رام الله ـ سماء أبو شرار
التقت الشاعرة الفلسطينية صونيا خضر من رام الله، بمحض الصدفة مع الكاتب فلسطيني بسام جميل الذي كان يسكن دمشق، ونزح بفعل الأزمة السورية إلى لبنان، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لينبش الجرح السوري الألم الفلسطيني في أمسية بيروتية.
وجاءت صونيا من فلسطين إلى لبنان بدعوة من مؤسسة "ماجد أبو شرار" الإعلامية، وحضر بسام إلى بيروت أيضا بدعوة من المؤسسة، كاسرا عزلة طالت داخل جدران بيته في مخيم الجليل منذ أن ترك دمشق، وتحت جناح المؤسسة التقى الكاتبان وغاصا في عوالم أدبهما، أدب يحاكي الواقع الفلسطيني في الداخل وفي الشتات.
وافتتح بسام الأمسية بقراءة لأحد نصوصه الكثيرة، تناول من خلالها معنى اللجوء قائلا إن "اللجوء عنوان لا نستحقه لكنه استحقاق ندفعه من آلامنا وأحلامنا"، حيث لامس الحضور بالحميمية التي تكلم بها عن مدينة الياسمين دمشق التي ولد وترعرع فيها، فاحتضنته كما قال كاحتضانها لأبنائها الأصليين.
وطرح الكاتب الشاب العديد من الأسئلة التي وضعها بتصرف صونيا القادمة من فلسطين والأكثر انتشارا من خلال كتاباتها النثرية والشعرية. ووجه عتبا للجهات الثقافية الرسمية لإهمالها المبدعين الفلسطينيين في الخارج وتحديدا الشباب منهم الذين لم يلقوا بعد الانتشار الذي يستحقونه في فلسطين وخارجها.
وتساءل إن كانت فرص المبدعين الفلسطينيين في الداخل أكثر حظا مما يلقاه اللاجئ في الشتات قائلا: "هل ستظلمنا فلسطين مرة أخرى وتصنفنا ككتاب أو كمبدعين ضمن قائمة أخرى أو في أسفل قائمة أولها مضيء وآخرها هامشي ومعتم؟".
الكاتبة والشاعرة صونيا خضر تلقفت أسئلة بسام الكثيرة وعتبه على فلسطين ومن يمثلها برحابة صدر وخاطبت الحضور قائلة: "لي شرف مصافحة هذه الجذور علّ التراب العالق منها في دمي يعتذر لها ولكم جميعًا على هواء أنتم الأحق بتنفسه وماء صالح أكثر لوضوء في أجسادكم المنهكة من شدة الصمود والانتظار والرحيل".
وحيَّت صونيا الحضور بكلمات قليلة تناولت فيها الشعور الذي يلازم الفلسطيني باللجوء بغض النظر عن مكان وجوده قائلة : "سلام عليكم ولكم من رام الله، المدينة التي تنسى أحيانًا حقيقة وجودها تحت احتلال وترتدي ثيابها وتخرج للعمل أو لصباحات المقاهي أو للشوارع، فنحن هناك مثلكم نسعى لأن نعيش بفارق أننا نعتقد بأننا نعيش، كذبة كبيرة هو المكان فكلنا لاجئون داخل أمكنتنا أو خارجها منذ تلك النكبة التي اعتقدنا أنها وعكة طارئة ولم نشفى منها لغاية الآن".
ولم تطمئن صونيا بسام على وضع المبدعين في فلسطين الآتية منها، فقالت إنها ليست أحسن حالا من حالة مبدعيها في الشتات، تحدثت الكاتبة عن "محسوبيات وأولويات وتزكيات وفوضى وشعارات، رداءة تحل مكان النظيف وزائف يأخذ مكان الحقيقي"، تسود المشهد الثقافي الفلسطيني. لكن الكاتبة لم تلق اللوم على فلسطين وحدها ولا على القيمين على هذا المجال إذ اعتبرت أن "هذا الأمر يبدو وكأنه ظاهرة عالمية في ظل التحولات والتغيرات الطارئة على العالم".
وبعد مداخلات عدة من قبل الحضور حول المشهد الثقافي الفلسطيني إن كان في فلسطين أو خارجها، قرأ بسام جزءا من نص نثري من مسرحية بعنوان "لن يصدق النقاد" يحاكي مسألة اللجوء ورحلات قوارب الموت إلى أوروبا.
كبر أول الأولاد و لم يكن سقوطًا كافيًا للثاني
لم يقتنع النقاد ولم يصفق سفير النوايا الحسنة
حفيدي وحيدًا في مشهد عظيم
يحمل المسرح العجوز على ظهره
سرق خشبه منذ زمن طويل
لكن سماسرة الحرب أعادوه
صنعت به القوارب
دفعه الحنين
مسكين هذا الأخير يحلم بنجاته
حفيدي الثالث لا يريد مشهدًا عظيمًا
لا يريد دور بطولة حلم به جده الأول
لكنه يشفق على عود فقده جده و انحناءة لم تخدم النص
ركب البحر أمام الموت و فوق ظهره مسرحه
إذا كتبت له نجاة فسيسرق حصته من خشب القوارب
سيعيد ما سلب من جده
سيصنع عودًا جديدًا بلحن قديم
ستكون ذاكرته وتر النص
لن يصفق الجمهور
لن يصدق النقاد
أن الملهاة أصغر من عرض مسرحي
لكنها أكبر من الحياة.
بدورها انتقت صونيا جزءا من نص شعري لم تنشره بعد يحمل عنوان "إلى قاتل مأجور أو إلى قتيل" تناولت فيه كما شرحت الموت المجاني في سورية.
ثمة حرير قليل في قلبك فعلقه
علقه على الشرفة جففه امضغه اعلكه أو اعرضه للبيع
تحترق الشوارع من تحتك ولا تقوى على الصراخ
يتساوى فيها و فيك الأعز و الأقرب و الغريب
أنت لا تعرف و هم مثلك لا يعرفون الفرق بين
الكلاب و البشر
بعه مع كل ما تملك و اشتري قلب قطة أو قلب حصان أو استبدله بحجر
أو علقه في أي مكان
في حذائك و اسحقه
في وجهك و اسخر منه
في جيبك و فتته
بين أسنانك واقضمه
قطعة قطعة
تسلى به به
قرمشه وأنت تتابع نشرة الأخبار
نم مطمئنا لن ترف لغيابك عين
انتهز غيبوبة قلبك و غيابك و رأسك و ضميرك و أخيك و أبيك و أمك
و جارتك الأرملة
انتهز غيبوبة غيابك
واكتب قصيدة عشق بين جنازتين
وبدت الأمسية لقاء جمع صونيا وبسام مع جمهور غالبيته من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات اللبناني إلا انه مهد فعليا لبناء جسر تواصل بين أبناء الشعب الواحد وردم هوة قائمة في هذا المجال منذ زمن، لإيصال صوت اللاجئ في الشتات إلى فلسطين وإيصال صوت مبدعي فلسطين إلى أبنائها في الخارج.
يشار إلى أن صونيا خضر كاتبة وشاعرة فلسطينية أصدرت ثلاثة دواوين "لشموس خبأتها"، "لا تحب القهوة إذا" و"معطرة أمضي إليه" المترجم للغة الفرنسية، وبسام جميل كاتب وقاص فلسطيني له إصداران "دمشق واسمي" و"سيرتي المتخيلة".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر