بقلم- عبد اللطيف المتوكل
يقال: "عندما تسقط البقرة تكثر السكاكين".
وهذا ما ينطبق على حالة المنتخب المغربي لكرة القدم بعد سقوطه المدوي والمؤلم في دور ثمن نهاية كأس إفريقيا للأمم في دورتها ال32 أمام نظيره البنيني، عن طريق ضربات الجزاء الترجيحية.
كثر "الخبراء" في القراءة والتحليل، وفي الخروج عن النص وجادة الصواب، وفي الترويج لخطاب التغليط والتمويه بناء على حسابات مائعة وماكرة.
لكن عندما يكون من ضمن هؤلاء، من تفرض عليهم مسؤولياتهم ومواقعهم داخل مؤسسات دستورية وحكومية، أن يرقوا باللغة والخطاب في التحليل الجيد والنافذ لعمق الأشياء، والنقد الرصين، وأن يبتعدوا عن التناول السطحي والعقيم و"البهلواني" والاسفاف في الكلام، فعلى حاضر ومستقبل الرياضة الوطنية السلام!.
السقوط والفشل في استحقاق رياضي قاري أو دولي أو أولمبي، لا يجب أن يتحول لدى أي مسؤول برلماني أو حكومي إلى لحظة مناسباتية عابرة لتذكر أحوال كرة القدم، والإسهاب في الحديث عن النتيجة وأداء اللاعبين وأحوالهم النفسية والمعنوية وأحوال الطقس، والحظ العاثر، والبحث عن مبررات للخسارة والانتكاسة.
هذا ليس من اختصاص الفاعل الحكومي والبرلماني على الإطلاق.
فالإهتمام "المناسباتي" والعابر بالرياضة من قبل من يحملون صفة التمثيلية الحكومية والبرلمانية، هو جزء لا يتجزأ من الأزمة التي تتخبط فيها الرياضة الوطنية.
إذ لا يكفي أن يتم توفير اعتمادات مالية ضخمة من الدولة المغربية لتطوير وتنمية كرة القدم، لنتوهم أن نتائج المنتخب الأول ستصبح بهية وبراقة وستمنحنا الألقاب، ويتحول معها المنتخب إلى رقم ثقيل ووازن على الساحة الإفريقية.
فالإصلاح والبناء يمر عبر إعطاء الأولوية للتشريع الرياضي، والتقيد بالقوانين والأنظمة، والتصدي لمن يعبثون بها عن طريق التأويل الفاسد والتطبيق الهدام، ولإرساء توجهات ومقاربات طموحة لتطوير الجمعيات الرياضية والرقي بها نحو درجات عالية من التسيير والتدببر، ومنحها ما تستحق من الدعم والمؤازرة لتربح منشآت ومرافق رياضية واجتماعية وتربوية كفيلة بالتجاوب مع تطلعات وانتظارات الشباب الشغوف بممارسة الرياضة، ولتكون فضاءات مفتوحة أمام الكفاءات والطاقات، ومدارس في تجديد نخب التسيير، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة كل أشكال الفساد والتسلط والاستبداد والريع الرياضي.
لماذا لا تضج الساحة الإعلامية والسياسية بأي صخب، عندما يتعلق الأمر بأنواع رياضية أخرى جماعية أو فردية، تفشل في التأهل إلى كأس العالم أو توقع على مشاركات مخيبة في استحقاقات إفريقية أو عربية.
ولماذا لا يتحرك الفاعل الحكومي والبرلماني بطريقة جادة ومنتظمة، ويفتح ملفات جامعات تحولت إلى "دكاكين رياضية"، لمعرفة أسباب خمولها وجمودها، وإلى متى ستبقى غالبيتها تعامل بشكل سيء، وتخضع وحدها للتمييز والحجر و"الوصاية" والتدخل في شؤونها الداخلية، وتكون عرضة لإغلاق صنابير الدعم المالي عنها، وتصطدم بالتسويف والمماطلة في الاستجابة لحاجياتها ومتطلباتها الضرورية، ويكف عن انتظار الذي يأتي أولا يأتي ليتذكر شيئا اسمه الرياضة!.
سقطة منتخب كرة القدم في ال"كان"، هي عنوان للفشل في تدبير صحيح وواقعي وعقلاني لعقود من الزمن، لم يتم خلالها امتلاك الشجاعة لممارسة النقد الذاتي، وسن استراتيجية فعلية للنهوض بكرة القدم وجعلها عمادا لتنمية رياضية واعدة ومنتجة ومربية على قيم العطاء ونكران الذات والاستقامة والتسامح والتضامن.
ضاع الكثير من الجهد والمال الوفير والثمين في مقاربات كارثية لم تجعل من البطولة الوطنية بمختلف أصنافها ومستوياتها نواة للبناء والتطوير، وقاعدة خلفية وأساسية للمنتخبات الوطنية، بل حولتها إلى منافسات للتسلية وكسر روتين الحياة اليومية للمجتمع!.
هناك من يريد أن يستغل أي بارقة أمل أو إنجاز ليستمر في العبث بالقوانين المنظمة للرياضة، وفي التعامل معها حسب أهوائه وميولاته ورغباته، غير عابئ بالمصائب التي يتسبب فيها لباقي مكونات المشهد الرياضي الوطني.
وهذا هو السر في الانهيار الذي أصاب البعض جراء السقوط المحزن والمخزي في كأس إفريقيا للأمم 2019!.
إنها الحقيقة المرة، التي على الفاعل الحكومي والبرلماني الراشد أن يفطن إليها، كضمير حي ويقظ للجهازين التشريعي والتنفيذي، ولذلك من المفيد جدا لحاضر ومستقبل الرياضة الوطنية أن تضج الساحة الإعلامية والسياسية بنقاش عميق ورفيع المستوى حول ما يجب فعله لترسيخ قيم المنهجية الديمقراطية في بناء صرح الرياضة الوطنية، بدءا من الجمعية (النادي) والعصب الهوية، مرورا بالجامعات وانتهاء باللجنة الوطنية الأولمبية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع الأسس والاختيارات الثابتة والحكيمة في تنظيم وتطوير الرياضة، وربح مؤسسات رياضية قوية، تقدر واجباتها ومسؤولياتها، وأن يكون الاهتمام بالمواهب المحلية الصاعدة، ورعايتها وتحفيزها وحمايتها، محورا أساسيا في كل مخطط طموح وجاد.
بهذا المستوى من النضج والشجاعة يستطيع الفاعل الحكومي والبرلماني أن يسمي الأشياء بمسمياتها، وأن يطرح الاشكالات الحقيقية، وهو يدق ناقوس الخطر حول المستقبل المظلم للرياضة الوطنية في غياب أندية نموذجية متعددة الأنشطة الرياضية.
ترفعوا عن الخوض في الأمور السطحية والتافهة أو إن صح التعبير المضحكات - المبكيات.
وكونوا متيقنين أن العبث، الذي هو عنوان المرحلة، يقود بالفعل إلى "التقواس"!!