عبد اللطيف المتوكل
ذهب 49 رياضيا ورياضية إلى الألعاب الأولمبية الحادية والثلاثين، لتمثيل المغرب أحسن تمثيل، وهؤلاء الرياضيون ينشطون في 13 جامعة، أي في 13 نوعا رياضيا، القاسم المشترك بينها، أنها كلها أنواع رياضية فردية بامتياز!!. لكن رياضيا واحدا من هذه المجموعة "الصغيرة"، تمكن من الصعود إلى منصة التتويج، وهو الملاكم محمد ربيعي صاحب برونزية وزن 69 كلغ، رغم أن الآمال كانت معقودة عليه ليجعل النشيد الوطني يصدح في سماء أولمبياد "ريو"، لأول مرة، وذلك منذ آخر تتويج بالذهب للرياضة المغربية في أولمبياد أثينا 2004. الآمال كانت معقودة على ربيعي لأنه حامل للقب بطل العالم، ولأن الذين يدخلون إلى الألعاب الأولمبية حاملين هذه الصفة، نادرا ما يسقطون أو يتعثرون في طريقهم نحو المجد الأولمبي!. لماذا لم يتمكن الآخرون من نيل ولو ميدالية برونزية، وهل ذهبوا إلى "ريو" ليترجموا على أرض الواقع المقولة الشهيرة لأحد كبار الأساقفة الأمريكيين، على هامش أولمبياد 1908 بلندن: "المشاركة أهم من الفوز". نستطيع أن نقول بأنه لم يكن بالإمكان أحسن مما كان، في غياب الاختيارات الصحيحة والجادة، وفي غياب مخطط شامل وطموح وواقعي، يتأسس على قواعد الحكامة والتكوين والتنافسية والعمل الميداني. ما الذي كان من الممكن أن ننتظره من الرياضة المغربية، وهي التي ذهبت إلى "ريو" بدون أفق، وبدون توقعات وأرقام بخصوص النتائج الممكن تحقيقها هناك. ما الذي يمكن أن ننتظره من مشاركة تعول فقط على عنصر المفاجأة، وعلى "هبة من السماء"، وكأن السماء تمطر ذهبا وفضة، وليس على آليات وضوابط التخطيط والتصميم وحسن الإعداد والتحضير. بعد المشاركة الباهتة والكارثية في دورة "لندن 2012"، أكدنا بأن ناقوس الخطر دق بحدة ورفع من صوته ورنينه المخيف، وقلنا إن الرياضة المغربية المريضة ستتحول مشاركتها في الأولمبياد إلى مجرد حضور شكلي، تنطبق عليه بشكل دائم تلك المقولة الشهيرة والعجيبة: "المشاركة أهم من الفوز"، والتي يمكن أن تنطبق على بلدان حديثة العهد بالمشاركة في الألعاب الأولمبية. عندما عادت رياضتنا المريضة بميدالية نحاسية يتيمة من لندن، كان المفروض من المسؤولين الحكوميين والرياضيين، أن يستفيقوا وأن يخاطبوا الرأي العام الرياضي الوطني بخطاب الصراحة والمكاشفة، وأن يقدم من يمتلك شجاعة ذلك، استقالته اعترافا بعدم قدرته على تحقيق أي شيء إيجابي للرياضة الوطنية، رغم كل الإمكانيات والمؤهلات المتاحة، وأن يكون هناك تحرك في العمق، يقطع مع عقلية المحاباة والتمييز في التعامل مع الجامعات، وأن يكون المعيار الوحيد في التعامل هو المناصفة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومراعاة حسن الاختيار والتوجيه، وإعطاء الأولوية للمنافسات والبطولات الوطنية وتدعيم الجمعيات الرياضية، وتوفير كل السبل والإمكانيات للأنواع الرياضية المهمشة، والتي تعيش على "فتات المال العمومي"، والمراهنة على الجمعيات الرياضية باعتبارها النواة والمنطلق الأساسي لكل إصلاح وتطوير. البطل الأولمبي لا يستورد، وإنما يصنع، عبر سنوات من العمل والتتبع والمصاحبة والمراقبة، والبطل الذي لا يتنافس على أرض الوطن، ولا ينشط على أرض الوطن مع أقرانه، ويخضع لنظام تدريب وتأطير علمي ومنتظم، ولا يستفيد من دورات في التكوين والاحتكاك من خلال تجمعات تدريبية في الخارج، لا يمكن أن يصبح جاهزا ومؤهلا للتنافس على الميدالية في الألعاب. والطامة الكبرى أن جامعات فاشلة ومفلسة، وجدت في بعض رياضيي "المهجر" فرصة للتغطية على عجزها وفشلها الذريع في تطوير واقع الممارسة، ورعاية الرياضيين الصاعدين والموهوبين، وسعت إلى أن تجعل منهم تلك الشجرة التي تخفي غابة الواقع المرير. من المسؤول عن هذه الأزمة أو بصحيح العبارة "الحصلة"، وإلى أين تمضي الرياضة الوطنية اليوم، وهل الأزمة مرتبطة بالمال أم بسوء التسيير والإدارة؟؟؟!. المسؤولية هي بالدرجة الأولى، مسؤولية الحكومة التي رفعت "الراية البيضاء" وأكدت منذ مجيئها أنها لا تملك أفكارا ولا مخططا للنهوض بالرياضة الوطنية، وفضلت أن تتفرج وتترك الحبل على الغارب، في انتظار الذي يأتي ولا يأتي. وفي غياب مخطط وطني للنهوض بالرياضة، وسيادة سوء التسيير وضعف الأجهزة والمؤسسات الرياضية، تصبح المكتسبات مهددة، وتشرع الأبواب أمام التراجعات والخيبات والنكسات. الأزمة ستستفحل أكثر فأكثر، مادام التخطيط منعدما، وحسن الاختيار عملة مفقودة، ومادام العمل الميداني مهملا ورديئا. الجامعات ليس دورها محصورا في أن تهيء الرياضي من المستوى العالي بتنسيق مع الوزارة "الوصية" واللجنة الوطنية الأولمبية، وإنما أن تطرح المشكلات الحقيقية، وأن تتقدم بمبادرات وتسجل مواقف حقيقية وصادقة، وأن تفتح الباب أمام العناصر الشابة والموهوبة، وأن تختار مدربين أكفاء ومقتدرين ونزهاء. ومادام هذا الحس من المسؤولية مفتقدا، فإن الرياضة المغربية ستستمر في الحضور بالأولمبياد تحت شعار: "المشاركة أهم من الفوز"!. كلمات دلالية المشاركة أهم من الفوز