نسيج كاريل الذي لا يموت

"نسيج كاريل" الذي لا يموت

المغرب اليوم -

نسيج كاريل الذي لا يموت

بسمة العوفي

في عام 1912 قام العالم أليكسس كاريل بعمل تجربة علي طريقة نمو الخلايا وإمكانية استمرارها في الحياة خارج جسم الكائن الحي. قام باقتطاع جزء من قلب "جنين طائر" تحت ظروف معقمة و وضعه في جو ملائم وأمدّه بالدفء في المعمل وعزله عن" الميكروبات" ليرى إن كان يستطيع النمو خارج الجسد أم لا؟ فوجد الجزء الموضوع في الطبق الزجاجي المعقم به خلايا حية تأكل وتتنفس وتنقسم وتتضاعف . وأخذ الجزء المقتطع من القلب ينمو بشكل أكبر مما لو كان عليه في قلب الكائن، ولما زاد الحجم عن الطبيعي قام كاريل بشطرها إلى نصفين ووضع الجزء الجديد في محلول غذائي جديد . وأخذ يتابع نموها عام بعد عام حتى أطلق عليها العلماء “نسيج كاريل الذي لا يموت “  و قام بحساب إذا ما ترك جزء من قلب طائر ينمو علي مدار عام كامل فسيُصبح وزنه قدر وزن قرص الشمس ! . ذلك النمو المفرط للخلايا أدهش كاريل والعلماء في ذلك الوقت ، حيث اعتقد الكثير منهم أن " النسيج " بلا عقل لا يستطيع النمو خارج جسده ، وقد ثَبُتَ العكس،  فالخلايا حاملة الصفات الوراثية أكملت دورة حياتها بتفوّق ناتج عن عدم وجود عقل . فالخلايا في الجسد تنمو وفقا لمنظومة و لإشارات من المخ الذي يحدد تطورها ويمثل النظام المتحكم فيها ، لكن في عدم وجود المخ فإنها تستمر في النمو والتكاثر حتى تنعدم القدرة علي السيطرة عليها . تذكرت ما سمعته في برنامج العاشرة مساءا من  استشاري الطب النفسي د.منال عمر، صاحبة الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم علي الشبكات الاجتماعية علي مدار الأسبوع الماضي والذي تقوم فيه بتحليل العقلية المصرية بشكل رائع . حيث قالت بصوت غاضب “أنا لن أعود من الميدان إلى أن يحدث تغيير حقيقي في مصر .. السؤال اللي بسأله للي بيحكمونا : الخوف ده نواة في المخ عند البشر ، عندما يحدث اجتياح ، فالخوف يتراجع ، الخوف بيموت ، لو بتحترموا العلم هتفهموا " وأكملت " المصريين هيعيشوا مهما اتضربوا .. المصريين هيعيشوا ". دعنا نفرّق أولا بين ما يفعله الخوف وما يفعله الاجتياح . لنتخيل أن هناك شخص ما قيّد رسغيك وأنت لم تستطع المقاومة ، لكننك تتوجع ، صوت أنينك يثير مغتصبك فيزيد ربط وثاقك ، فتتوجع أكثر . ويستمر التنافس بين العُنف والألم حتى تطلق صرخة مدوّية تزلزل العالم حولك ، هنا يُكسر حاجز الخوف ، الخوف من التعبير عن الألم . ويصبح العنف لا جدوى له كسقوط المياه من مرتفع عال إلى قاع النهر ، فتتآكل قوّتها بالتدريج وتسير مع التيار . تمزيق غشاء الخوف يؤدي لتعادل القوى، وتعادلك مع خصمك يُربكه ، ويثير جنونه لاسترداد سيطرته بكل الأشكال . فينشغل هو بالحيل والأساليب التي لا تجدى ، كمحاربة دون كيشوت لطواحين الهواء ( كان دون كيشوت يحارب طواحين الهواء علي اعتبار أنها أعداء دون أن يقترب منها ويعرف حقيقتها ) وتنشغل أنت باكتشاف مناطق مضيئة أخرى تدعّم قوّتك التي تعرفت عليها أخيراً. أما الاجتياح فهو مثل موج البحر الهادئ . متفاوت مبين المدّ والجذر لكن ذلك لا يُنتقص أو يزيد من وجود البحر . حركة الأمواج تجدد من وضع المياه ، وتعيد ترتيب صفوفها وتنفّث عن حرارتها وغضبها . هدوؤها لا يعني الموت ، وثورتها لا تعني الفناء ، بل هي دورة حياة متكاملة بين الهبوط والصعود الأبدي . مع حفاظها الدائم علي الانتشار والنمو والتجديد ، كما "نسيج كاريل" . لو كان هناك اهتمام بالعلم لأدرك الحكّام تلك الحقيقة ، لو كان لديهم وقت للتأمل في الطبيعة ( بدلا من انشغالهم بالتكالب علي السلطة ) لفهموا ذلك ودعموه . لو كان لديهم ذكاء لاستغلوه في توحيد القوى بدلا من تفكيكها . لو كانت لديهم بصيرة لأدركوا أن الثورة لم ولن يتم إجهاضها بالقتل العمد والإعلام الفاسد وتغييب الوعي وإفساد الضمائر . لأن الثورة فكرة ، تطهر وتجدد بعضها . وعدوى الحرية التي امتزجت بالدماء سوف تستمر في الانتشار أحيانا بهدوء وأخري بغضب ، لكن في كل الأحوال لن يُجدي معها أي ردع أو قمع . هي خالدة حتى يشاء الخالق أن ينزع منها النبض . وهذا ما توصل إليه كاريل في بحثه ، أن كياننا فقط هو الذي لا يموت ، بينما تستمر الخلايا في استكمال الحياة .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نسيج كاريل الذي لا يموت نسيج كاريل الذي لا يموت



GMT 13:35 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 12:06 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 10:49 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 11:06 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 20:08 2023 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

فلسطين بين رمضان والفصح المجيد

GMT 10:17 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib