مصطفى الفن
ثورية الصواف، واحدة من الصحافيات التي ارتبط اسمها بأعمال صحافية غير مسبوقة أنجزتها القناة الثانية منذ تأسيسها قبل 21 عام.
الصواف أنجزت أكبر الحوارات الصحافية في مراحل سياسية حساسة من تاريخ المغرب. وهكذا حاورت الصواف زعماء وسياسيين وشخصيات وزانة وصناع قرار في أكثر من دولة، وكانت أول صحافية مغربية يسمح لها القصر الملكي بتغطية أشغال مجلس وزاري ترأسه الراحل الحسن الثاني في الصخيرات.
وعندما بثت التلفزة المغربية تقريرًا عن هذا المجلس شوهدت ثورية الصواف على شاشة التلفزيون وهي تقف بالقرب من الراحل الحسن الثاني في حدث تلفزي نادر جدًا. وقبل أن تلتحق الصواف بالقناة الثانية، كانت قد بدأت مشوارها المهني بـ"ميدي 1" لتلتحق فيما بعد بالتلفزة المغربية في الثمانينات عندما رفع المسؤولون عن الشأن التفلزي في المغرب شعار "التلفزة تتحرك".
بعض زملاء العمل الذين اشتغلوا إلى جانب هذه الطنجاوية في تلك الفترة، لازالوا يتذكرون روحها المهنية والقتالية التي كانت تطبع كل أعمالها الصحافية. وتحكي بعض المصادر كيف أن مسؤولي التلفزيون، وقتها، لم يترددوا لحظة واحدة في إسناد مهمة تقديم نشرة إخبارية باللغة الفرنسية إلى الصواف استنادًا إلى محدد الكفاءة ولا شيء غير الكفاءة.
وكانت تلك أول مرة يشاهد فيها المغاربة وجها نسائيًا يتلو عليهم الأخبار بلغة موليير على شاشة التلفزيون دون أن تظهر على صاحبته ذرة ارتباك. وكان هذا الحدث بالنسبة إلى الصواف، حسب بعض المقربين منها، بمثابة محطة فاصلة في حياتها، لأن صورتها أصبحت مألوفة لدى كل العائلات المغربية، بل أصبحت بالنسبة إليهم رمزا للمرأة المغربية الناجحة، وربما لهذا السبب كانت بعض الفتيات يحرصن على تقليد ابنة طنجة في تسريحة شعرها الخاصة.
وإذا كان البعض يرد هذا التألق المهني للصواف إلى وجود جهات نافذة كانت وراء تعبيد الطريق أمامها، فإن الحقيقة غير ذلك على الإطلاق، ذلك أن الصواف ترد كل مظاهر النجاح في حياتها إلى الله أولا، ورضى الوالدين ثانيا، وارتباطها بالمظلومين من بسطاء الناس ثالثا، وفق ما يرويه بعض زملائها في العمل.
ويخطئ من يصنف الصواف في خانة بنات الفشوش اللواتي يتحدرن من عائلات مترفة فقط لأنها تبدو بتسريحة شعر خاصة، أو لأنها درست في البعثة الفرنسية وتتحدث لغة الفرنسيين بطلاقة. فالحقيقة هي عكس ذلك تماما، ذلك أن ثورية ليست إلا واحدة من بنات الشعب، ورأت النور وسط أسرة متواضعة جدا، فيما رب الأسرة لم يكن سوى مجرد موظف بسيط في «البريد» ضحى بكل ما يملك ليؤمن لأبنائه التسعة لقمة عيش بالحلال وتعليما جيدا يليق بمنطق العصر وروحه.
ثورية الصواف لم تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، بل شيدت مشوارها المهني، بمعاناة ودموع وسهر الليالي، اعتمادا على مؤهلات الذات وليس اعتمادا على "سياسة التزلف إلى كل الجهات"، يقول مصدر مقرب منها، قبل أن يضيف «إن المعنية بالأمر ذات حس اجتماعي عال، ولأنها كذلك فكثيرا ما شوهدت أمام بنايات المحاكم والمستشفيات والإدارات العمومية مع مرضى ونساء وأرامل ومطلقات قصد مساعدتهم على حل بعض مشاكلهم».
أعطت ثورية كل شيء طيلة هذا المشوار المهني الذي يصل إلى 30 عام من العمل المضني، وكانت واحدة من جيل الصحافيين الذين ساهموا من خلال أعمالهم الصحافية في وضع المغرب على سكة مرحلة سياسية جديدة اختتمت بالتناوب التوافقي، لكن ماذا كان جزاء ثورية بعد كل هذا العطاء؟ لا شيء، بل ذكر مصدر من القناة الثانية «أن الصواف تتعرض، في الآونة الأخيرة، إلى اضطهاد غير مسبوق بهدف إنهاء مشوارها المهني، وتهديدها في لقمة عيشها دون اعتبار لعطائها وماضيها المشرق في مهنة الصحافة».
وتوجه أصابع الاتهام في حملة اضطهاد الصواف إلى بعض النافذين في مديرية الأخبار بالقناة الثانية، رفض مصدرنا الإشارة إلى أسمائهم، فيما ذكر مصدر آخر أن هذه الحملة اتخذت أبعادا خطيرة وصلت إلى حد تشويه صورتها لدى صناع القرار في دواليب الدولة والطعن في مؤهلاتها المهنية لاستبعاد فرضية ترشيحها لأي منصب داخل بعض المؤسسات الإعلامية الرسمية. لكن المثير في هذا كله هو رد فعل الصواف على هذه الحملة الظالمة التي تتعرض لها، وهي حملة يشارك فيها حتى بعض ذوي القربى من زملائها، فقط للتقرب من الجهة الغالبة في القناة الثانية.
أما مؤدى رد الفعل هذا، فتلخصه الصواف في هذه المقولة بالدارجة المغربية الممزوجة بلكنة شمالية "أنا مظلومة ومعندي حتى حد اللي يدافع علي، لكن عندي الله..."، يقول مصدرنا. وقلة قليلة من الناس من تعرف أن الصواف، التي تتقن أيضا فن الرسم والتشكيل، رفضت دعوة لزيارة إسرائيل عرضها عليها شيمون بيريز عندما كان وزيرا للخارجية بعد أن أجرت معه حوارا صحافيا لفائدة القناة الثانية خلال زيارة له للمغرب.
وعندما تُسأَل الصواف عن سبب رفض هذه الزيارة، خاصة أن الدعوة أتت من مسؤول كبير هو الآن رئيس للدولة العبرية، فإنها تكتفي بالقول: «ما هو أهم بالنسبة إلي هو أن أزور فلسطين أولًا".