بقلم - بدر الدين الإدريسي
باعد بيني وبين الكثير من السفريات الكروية الوطنية التي أثمرت إنجازات قارية، بها اغتنى تاريخ كرة القدم الوطنية، ردح من الزمن، فقد حال بيني وبين التواجد في مدائن الفرح على الأقل في العشرية الأخيرة، أمران إثنان، أولهما إلتزام بالبقاء في مطبخ الجريدة، وثانيهما تمكين الجيل الجديد من الإعلاميين الذين آوتهم خيمتنا «المنتخب»، من فرص التحليق إلى بؤر التباري خارج المغرب، ليكتسبوا ما تحتاجه المهنة في العادة، من خبرة ميدانية بخاصة عندما يتعلق الأمر بالسفريات إلى الأحراش الإفريقية.
ومكنتني الإستجابة، لدعوة كريمة وجهتها لي لجنة المشاريع والإرث بقطر، من حضور مباراة السوبر الإفريقي بين الرجاء البيضاوي والترجي الرياضي التونسي، على الأقل لأكسر هذا الغياب اللاإرادي عن الكثير من النزالات الكروية الحاسمة التي دعت الكرة المغربية من خلال منتخباتها وأنديتها إلى كتابة التاريخ.
طبعا لم يكن الهدف من هاته الزيارة هو متابعة السوبر الإفريقي، الذي عرض الإتحاد القطري لكرة القدم تنظيمه في إطار سلسلة الأحداث الكروية المبرمجة، لتحضير قطر لاستضافة كأس العالم بعد ثلاث سنوات من الآن، ولكن كان مبرمجا في الأصل أن نواصل رحلة الإنبهار في رصد ما يتحقق على الأرض من منجزات عملاقة، من ملاعب بهندسة رائعة وبتصميمات مستوحاة من إرثنا العربي المؤسس لأرفع الحضارات الإنسانية ومن مرافق فندقية وطرقية وبنيوية بمعايير عالية الدقة ومواصفات بالغة الجمالية.
كانت لنا زيارة ميدانية لورش بناء ملعب الريان الجديد، والذي قام على أنقاض الملعب السابق الذي كان يحتضن مباريات الريان أعرق الأندية بقطر، كما كانت لنا زيارة استكشافية لمتحف صممته بكل إتقان لجنة المشاريع والإرث بقطر في برج البدع بالدوحة، وهو يروي بالصور تاريخ كرة القدم القطرية، ويحكي بتفصيل الرحلة التي بدأت قبل تسعة أعوام، رحلة ميلاد حلم تنظيم قطر لكأس العالم، كأول دولة عربية وشرق أوسطية وخليجية تنعم بهذه الذرة الجميلة.
وطبعا توجت هذه الزيارة التي لم يترك كالعادة أي شيء فيها للصدفة، بمشاهدتنا لمباراة السوبر الإفريقي، وهي تقام لأول مرة خارج القارة الإفريقية، مباراة اختار لها الإتحاد القطري لكرة القدم ملعب الغرافة، الذي يشهد على مواسم بطولية للنجم المغربي عثمان العساس، ووظف لها ما له من خبرة تنظيمية، ليخرجها بالشكل الذي لا يختلف إثنان، على دقته وسلاسته وروعته.
ولأن المدعوين بالمناسبة، زملاء إعلاميون من جنسيات عربية مختلفة، فما استهلكناه كحديث على هامش كل تلك الزيارات، هو عن حظوظ الترجي والرجاء لإحراز السوبر الإفريقي، وللأمانة فقد وجدت أن غالبية الزملاء رجحوا كفة الترجي التونسي، لجاهزيته أولا ولمرحلة الشك التي دخلها الرجاء ثانيا بعد خروجه المثير للجدل من مسابقتي كأس زايد للأندية الأبطال وكأس الكونفدرالية.
هذه الصورة النمطية المتداولة، والتي لا علاقة لها بالانجذاب العاطفي، ما دام أن للرجاء عشقا مساحته شاسعة ومترامية عند كثير من زملائي الإعلاميين الرياضيين العرب، ستتغير تماما، لتنقلب انبهارا وإعجابا بالرجاء، ليس فقط لأنه قلب التوقعات رأسا على عقب، ولكن أيضا لأنه قدم مباراة بطولية تفوق فيها بالطول والعرض على الترجي الرياضي التونسي.
وكان مصدر فخر لي ولكل الزملاء الإعلاميين الرياضيين المغاربة الذين واكبوا المباراة ووقفوا على حقيقة أنطولوجية الرجاء ومعدنه النفيس، أن نتقبل التهانئ من زملائنا العرب مقرونة بالإعتذار على أنهم ربما باعوا جلد النسور الخضر قبل أن يقتلوها، ولأنهم أدركوا مثل لاعبي الترجي التونسي، أن لهذه النسور أجنحة أسطورية لا ترى بالعين المجردة.
شكرا للرجاء، فقد رفعت لنا الرأس، وملأتنا فخرا ووضعت على صدورنا مزيدا من نياشين الإعتزاز بمغربيتنا.