في الوقت الذي كانت فيه جماهير "الرجاء" منشغلة بفرحة إحراز الفريق للقب كأس "الكاف"، وعودته إلى دائرة التتويج القاري بعد غياب دام 15 سنة، فاجأ المكتب المسير للفريق الجميع ببلاغ يحمل توقيع الرئيس جواد الزيات وكاتبه العام أنيس محفوظ، يطالب كلا من منصف أبيض وعابيد العراقي وسعيد حسبان ونور الدين بلعوباد، بإعادة مبلغ 150 مليون سنتيم الذي توصّل به الفريق كجزء من صفقة انتقال لاعبه جواد اليميق إلى جنوة الإيطالي.
من يقرأ البلاغ للوهلة الأولى سيعتقد أن هذا الرباعي قد وضع اليد على هذا المبلغ وقام باختلاسه والتصرف فيه بسوء نية، علمًا أنه يستحيل إجرائيًا وقانونيًا أن يضع هذا الرباعي مجتمعا اليد على هذا المبلغ، لسبب بسيط هو أن سعيد حسبان ونور الدين بلعوباد شغلًا سابقًا على التوالي منصب رئيس وأمين مال للمجلس الإداري، بينما يترأس منصف أبيض المجلس الإداري الحالي ويقوم عابيد العراقي بمهمة أمين للمال، ولسبب آخر هو أن المبلغ يوجد في الحساب البنكي الثاني التابع للمجلس الإداري..
لكن تعالوا نُرتّب تفاصيل الحكاية لنفهم حقيقة ما وقع، ثم لنعرف هل يتعلق الأمر برد فعل عادي من المكتب المسير للرجاء أم بخلط متعمد للأوراق، أم بسوء تواصل بين مسؤولي "الرجاء: أدى إلى تفجير هذه القنبلة؟
لقد سبق لإدارة الرجاء أن راسلت الاتحاد الدولي "فيفا" من أجل الحصول على المقابل المالي لانتقال المدافع جواد اليميق إلى "جنوة" الإيطالي، لكن الفريق الإيطالي أكد بإلحاح أنه ضخ في مالية الرجاء مبلغ 150 ألف دولار.
لم يظهر للمبلغ أثر في الحساب البنكي للرجاء، الأمر الذي دفع إدارة جنوة إلى الكشف في مراسلة لها عن رقم الحساب الذي تم فيه ضخ الملعب.
و ظل المهدي البلغيتي أمين مال الرجاء على تواصل مع عابيد العراقي أمين مال المجلس الإداري، حيث أشعره بضرورة الإسراع بتحويل المبلغ لفائدة فرع كرة القدم، لكن عابيد العراقي أخبره أن رقم الحساب البنكي الذي يتصرف فيه المجلس الإداري لم يتوصل بأي مبلغ، قبل أن يتبين بعد بحث معمق أن الأمر يتعلق بحساب بنكي ثان كان قد فتح في عهد الرئيس السابق سعيد حسبان ويتوصل بكشوفاته في عنوان منزله الشخصي، وهو الحساب الذي فتح آنذاك من أجل الالتفاف على الحجز على مالية الرجاء.
سارع عابيد العراقي بتنسيق مع المكتب المسير للرجاء بخاصة أمينه المال المهدي البلغيثي إلى الاتصال بالمؤسسة البنكية التي تتوفر على رقم الحساب الذي تم فيه ضخ مبلغ 150 ألف دولار، بيد أنهما سيصطدمان بمطالبة إدارة البنك بوصل الإيداع النهائي للمجلس الإداري وليس الوصل المؤقت.
عاد العراقي ليخبر البلغيثي بهذا المستجد، ويواصل مسطرة الحصول على وصل الإيداع النهائي، كما تكشف ذلك وثائق حصلنا عليها، إذ كان مقررا حسم الملف بعد نهائي "الكان".
ظلت الأمور تسير في اتجاهها العادي، قبل أن يفاجئ جواد الزيات الجميع برسالة تتضمن اتهامات مباشرة لكل من منصف أبيض وعابيد العراقي وسعيد حسبان ونور الدين بلعوباد، وهي الرسالة التي تم الكشف عنها مباشرة بعد تتويج الرجاء بلقب "الكاف".
من الواضح أن ما حدث في هذا الملف فيه الكثير من سوء الفهم.
هنا تبرز مجموعة من الأسئلة الملحة، لماذا أصر الزيات في رسالته النارية على توجيه أصابع الاتهام إلى أربعة مسيرين دفعة واحدة، مع أنه يعلم بشكل يقيني أنه يستحيل على هذا الرباعي مجتمعا أن يضع اليد على المبلغ، بما أن هناك مساطر وإجراءات لا يمكن القيام بها، وإلا فإن الأمر سيتحول إلى اختلاس يعاقب عليها القانون بأقصى العقوبات.
لماذا طالب الزيات هذا الرباعي بإعادة المبلغ وهو يعلم أن المبلغ يوجد في الحساب البنكي التابع للمجلس الإداري الذي كان يرأسه سعيد حسبان، والذي لم يكن المجلس الإداري الحالي على علم به؟
ولماذا لم يذكر الزيات كل التفاصيل الموثقة في محادثات عبر "واتساب" بين المهدي البلغيتي أمين مال الرجاء وعابيد العراقي أمين مال المجلس الإداري؟
لماذا قفز على هذه التفاصيل وتوقف فقط عند المعطيات التي توحي بسرقة المبلغ المالي أو اختلاسه؟,وهل من المقبول ألا يكون هناك تواصل بين أبناء الرجاء لمعرفة مآل المبلغ بحكمة وهدوء ووقار بدل هذه الضجة التي وضعت البيض كله في سلة واحدة، ووجهت الاتهام وشهرت بأشخاص لا ناقة لهم ولا جمل في هذه القضية.
وألا يعرف من صاغ هذا البيان، أن كل شخص ورد اسمه وأثبت أنه غير معني بالملف يمكن أن يقاضي صاحب البلاغ بتهمة التشهير والإساءة للسمعة؟
أما السؤال الأهم، فإذا كان الزيات ومعه أمينه المال متيقنان من أن هذا الرباعي وضع اليد على مبلغ 150 ألف دولار فلماذا لم يضع شكوى لدى القضاء ليفتح تحقيقا في الملف، أم أن الرسالة للاستهلاك الإعلامي فقط وإحداث ضجة قد تكون مُفتعلة.
أخشى أن يتحوّل الزيات الذي قاد الفريق في الفترة السابقة بهدوء إلى رهينة في أيدي بعض الأشخاص، وإلى أداة لتصفية الحسابات.
لقد قاد الهدوء الرجاء إلى تتويج قاري، أما الفوضى فقد أعادته إلى الوراء، وربما لو استمر الوضع ما كان للزيات أن يصبح رئيسًا وما كان لمن يوصفون بـ"الحكماء" أن يعودوا إلى دفة التسيير، فهل هناك من يستوعب الدروس، ويفهم جيدًا المثل الشهير:" أكلت يوم أكل الثور الأبيض".