يحتمي مارسيو بثلاث بطانيات من البرد، لكنه رغم ذلك يرتجف على الرصيف، في احد شوارع ساو باولو، المدينة التي تضم اكبر عدد من الاثرياء في البرازيل، واكبر عدد من المشردين ايضا.
على ارصفة هذه المدينة ذات العشرين مليون نسمة، يهيم ليلا 16 الف مشرد وحتى قبل حلول الشتاء الجنوبي قضى منهم ستة من البرد في شهر حزيران/يونيو الماضي.
وحدها احاديث المتطوعين في منظمة "آنج" غير الحكومية تكسر صمت هذا الليل الثقيل في وسط المدينة، التي تتحول شوارعها مع حلول الظلام الى مساكن للمشردين.
يقترب المتطوعون من النائمين على قارعة الطريق، يوقظونهم بهدوء، يقدمون لهم الطعام وبعض البطانيات.
يشكر مارسيو المتطوعين، ويتحدث بصوت كسير عن معاناة من ثلاث سنوات في الشوارع، وعن احلامه المتكسرة منذ وصوله الى باهيا قبل 18 سنة، باحثا عن مستقبل افضل.
ويقول هذا الرجل الذي تبدو عليه ملامح التعب والتقدم في السن رغم انه في الحادية والاربعين من العمر "كنت اعمل سباكا، ثم انفصلت عن زوجتي، ولم يعد بوسعي ان ابقى في المنزل نفسه".
ويضيف "حياة الشارع صعبة جدا، وخطرة. اعتدي علي مرات عدة، وسرق متاعي، واصبت بالبرد الشديد..وهنا ادمنت الكحول".
تشير الاحصاءات الرسمية الى ان عدد المشردين في ساو باولو يبلغ 15 الفا و905 اشخاص، وذلك بحسب تعداد أجري مطلع شهر حزيران/يونيو.
وحين انخفضت الحرارة الى ثلاث درجات ونصف الدرجة، في ادنى معدل لها منذ 22 عاما، قضى ستة من المشردين في خمسة عشر يوما.
وفي الوقت الذي تشدد فيه السلطات على عدم وجود اي علاقة بين درجات الحرارة المتدنية ووفاة هؤلاء المشردين، تتهم الصحافة والمشردون انفسهم حراس البلدية بانهم صادروا الامتعة التي كانت بحوزة الضحايا فقضوا بردا.
- ظروف قاسية -
اصبحت هذه القضية موضوع نقاش حاد في المدينة، ولاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في تشرين الاول/اكتوبر، مع اعلان فرناندو حداد الرئيس اليساري لبلدية المدينة تمسكه بسياسة تحول دون تحول الاماكن العامة الى مدن صفيح جديدة، بحسب قوله.
الا انه عاد وتراجع عن هذا الكلام، وطلب من حراس البلدية عدم سلب اي مشرد متاعه، علما ان معظم هؤلاء المشردين يرفضون الذهاب الى مراكز خاصة تابعة للبلدية، لكونها ذات اوقات محددة بصرامة.
في الوقت الذي يبلغ فيه النمو السكاني 0,7 % سنويا في ساو باولو منذ العام 2000، يزداد عدد المشردين في المدينة بنسبة 4,7 % كل سنة، وتتفاقم المشكلة بسبب البطالة والانكماش الاقتصادي والمخدرات وانقطاع الروابط العائلية.
يبلغ عدد الاطفال المشردين 403، اي ما يشكل 2,5 % من اجمالي المشردين.
تقول سليفيا شور استاذة الاقتصاد في جامعة ساو باولو "ظروف الحياة قاسية في ساو باولو، هناك غياب غير مقبول للعدالة الاجتماعية، تفاوت المداخيل يحرم عائلات كثيرة من الحصول على مسكن".
وتشير سيلفيا شور الى ان مليونين من سكان ساو باولو يقيمون في احياء الصفيح.
ترى كاكا فيريرا رئيسة جمعية "انج" التي تساعد المنسيين في شوارع المدينة منذ 27 عاما، ان ارصفة ساو باولو ليلا هي تعبير عن الازمة الاقتصادية التي تمر بها البرازيل.
وتقول "مع الازمة الاقتصادية، ازداد عدد المشردين بنسبة 10 %، هناك اشخاص عاطلون عن العمل، ومرضى، واشخاص لا عائلات لهم..هناك كل شيء".
تجلس مارينا على قارعة الطريق، وابنها الصغير يلعب امامها، وهي خرجت للتو من المبنى الذي توزع فيه مساعدات على المشردين.
وتقول هذه الشابة ذات التسعة عشر عاما والتي تبيع الحلوى خلال النهار "مضى شهران على وجودي هنا لاني لست قادرة على دفع الايجار، كنت اسكن مع والدتي لكن ذلك لم يعد ممكنا".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر