القضية التعليمية في المغرب تطرح إشكاليات وتحديات منذ السنوات الأولى للاستقلال إلى يومنا هذا، وما يؤرق الكثير من المتتبعين هو أنه رغم كل الإصلاحات المتعددة التي تمت مباشرتها يبقى المغرب في مؤخرة الدول التي لها نفس مستواه الاقتصادي أو حتى من هي أقل منه من حيث الدخل القومي أو الفردي، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أصدر رؤيته الاستراتيجية ل 2015-2030 وهو تقرير يجب الأخذ به بجدية لأنه تطرق لنقاط مهمة واستراتيجية تخص قضايا التعليم في المغرب مثل الإنصاف وتكافؤ الفرص وقضايا الجودة والارتقاء الفردي والمجتمعي والتعبئة والريادة وتدبير التغيير وهو ما يشكل نبراسًا قويمًا للعملية الإصلاحية المنشودة.
ما أريد أن أقوم به هنا ليس تقييمًا لهذا التقرير أو مناقشة له ولكن مساهمة في النقاش العام حول أربعة قضايا تهم صلب القضية التربوية في بلادنا ألا وهي: الحكامة، والجودة، والولوج والمسألة اللغوية
حكامة هي الغائب الدائم عن النقاشات السياسية والتربوية والتنظيمية الني تهم التعليم في بلادنا، ولكنها في رأيي هي المسألة المفصلية بامتياز فيما يخص العملية التعليمية والتربوية في بلادنا، السؤال الذي يجب أن نطرحه بإلحاح هو: من المسؤول؟ من المسؤول إذا لم ينجز التلميذ أو الطالب؟ من المسؤول إن كان مستوى مدرسة معينة أو قسم معين دون المستوى المطلوب في الرياضيات والقراءة والكتابة والتواصل و الكفايات الحياتية، من المسؤول إن أصبحت مدرسة معينة مرتعًا للعنف والزبونية والرشوة وتغيب الأساتذة والاكتظاظ؟ من المسؤول عن القضايا الميكروتربوية المتعلقة بظروف عمل الأساتذة وسلامتهم وتكوينهم؟
إن طرحت هذا السؤال على الفاعلين فالكل يلوم الكل ولا أحد يحدد مسؤولية كل واحد بشكل واضح: الأساتذة يلومون الآباء والتلاميذ والحكومة؛ والتلاميذ يلقون باللوم على الإدارة وطاقم التدريس؛ أما بالنسبة للآباء فالدولة والأساتذة وإدارة المدرسة هم المسؤولون؛ والإدارة تشير بالأصبع إلى المعلمين والآباء والتلاميذ والحكومة والفاعلين المحليين؛ والحكومة تقول بأن النقابات ورجال التدريس هم المسؤولون… الهروب من المسؤولية هي لازمة تميز النقاش الوطني حول المنظومة التربوية منذ عقود.
ولكني لا أقصد بالمسؤولية هنا من نلقي اللوم عليه حين لا تسير الأمور على ما يرام. المسؤولية هي من له السلطة والموارد لكي يقوم بعملية تنظيم العملية التربوية ويسهر على التدريس بطريقة تمكننا من محاسبته في آخر المطاف؛ ونقصد هنا بالمحاسبة تقييم مدى النجاح حسب مؤشرات واضحة وفي إطار توفر الوسائل اللازمة والسلطة اللازمة لإحداث التغيير المنشود لدى المتلقن.
