بقلم: بدر الدين الإدريسي
ما كان متوقعا على الإطلاق أن يصاب هيرفي رونار المدرب والناخب الوطني، بمس من الجنون، أو حتى بنوبة هذيان بعد الذي تداعى من خلاصات مؤلمة ومخرجات فنية مرعبة من مواجهة المنتخب المغربي لنظيره القمري برسم ثالث ورابع جولات تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2019، فمع الشجاعة التي أبداها رونار في تحمل مسؤولية التراجع الرهيب لمؤدى الفريق الوطني، بخاصة في مباراة الذهاب هنا بالدار البيضاء أمام منتخب جزر القمر، ومع ما يفترض أن يكون قد فعله الثعلب بنفسه، وهو يمارس عليها نقدا ذاتيا قويا ومبرحا، أبدا لم يكن متوقعا ولا محدوسا، أن يفعل رونار شيئا آخر غير الإنصات لصوت العقل.
وصوت العقل، يقول بأن المقاربة العاطفية في وضع الإختيارات وحتى في نسج التشكيل البشري لمباريات لا يلعب فيها الفريق الوطني فقط ورقة الترشح لنهائيات «الكان»، ولكن يتعداها إلى ما هو أبعد وأقوى، الحفاظ على النسق التصاعدي للأداء والتطور المضطرد لمنظومة اللعب وزيادة جرعات الثقة لدى المجموعة الوطنية وكل المحيطين بها، لا يمكن أن تتجاوز مداها أو أن تتقدم على المقاربات التقنية والتكتيكية، لذلك كله جاءت لائحة الفريق الوطني التي كشف عنها هيرفي رونار لمباراتي الكامرون هنا بالدار البيضاء برسم الجولة الخامسة لتصفيات «الكان» وهناك بتونس حيث يستعيد الأسود وديا، الذكريات النوسطالجية مع نسور قرطاج، مستجيبة للمعايير الموضوعية التي يجب أن تتحكم عادة في ضبط اللائحة، برغم أن هذه اللائحة لم تسقط لا بوصوفة المعطل ولا نبيل درار الذي يتواصل خصامه مع الهولندي كوكو مدرب فينرباتشي التركي.
كان لزاما أن يحسم رونار في مسالة عودة الكابيتانو المهدي بنعطية للفريق الوطني، بعد أن غاب عن المباريات الأربع الأخيرة، أن يقفز بالعمد على المدة التي حددها في حواره مع «المنتخب»، عندما ربط حسم عودة العميد بنهاية السنة، فقد إستجد على مستوى بنية متوسط دفاع الأسود، ما يفرض فعلا القطع في هذه الحالة، وفي وضع إسم بنعطية في اللائحة الجديدة، ما يؤكد أولا بأن الكابيتانو لم يقرر الإعتزال دوليا كما روجت لذلك وسائل إعلام فرنسية، بشكل يفضح حربها الباردة مع بنعطية، وما يبرر ثانيا حاجة رونار إلى قائد لهذا الفريق، في غياب بوصوفة الكاريزماتي والمتأثر بالتدبير السيء لمرحلة ما بعد اللعب لنادي الجزيرة الإماراتي، وبخاصة لما إنهار مشروع اللعب لنادي الهلال السعودي، وحاجته لمن يضمن الإستقرار لمنطقة لعب، تأثرت بشكل سلبي بغياب بنعطية وبإصابة داكوستا، ما جعل دفاع الفريق الوطني ينهار في مناسبتين أمام منتخب جزر القمر.
وكان ضروريا أن يتعامل رونار مع سفيان بوفال بما يتلاءم مع وضعه الجديد، فسفيان الذي يمثل واحدا من الخيارات الرائعة على مستوى الأجنحة، ما غاب عن الفريق الوطني في المدة الأخيرة، وما ضاع عليه حلم المشاركة في المونديال، إلا لأنه كان فاقد التنافسية مع ناديه السابق ساوثهامبتون الإنجيلزي، إلا أن ارتفاع منسوب التنافسية وحضوره المميز مع ناديه الإسباني سيلطا فيغو في بطولة الليغا، فرض على رونار ضمه بقناعة كاملة للعرين، طمعا في إضافة نوعية تخصب الناحية الهجومية في منظومة اللعب.
ولم يكن دفاعا أعمى عن هيرفي رونار، ولا ثقة في رجاحة عقله، برغم ما وجهته له إسوة بالكثيرين من سهام النقد بعد الإهتزاز الفظيع في المضمون الفني الذي كشف عنه الفريق الوطني في نزالي جزر القمر، أن قلت بلسان الواثق أن رونار سيعيد قراءة ما تداعى من نزالي جزر القمر من شوائب ومعطلات فنية، ليصحح الوضع وليغلق كل الفتحات التي يمر منها الريح الفاسد، وليتسلح بشريا بما يقويه ويضمن له هامشا معقولا للمناورة وأيضا لمواجهة الطوارئ.
بقي فقط أن نسأل الله بأن لا يصيب الأسود المدعوون أي أذى في التزاماتهم مع نواديهم، ليكونوا كاملي العدد، وبالعتاد التقني والبدني والنفسي، الذي يساعدهم على تحقيق إنجاز فريد من نوعه يوم 16 نونبر الحالي بمركب الرعب، محمد الخامس بالدار البيضاء، عندما يلاقون منتخب الكامرون، أن يتمكنوا من ترويض الأسود التي استعصى عليهم ترويضها، على مدار التاريخ الطويل من المواجهات المغربية الكامرونية.
عن صحيفة المنتخب المغربية