بقلم: محمد خالد
"قضي الأمر" وحسم الاتحاد الأفريقي لكرة القدم قراره بشأن النسخة الـ30 من كأس أفريقيا بسحبها من المغرب ومنحها لغينيا الاستوائية، مع ما يحمله هذا الاختيار من مخاطر ومغامرات غير محسوبة قد تدفع ثمنها الكرة الأفريقية بدرجة أولى.
لكن لابد من توضيح بعض النقاط المرتبطة بهذا الملف الذي شغل الدنيا والناس داخل وخارج القارة السمراء.
يجب أنَّ نعترف بأنَّ قرار المغرب تأجيل تنظيم المسابقة القارية بسبب مخاوف من فيروس إيبولا القاتل، يعدّ موقفًا شجاعًا، أيدته كل مكونات الشعب المغربي التي اعتبرت أنَّ المغامرة بحياة المواطنين واقتصاد البلد وأمنه، أمرًا غير مقبول تحت أي ظرف من الظروف ولأي سبب كان، حتى لو كان الأمر يتعلق بتنظيم تظاهرة قارية انتظرها المغاربة طويلاً وعملوا جادين على تنظيمها منذ سنوات.
والأكيد أيضًا أنَّ موقف المغرب له ما يبرِّره ومستند على تقارير من منظمة الصحة العالمية، التي تشدِّد على تفادي التجمعات الجماهيرية والتي تضمّ أفرادًا قادمين من البلدان الموبوءة، وصحيح أيضًا أنَّ موقف المغرب لقي دعمًا من مجموعة من المنظمات العالمية، لكن الحكومة والمسؤولين المغاربة ارتكبوا أخطاء استراتيجية في تعاطيهم مع هذا الملف، جعلت "كاف" يبدو في موقف قوة.
أول خطأ أنَّ الحكومة المغربية كان ينبغي ألا تتدخل في ملف يخص مؤسستين رياضيتين؛ هما الاتحادين الأفريقي والمغربي لكرة القدم؛ لأنَّ قوانين "فيفا" تشجب وترفض رفضًا باتًا تدخل السلطات في شؤون الكرة، وبالتالي كان على المسؤولين الحكوميين وفي مقدمتهم وزير الشباب والرياضة، وضع وجهة نظر الحكومة أمام الاتحاد المغربي وترك هذا الأخير، يتدبر أمره مع "كاف"، لكن العكس هو الذي حدث، فقد كان وزير الشباب والرياضة المخاطب الرسمي والأساسي للاتحاد الأفريقي.
وخطأ ثاني كان من المفروض تفاديه، هو التسرُّع في الإعلان عن طلب التأجيل، فالمنطق كان يقتضي أنَّ يفتح المسؤولون المغاربة مع نظرائهم في "كاف" باب النقاش سريًا ووديًا بشأن دواعي طلب التأجيل، قبل الخروج والإعلان عن ذلك رسميًا وبشكل مفاجئ، موقف اعتبره مسؤولو "كاف" بمثابة محاولة لـ"لي الذراع" وفرض الأمر الواقع.
وتواصلت أخطاء الجانب المغربي بالزيارة التي أجراها مسؤولون مغاربة إلى رئيس "كاف" في بيته في الكاميرون، وتمّ تسريب معلومات خاطئة عن هذه الزيارة مفادها أنَّ رئيس الاتحاد عيسى حياتو وافق على التأجيل وهو ما اعتبره هذا الأخير تصرفًا صبيانيًا زاد من تشبُّثه بقرار رفض التأجيل.
من جانب آخر، ولكي يكون فهمنا لموقف "كاف" من هذا الملف فهمًا صحيحًا يجب أنَّ ندرك أنَّ ما يروج له حياتو حاليًا من خطابات حول كون الـتأجيل غير ممكن لأنه سيسئ إلى القارة السمراء وإلى صورتها وسيكون محزنًا للشعوب الأفريقية التي تنتظر هذه التظاهرة بشغف كبير كل سنتين، هي مجرد شعارات لا علاقة لها بالواقع.
فالحقيقة أنَّ "كاف" رفض التأجيل خوفًا على مصالحه المالية وعقود الرعاية التي تربطه بمجموعة من الشركات، بمعنى أصح أنَّ موقف الكنفدرالية مرتبط بالمال لا أقل ولا أكثر، لذلك سارع إلى اختيار دولة غير جاهزة كغينيا الاستيوائية لاحتضان التظاهرة التي ستسيء ربما للقارة الأفريقية أكثر من التأجيل، على اعتبار أنَّ تنظيم بطولة من هذا الحجم تتطلب معايير خاصة ومدة كافية، لاسيما إذا علمنا أنَّ غينيا الاستيوائية عانت كثيرًا خلال تنظيمها كأس أفريقيا سنة 2012 مناصفة مع الغابون.
"برغماتية كاف" ستدفع ثمنها الكرة الأفريقية غاليًا، ولا يسعني قبل أنَّ أختم سوى أنَّ أذكر بموقف الهيئة القارية من منتخب طوغو في دورة 2010، حين هدَّدت الاتحاد الطوغولي بغرامات مالية ثقيلة حال انسحاب منتخبها من التظاهرة متناسية مشاعر وأحاسيس لاعبي هذا المنتخب الذي تعرَّض لاعبوه لإطلاق نار تسبَّب في سقوط قتلى وجرحى في صفوف.
فكيف لمؤسسة تفكر بهذه الطريقة أنَّ تساهم في تنمية الكرة الأفريقية؟!!