عين الصيرة مثل مقبرة عبدالحليم الواقعة في نهاية الشارع، ويمكن بناء البيوت والعمارات الشاهقة بعين الصيرة آدت لتسرب المياه لمنطقة القبورالمجاورة لها وأدى ردم التربة لزيادة وتدفق المياه إليها أكثر فأكثر، وإذا كان خطر المياه قائم فأعتقد أنه لاحلول برأىّ ولاخرسانات ولاحوائط عازلة ولاغيره ستنفع معها سوى القيام بحل هذه المشكلة من المنبع نفسه أوالجذور بضرورة إيجاد حلول مناسبة نهائية لوقف تسرب مياه عين الصيرة".
أما الفنان زكي فطين عبدالوهاب ابن الفنانة ليلى مراد، شقيقة الفنان منيرمراد، يقول: "هذه أول مرة اسمع فيها حكاية خطر المياه الجوفية على مقبرة خالي منيرمراد؛ لأنني لم أزوره منذ فترة، وليست لدي أي معلومات عن هذا الموضوع، أوبالمعنى العام ماعنديش فكرة عن الموضوع"، وعندما أخبرناه بحقيقة الموضوع وخطورته كما أكد لنا بعض سكان المنطقة وقيام المهندس الذي قام ببناء مقبرة عبدالحليم من جديد، لم يبدي اهتمامًا، واختتم حديثه بقوله: "شكرًا ياحبيبي".
وتقول فاطمة ابنة الفنان حسين رياض: "أضم صوتي لصوت أسرة عبدالحليم وأتوجه بالنداء للرئيس السيسي بأن يقوم بحل مشكلة مياه عين الصيرة التي تهدد منطقة القبور في حي البساتين، الذي تتواجد فيه مقبرة والداي، وأملي في الله كبير أن يتدخل الرئيس أو أحد الوزراء والسادة المسؤولين لحل هذه المشكلة (العويصة)، لأنني واجهت نفس المشكلة من شهر واحد تقريبًا وتوكلت على الله وقمت بعمل العوازل اللازمة لمقبرة والدي مع بعض الترميمات، بعد أن أخرجنا الجسامين الموجودة في المقبرة بسلام أثناء القيام بعمل الاحتياطات اللازمة لجمايتهم من تسريب المياه الجوفيه، حيث قمنا بعمل خرسانات وأرضية أسمنتية ورمال بسمك 20سم تحت رفاتهم حتى لاتمتصها المياه، وهذا قد يكون حل مؤقت حتى تتدخل الدولة لحماية أمواتنا من الغرق"، وأشارت إلى أن المنطقة الذي يرقد فيها بسلام والدها الآن من خلال مقبرته يتواجد بها مقابر كل من إسماعيل ياسين وأم كلثوم وفريد الأطرش والكحلاوي وغيرهم، لدرجة أن هناك من يطلق على شارع الرحمة الموجود به مقبرة والدها بشارع الفنانين، وتضيف: "هؤلاء ياما أسعدوا الملايين فأقل واجب معهم أن يكرموا في مدافنهم خاصة أن الدولة قديمًا هي من عرضت عليهم شراء تلك الأحواش، أو الأراضي وبناء مقابر خاصة بهم عليها، ولأن الفنانين قديمًا كانوا مثل الأسرة الواحدة ومترابطين أقدموا على هذا الأمر معًا".
ويقول الفنان أحمد الكحلاوي ابن مداح النبي محمد الكحلاوي: "منذ حوالي سبع سنوات غرقت مقابر الإمام الليثي بالمياه الجوفية وتم شفطها ومعالجة الأمر ومن وقتها لم تتكرر هذه المشكلة مرة أخرى، أما بالنسبة لمقبرة والدي فهى بفضل الله لم يصيبها الضرر من هذا الموضوع، كما أنه لم يشير ليّ أحد بخطورة الوضع في منطقة مقابر البساتين، خاصة وأن مقبرة والدي تبعد نصف كيلو عن شارع الرحمة التي تتواجد به مشكلة المياه الجوفية وماحولها التي تتواجد فيها مقبرة عبدالحليم حافظ، وبالفعل لوصح هذا الكلام وعدم إيجاد حلول لمشكلة المياه هذه ستتعرض المنطقة جميعها لكارثة طبيعية وستبتلع المياه المنطقة بأكملها لأن المياه بهذا الشكل ستكون مثل القنبلة الموقوتة".
وشدد الكحلاوي أنه لأول مرة يسمع عن مشكلة المياه الجوفية هذه، مطالبًا بالتصدي لها بكافة السبل لأن المشكلة نابعة من ناحية منطقة الخيالة التي أصابت الضرر بشارع الرحمة المتواجد به مقبرة عبدالحليم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر