بقلم : محمود الرفاعي
لأننا في مرحلة تتطلب أن يقدم كل منا أقصى ما يستطيع لهذا البلد وأن يسخر كل ما يملك من ملكات لخدمته فإنني أحترم وأقدر كل قيادة سخّرت حسها السياسي والوطني قبل حسها المهني وخلقت له دوره في المهمة المكلفة بها، حتى وإن بدت تلك المهمة لا علاقة لها بالسياسة، كمهمة رئاسة أكاديمية تعليمية مثل أكاديمية الفنون التي تتولاها الدكتورة أحلام يونس أو مؤسسة فنية ثقافية كدار الأوبرا المصرية التي تتولاها الدكتور إيناس عبد الدايم وكلتاهما ضربا مثلًا رائعًا في توظيف حسهما السياسي بما يخدم الإتجاه القومي والدولي لمصر في هذه المرحلة أولًا، ثم استنهاض النشاط السياحي ثانيًا، فوجدنا رئيسة أكاديمية الفنون تخرج من رحم مهمتها التعليمية والأكاديمية البحتة فكرة تكريم رموز الفن في العالم العربي، بعد نجاح مبادرة تكريم نجم السينما الهندية إميتاب باتشان الذي منحته الدكتوراة الفخرية منذ شهر ونصف، ورأيناها منذ أيام تعود لتمنحها لثلاثة من أكبر مطربي دول الخليج، وفي نفس الحفل الذي كرمت فيه صوت مصر الفنانة الكبيرة شادية كرمت المطرب حسين الجسمي هذا المطرب المسكون بحب مصر والذي جسد المثل الحي لعلاقة العشق بين الشعبين الإماراتي والمصري، وكذلك المطرب الكويتي الكبير عبدالله الرويشد محبوب الملايين في مصر ودول الخليج، ذلك الفنان الذي وصل في تعلقه بمصر للحد الذي دفعه أن يوصي أبنائه بأن يقوموا بعد وفاته بدفنه في مصر، ثم النجم السعودي مطرب العرب المتفرد الخلوق عبادي الجوهر عاشق مصر وشعبها، وكانت لحظة رائعة تلك التي غني فيها الثلاثة مع مطربي فرقة أم كلثوم للموسيقى العربية في قاعة سيد درويش أغنية وطني حبيبي الوطن الأكبر ليكتمل المعنى وتكتمل دلالته وحلاوته.
تلك الدلالة الرائعة والسياسة الأروع كانت الدكتور إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا أيضًا قد أدركتها وقصدتها قبل خمسة أشهر حيث كرمت الملحن والموسيقار السعودي (طلال) وكرمت مشواره الفني في حفل كبير أقيم بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2014 وكان أغلب حضوره وجمهوره من النخب الدبلوماسية وكبار رجالات السياسة والثقافة والإعلام في مصر والسعودية، الذين جاءوا ليشهدوا مصر تعود لدورها القومي والريادي في احتضان القامات العربية والإحتفاء بها، وليشهدوا لها بأن التكريم حين يأتي منها يكون هو التكريم الذي مابعده تكريم والتشريف الذي مابعده تشريف، وإنها دائمًا ستظل هي أجدر وأكبر من يمنح التكريم.
وبالتوازي مع هذا المعنى تجلى علي المسرح الكبير معنى آخر تعانق فيه الإبداع المصري والإبداع السعودي حين انطلقت الفرقة الموسيقية تعزف لحن الملحن السعودي طلال وكلمات الشاعر حسين السيد وأغنية تسمع لأول مرة غنتها النجمة المصرية آمال ماهر مع النجم السعودي عبادي الجوهر، عمل أشعل حماسة وحرارة القلوب ومشهد بدا وكأنه إعلان عن مرحلة جديدة أو ربما عنوان لمرحلة جديدة سوف تشهد زواجًا فنيًا وثقافيًا بين مبدعي البلدين، وبين سعادة الحضور بهذا المشهد وذاك المعني دبت الحركة في الأوبرا وفي أروقتها ومحيطها وشاهدت الكل بعد الحفل ينتشر في المداخل والمخارج وفي الشوارع المجاورة لدار الأوبرا في وقت شحت فيه السياحة العربية وفي صورة ترجمت وأظهرت الإحساس بالأمن والأمان.