المشكلة هي أن المعلم لدينا يحس أنه غير مسؤول لأن ظروف عمله صعبة وراتبه متردي ولا تحفيز لديه للتعبئة والتضحية؛ والمدير يحس أنه غير مسؤول لأن لا سلطة له على الأساتذة وتنقصه الموارد والتجهيزات والتواصل مع الآباء والتلاميذ يبقى منعدما إن لك نقل غير موجود. السلطات المحلية والمنتخبون لا يحسون أنهم مسؤولون لأن الأكاديميات والنيابات والوزارة يستحوذن على كل القرارات وليس هناك هامش كبير لتدخل ممثلي الدولة أو ممثلي المواطنين، الآباء لا يحسون بأية مسؤولية بل ويبقون تحت رحمة الأساتذة والإدارة وردود أفعال أبنائهم
الحكامة الجيدة تقتضي تحديد المسؤوليات بشكل واضح: علينا أن نحدد مسؤولًا واضحًا عن تنظيم القضية التربوية على المستوى المحلي على شكل لجنة محلية للتربية، منتخبة بشكل ديمقراطي من بين الآباء والمجتمع المدني والآباء ورجال ونساء التربية وممثلي السلطة والقطاع الخاص، لجان لا يتعدى عدد أعضائها عشرة ولها كل الصلاحيات القانونية والمادية لإيجاد المديرين والأساتذة ومراقبتهم ومحاسبتهم في إطار التقيد بالتوجيهات التي تحددها الأكاديميات والسلطة المركزية
هذه اللجنة مستقلة ومنتخبة في مجملها ولكنها مسؤولة أمام المواطنين والآباء والحكومة عن عملها وإنجازها. المدير مسؤول أمام هذه اللجنة عن عمله ولكن له سلطة حقيقية على الأساتذة والتلاميذ في إطار ضوابط تحددها اللجنة التربوية. الأساتذة مسؤولون أمام المدير واللجنة التربوية عن مدى إنجاز التلاميذ وتفوقهم ولكن في إطار ضمان شروط للعمل الكريم والمنتج يحفظ للأستاذ كرامته وللتلميذ سلامته البدنية والعقلية وللأباء راحة البال.
العملية التربوية هي عملية شراكة وتشارك، أطرافها هم التلاميذ وآباؤهم من جهة والإدارة من جهة أخرى والأساتذة من جهة ثالثة تحت سهر فعلي ومسؤول من طرف اللجنة التربوية التي لها صلاحيات تدبير الميزانية والموارد البشرية والعملية التربوية برمتها، المحاسبة تتم حسب مؤشرات جهوية تضعها الأكاديميات والنيابات وتتأكد منها عبر امتحانات جهوية ومحلية تنظم خصيصًا لهذه الغاية وامتحانات وطنية وكذا الامتحانات الدولية الخاصة بالرياضيات والعلوم والتواصل وغيرها.
الحكامة والمسؤولية والمحاسبة أساسية في العملية التربوية. نتحاشاها في المغرب لأنها عملية صعبة ومعقدة ولها تكلفة سياسية كبيرة؛ ولكن الجرأة تقتضي أن نعيرها الاهتمام اللازم وألا نغرق في التقنيات لأن القضية بعيدة عن أن تكون إشكالية تقنيات وطرق تدريس ومضامين وكفايات فقط. التعليم إشكالية سياسية بامتياز ويجب حلها في إطار منظومة للمسؤولية والمحاسبة واضحة، لقد تم تسييس المدرسة في السابق لأنها كانت مجالًا للتباري والاستقطاب السياسي والإيديولوجي في إطار الصراع على السلطة ولكن الحكامة هي مسألة سياسية من نوع آخر، بمعنى أنها قضية تحديد من يتحمل أية مسؤولية في إطار عملية لا مركزة سلطة القرار والتدبير مع الأخذ بعين الاعتبار التوجهات العامة للدولة والحكومة لأنها هي في الأخير ممول المنظومة وضامن سلامتها وتوافقها مع قيم وتوجهات وثوابت المجتمع
دون منظومة واضحة للحكامة لا يمكن الحديث عن الجودة، ولكن الجودة ليست هي فقط قضية كفاءات ولكن قضية ماذا ننتظر من الجيل المتلقن فيما يخص الحياة العامة والقيم الفردية والجماعية بشكل أساسي والشغل والمساهمة في الدورة الاقتصادية بشكل يأتي بعد ذلك، الكفايات الحياتية وقيم العيش في المجتمع هي الأساس والنواة. فنلندا التي تعد رائدة في مجال التربية أخذت قرارًا بتقليص التلقين داخل القسم بستين في المائة وصارت مدارسها تركز على الفنون والموسيقى والرياضة واللعب المفيد والابتكار والحكي والسرد والمسرح وإعادة تمثل التاريخ، الهدف هو تنشئة جيل متشبع بقيم الإبداع والتواصل والقيم النبيلة المتواجدة في المسرح والسينما والتاريخ والأدب والرياضة واللعب، لأن التلميذ المبدع والخلاق هو التلميذ الذي يكتسب العلوم والرياضيات بشكل أسهل ويربطها بحياته وهويته وتاريخه ونفسيته وقيمه، سنغافورة المتربعة على عرش الإنجاز فيما يخص الرياضيات والعلوم لا تعتمد منظومتها التربوية على الحفظ وعدم الفهم "كما هو الحال عندنا" ولكن على الإبداع المبكر وربط الرياضيات والعلوم بقضايا حياتية مهمة في محيط الطفل ولكن ذلك في إطار فضاء تربوي سليم يتشارك فيه المعلم والمدير والأب والأم والتلميذ في هدف واحد هو الإنجاز والتفوق والإبداع والتنافسية الخلاقة.
ماذا نريد من المتعلمين في منظومتنا؟ ماذا ننتظر منهم؟ أن يكونوا مبدعين، مبتكرين، أحرارًا، ملتزمين ومتنافسين فيما بينهم بطريقة إيجابية؟ لا يمكن لنا الوصول إلى هذا الهدف بالطرق التي نستعمل في مدارسنا المرتكزة على الحفظ والتقليد وإغراق دماغ التلميذ بالدروس والدروس الإضافية وليالي الأرق والدروس يوم الأحد وأيام العطل؛ لا هكذا نحصل على جيل همه الإبداع والإنجاز والتباري والتحصيل الذكي والعقل السليم .
الجودة ليست لا في التعليم المبكر ولا في الدروس الإضافية ولا في الحفظ الأعمى ولا في ملء وقت التلميذ بالدروس ولا في إعادة اجترار ما كتبه وما قاله الآخرون، الجودة على أساس ماذا؟ الجودة من دون ذكاء ودون قيم وكفايات حياتية ودون ربط بين الحياة من جهة والعلم والرياضيات والجغرافيا والتاريخ والأدب والفن من جهة أخرى ليست جودة وإنما تقليد أعمى وإعادة اجترار لمقولات ومفاهيم ومسائل لا يفهمها التلميذ ولا يفهم قصدها ومغزاها ومعناها
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الأساتذة مستعدون لإحداث هذه الثورة الذهنية اللازمة على مستوى إشكالية الجودة. أنا أظن أن لأساتذتنا الكفايات المطلوبة ولكن علينا تكوينهم تكوينًا مستمرًا يشرح فلسفة الجودة هذه، جودة الإبداع والكفايات الحياتية وعلاقة العلم والأدب والتاريخ بالحياة، نحتاج إلى ثورة فكرية فلسفية وتربوية لكي نصل إلى مستوى دول قطعت أشواطًا ضوئية في تحديث التعليم أمثال فنلندا وسنغافورة ونيو زيلاندا واستراليا وكندا وهولندا وسويسرا والنرويج والسويد واليابان.
يمكن للبعض أن يطرح سؤالًا مشروعًا وهو كيف بنا أن نصل إلى مستوى متقدم ونحن لا زلنا نعاني من إشكالية الولوج والاكتظاظ وتغيب المدرسين والنقل المدرسي وغياب التجهيزات والبنية التحتية، هذه إشكالية حقيقية، لكن اختياراتنا بقيت حبرًا على ورق، لم نعط لتقريب المدرسة من المتعلم حظوظ النجاح؛ ولم نعط للمدرسة الجماعاتية الموارد الكافية لكي تخرج إلى الوجود؛ ولم نحسن شروط عمل الأساتذة في المناطق النائية؛ وليست لنا سياسة واضحة فيما يخص النقل المدرسي ولا فيما يخص الداخليات ولا فيما يخص دور الطلبة، نقوم بكل شيء حسب المنطقة وضرورات تدبير الميزانية ورؤى الوزراء المتعاقبين المتباينة والمختلفة، المدارس الصغرى على مستوى الدواوير والمداشر صارت مهمة ولا يمكن التخلي عنها رغم تقلص عدد الأطفال، ولكن تدبيرها يجب أن يرجع للآباء والدواوير والجماعات بدعم من المجالس الإقليمية والجهوية والأكاديميات والوزارة، على المجموعة السكانية أن تتكفل بصيانة المدرسة وحمايتها وتوفير شروط العيش الكريم للأساتذة والمساهمة في خلق ظروف مواتية للتعلم والتدريس.
على مستوى الإعدادي والثانوي يجب دعم التوجه الذي يقتضي إيجاد مركبات متكاملة ولها موارد محترمة ولها داخليات ووسائل النقل والرياضة والإطعام والترفيه والفن يسهر على إدارتها طاقم له السلطة الكافية والمسؤولية الكافية والوسائل الكافية لكي يقوم بهمته في أحسن الظروف، دعم هذه المنشآت يجب أن تساهم فيه الجماعات والمدن والمجالس الإقليمية والجهات والدولة والقطاع الخاص في إطار التزام واضح ومسطر لا يتغير وفق التوجهات السياسية للمنتخبين أو الوزراء أو مدراء الأكاديميات أو غيرهم السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو أن جميع الدول التي ذكرتها أعلاه لا تطرح عندها إشكالية اللغة والتعدد اللغوي ما عدا سويسرا وكندا "وهما دولتان نجحتا في تجاوز هذا التعدد اللغوي بذكاء جماعي يمكن أن نستفيد منه"، المغرب يعيش وضعًا لغويًا معقدًا والنقاش حوله يبقى دائمًا له حمولة إيديولوجية وصبغة هوياتية أكثر منه نقاشًا علميًا براغماتيًا يساهم فيه اللسانيون وذوو الاختصاص
نحن نتكلم لهجات متعددة من العربية والأمازيغية ونتكلم الحسانية في الجنوب ونستعمل العربية الفصحى المعيار كلغة للإدارة والتواصل الرسمي والثقافة العالمة والقضايا الدينية ونستعمل الفرنسية في القضايا الاقتصادية والعلمية وكذلك في الإدارة ووضعنا لغة معيار للأمازيغية وهي اللغة التي يتعلمها البعض من أطفالنا في المدارس ولكن عن طريق حرف تفيناغ المختلف عن الحرف العربي والحرف اللاتينني، وضع لسني ولغوي معقد، مسيس، ومؤدلج وهو نفس الوضع الذي يجعل من لغة التدريس من أكبر الإشكاليات المطروحة على منظومتنا التربوية .
التدريس بالدارجة ما هو إلا تحصيل حاصل لأن الكثير من أساتذة الرياضيات والعلوم يستعملون الدارجة لأنها تساعد التلاميذ على الفهم؛ ولكن الإشكالية ليست فقط إشكالية فهم يعيقه دنو المعرفة اللغوية، الإشكالية في المنهج، وفي المضمون، وفي طريقة التعلم وفي ضعف الوسائل. أضف إلى هذا أن العربية الفصحى هي مصدر لمخزون معرفي هائل لا يجب التفريط فيه رغم طابعه التقليدي والعتيق في بعض الأحيان؛ وهي كذلك لغة التواصل مع اثنين وعشرين دولة ولغة القرآن والنصوص الدينية التي لها قيمة حقيقية لدى عامة الناس
لكن ما يعيق تطور الفصحى وشيوع تداولها بين الناس هو أن الكثير ممن يدرسونها يستعملون مناهج نحوية وبلاغية وعروضية عتيقة ومتجاوزة ساهمت في تنفير الكثير من الشباب وهروبهم عنها، المناهج التداولية والتواصلية غير الشكلية وغير النحوية والتي ساهمت في تطوير تعلم الكثير من اللغات لم تجد طريقها بعد إلى مواد تدريس اللغة العربية الرتيبة والعتيقة عندنا .
من جهة أخرى فإن من ينادي بالرجوع الى الفرنسية لتجاوز الإشكالية يطرح حلًا لا يعدو عن كونه مقاربة نخبوية أعطت بعض الثمار في الماضي لكنها أصبحت متجاوزة في ظل التعميم ودمقرطة الولوج إلى المدرسة العمومية، أضف إلى هذا أن لغة العلم والمعرفة "إن افترضنا جدلًا أن هناك لغة هي في كنهها وماهيتها لغة علم" ليست هي الفرنسية ولكنها الانجليزية "ناهيك عن اليابانية والماندرين"، العربية كانت لغة علم في القرون الوسطى ومن يظن أنها غير قابلة لأن تسترجع هذه المكانة لا يهتم بالتاريخ ولا بالتجارب الدولية التي جعلت من لغات مثل التركية والكورية والبولونية والماندرين لغات علم وتكنولوجيا واقتصاد وصناعة وغيرها بعدما كانت على مر العصور لغات معقدة وصعبة المنال ومتجاوزة على مستوى الأمازيغية الوضع ليس بالأحسن: اللغة المعيار التي تم وضعها لا يتكلمها أحد وهذا يعني أن شعار اللغة الأم لتقريب المعرفة والإدارة من المواطن تم تجاوزها عن طريق لغة مختبرية سعيًا في أن تصبح لغة علم ومعرفة مثلها مثل اللغات المعيار الأخرى. لقد تم تغييب هدف وظيفي ونفعي من أجل هدف هوياتي بعيد المنال. ولكن اللغة الأمازيغية المعيار هي واقع الآن لا يمكن تجاوزه كما أن تيفيناغ اختيار لا يمكن التراجع عنه الآن، ما العمل إذًا؟ ما هو الحل لإشكالية لغة التدريس؟ أنا أظن أن الحل يجب أن يكون مركبًا لكي يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات المسألة اللغوية في بلادنا. أولًا، يجب إعادة النظر في طريقة تعلم اللغة العربية الفصحى ومناهج تدريسها لتصبح في متناول الجميع ومتداولة بشكل أكثر وسهلة المنال والتركيز على التواصل والتبسيط والتوجه نحو لغة مبسطة أقرب إلى الواقع اللغوي اليومي منه إلى مجلدات التراث العربي، دعم العربية سيعطيها مكانة أكبر في المنظومة التربوية. ثانيًا، إيجاد طرق أسرع لتعلم اللغة الأمازيغية المعيار والدفع إلى استعمالها أكثر وتسهيل تعلمها ولو حتى خارج حرف تفيناغ.
