بقلم: سفيان أندجار
ناداني أشرف محمود أنا ومحاميد، وقال إن هناك امراة مغربية وزوجها يودان أن يلتقيان بنا، فلم نتردد ولو للحظة في تلبية ندائهما. كانت سكينة شابة تزوجت حديثا في مصر من أحمد شاهين، كانا «كوبلا» رائعا جدا، رحبا بنا كثيرا، وبدون مقدمات انخرطنا في الحديث عن المغرب ومصر والثقافة المشابهة بين البلدين الشقيقين. كان زوج سكينة رائعا بكل المقاييس، لمسنا التناغم القوي الحاصل بينهما، بل ما كان يعجبني في شاهين أنه ملم بالمغرب ومدنه وأحيائه وشوارعه وأزقته، حتى أنه كان يمازح زوجته بالقول: «أنا بعرف المغرب أحسن منك».
مع توالي الأيام كنا نجلس نحن الأربعة ونتجاذب أطراف الحديث، كما أنني كنت أنجز تحقيقا حول الزواج المختلط بين المغرب ومصر، سردت علي سكينة عددا من الحالات التي عايشتها، وكانت بعضها صادمة وأخرى مفرحة.
سكينة وشاهين من الزيجات الناجحة «اللهم بارك فيهما»، نشيطين لدرجة أننا كنا نعتقد أنه لا توجد أسرار بينهما، بحكم أن حديثهما كان تلقائيا وعفويا بشكل كبير.
كانت سكينة تسبق سنها كثيرا رغم أنها في مقتبل العمر، إلا أن تصرفاتها توحي لك أنك أمام سيدة ناضحة عركتها الأيام وجعلتها صاحبة قرار بامتياز، كما أن لديها حدسا قويا يمكنها من اكتشاف نوايا الآخرين بشكل سريع، ولا تحب المجاملة، إذ لا تستحي أن تظهر لك تبرمها منك دون حرج. وتمتلك سكينة صوتا غنائيا رائعا يأسر الآذان وأذنا موسيقية بامتياز، حتى أنه حين كنا نتحدث عن الألوان الغنائية، كانت سباقة دائما لإتحافنا بنوتات جميلة من الطرب الأصيل.
في المقابل كان شاهين رجلا صارما وحريصا، إنه أشبه بـ«باشا»، كان حديثه شائقا بامتياز يحب «يتريق» في بعض الأحيان، لكن سرعان ما يعود إلى حديثه الجاد.
كان دليلنا السياحي دون أن يشعر هو بذلك، خصوصا عندما يتحدث عن بعض الأماكن في مصر، ويسرد لنا تسلسلها التاريخي والشخصيات البارزة في عالم السياسة والفن والتي اتخذت من هذه الأماكن بدايات لها، كان يرويها بنوع من الاستمتاع، وهو فخور بحضارة بلده وعراقتها.
استمرت العلاقة بيننا (سكينة وشاهين من جهة وأنا وماحميد من جهة أخرى) حتى بعد نهاية أشغال المؤتمر، فقد قضينا يوما رائعا نحن الأربعة. فبعد زيارتنا أنا وماحيمد إلى منطقة الأهرامات وعودتنا إلى الفندق، الذي لعب شاهين دورا كبيرا في حجزه لنا (نشكره على ذلك) اصطحبنا الأخير إلى مجموعة من الأماكن الجميلة في قاهرة المعز، بداية بمطعم جيد أكلنا فيه ما لذ وطاب من المأكولات المصرية اللذيذة، خصوصا «الحمام المحشي» و«مشكل»، ليصطحبنا بعدها إلى مقهى «الفيشاوي»، ثم إلى «مركز تجاري» تم تشييده حديثا على أطراف القاهرة.
أتذكر حوارا طريفا دار بين شاهين وسكينة، ونحن نتناول العشاء، حينما قالت الأخيرة لشريك حياتها إن الطعام المغربي ألذ من المصري، ورد عليها شاهين بأن الطبخ المصري ألذ من المغربي، وبعدما احتدم الجدال بينهما، فطن أحمد إلى أن الأمر يمكن أن يتحول إلى خلاف، وأنقذ الموقف بقوله إن الطعام الذي تطبخه زوجته يبقى الأجمل والأحلى كيفما كان نوعه، قبل أن تعيد له سكينة «الكرة على الطاير» بقولها: «يكون أحلى ما دام زوجي هو من يأكله، لينهيا جدالهما بابتسامة»، في حين كان تركيزي أنا ومحاميد منصبا فقط على «الحمام المحشي»، والذي تعذر علينا أكله بالسكين والشوكة، لنشمر عن سواعدنا وننزل بمخالبنا على «الحمامة»، ونقول بفم ممتلئ: «إييييه على الرومانسية دي عا الحمامة الجامد دا».