ثالثًا، تشجيع استعمال الدارجة واللهجات مع اللغات المعيار في دروس محو الأمية وتدريس الرياضيات والعلوم في المدارس لتيسير التلقي والتعلم ولكن كذلك لردم الهوة بين اللهجات وبين اللغات المعيار، إيجاد مستويات تداولية بين اللهجات واللغات المعيار أساسي لتقريب اللغات من واقع المواطن المعيش. سياسة لغوية مرنة وبراغماتية تجمع بين التراث وقضايا الهوية من جهة وبين متطلبات الناس التواصلية من جهة أخرى خصوصًا في ظل تعميم القراءة والكتابة والرفع من مستوى التحصيل المعرفي هو أحسن وسيلة للوصول إلى لغات وسطى كفيلة بتجاوز الفوضى اللغوية التي نعرفها حاليًا، التجميع والتوحيد هو أحسن وسيلة لإيجاد لغات قادرة على تبليغ الحمولة العلمية والأدبية المقصودة في العملية التربوية دون التفريط في الهوية وعمق الانتماء التاريخي والثقافي يبقى مشكل متى وأين نستعمل التركيبة اللغوية دارجة-فصحى أو لهجات- أمازيغية في المنظومة التربوية ولكن هذا يجب طرحه في إطار أهداف تربوية مركزة تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المتعلم الحياتية والتواصلية وقدرته على الاستيعاب والتقليل من الضغط اللغوي لتسهيل عملية التلقين والإنجاز، كل هذا لا يعني التفريط في اللغات الأحنبية كالفرنسية والانجليزية والإسبانية ولكن يجب دعم تدريسها كلغات في مستويات عليا على مستوى الثانوي والجامعة. حرية استعمال أية لغة للتدريس في الجامعة يجب أن يكون مرتبطًا بسياسة الجامعات فيما يخص أهدافها التربوية والعلمية والأكاديمية.
قضايا الحكامة والجودة والولوج ولغة التدريس قضايا معقدة وشائكة وتتطلب جرأة سياسية وتربوية واضحة وقدرة تدبيرية عالية، ولكن إن لم نفعل ولم ننظر إلى التغيير على أنه ثورة حقيقية في التصور وفي المقاربة وفي المناهج سنبقى رهيني إصلاحات ترقيعية سرعان ما يغلب عليها الواقع التربوي في بلادنا الذي هو نتيجة تراكمات سلبية تم قبولها والعمل بها رغمًا عنا عبر عقود من سوء التدبير، علينا أن تكون لنا رؤيا واضحة ، مثل تلك التي سطرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ولكن علينا أن تكون لنا الجرأة القصوى لتبني مقاربة راديكالية إن أردنا أن نحدث تغييرًا فعليًا خلال العقدين المقبلين، التربية أساس بناء المجتمعات المنتجة والخلاقة والمتضامنة والفخورة بهويتها وثقافتها ولكن الوصول إلى منظومة تربوية في المستوى علينا أن نكون على موعد مع التاريخ: أي أن يكون عملنا قويًا ومقاربتنا جذرية بقدر قوة وزخم ونتوء حلمنا حول المستقبل، مستقبل أجيالنا، مستقبل وطننا، مستقبل تجربتنا الجماعية كشعب ودولة ووطن