بقلم - بدر الدين الإدريسي
ليس غريبا على الإطلاق، ولا هو بدعة أن تكون كل لائحة للفريق الوطني، يصدرها الناخب الوطني هيرفي رونار عشية أي إلتزام قاري، موضوع نقاش وجدال على كل المنصات الإعلامية المتاحة اليوم، بين من يتفق ومن يعترض، من يرى في اللائحة وحدة متناسقة مع فكر ورؤية الناخب الوطني، ومن يعتبر بعض الحالات الناذرة خرقا فعليا للمعايير المتعارف عليها أو حتى المتوافق عليها.
إلا أن لا حق لأي كان أن يطرح الأسئلة ويتبنى الأجوبة عليها، في خرق سافر للمواثيق التي تضبط العلاقات التفاعلية بيننا وبين فريق وطني، عهدنا بمسؤولية إدارته فنيا لمدرب وناخب وطني، هو من يتحمل بالكامل مسؤولية اختياراته وهو أول من يحاسب على النتائج التي يحققها فريقنا الوطني.
ما إضطرني لوضع هذه النقطة على حرف ساخن، هو ما أسمعه يتردد هناك على لسان محللين، يتعدون دورهم في مناقشة الظواهر وتحليلها التحليل الموضوعي، ولا يتقيدون بشرط الإستقلالية الكاملة التي يتمتع بها رونار وأي ناخب وطني غيره، بأن يفرضوا أشياء بعينها، لاعبين أومعايير للإختيار، ويوجهون إملاءات لا تقبل بها كل أعراف وأخلاقيات التعامل الإحترافي، لتكون نتيجة هذا الشطط واللغو، أن قاعدة كبيرة ممن يستمعون لكلام هؤلاء الذين ما انتدبتهم المنصات الإعلامية إلا ليقدموا في حدود ما تهيأ لهم من معارف توضيحات بشأن اللائحة، يشحنون ويحشى فكرهم بكلام غير منطقي على الإطلاق.
لا أنصب نفسي هنا مدافعا عن رونار الذي يقدر بحسب ما أعرف أهمية المنصب الذي يتولاه، والتفاعل القوي مع كل ما ينجزه، ودرجة الجدال التي يصلها النقاش بخصوص كل لائحة للأسود تصدر عنه، إلا أنني أجد أن مناقشة لائحة الفريق الوطني بمعزل عن المنظومة الفكرية لهيرفي رونار وبمنأى عنه الثوابت التي يقف عندها ومن دون الوقوف عند استراتيجة العمل التي يتبناها، القريب منها والبعيد على حد سواء، يمثل أولا ظلما للرجل ويمثل ثانيا بداية لانزلاق فكري لا يورث بالفعل سوى أحكام قطعية وجاهزة في مجال لا يقبل إطلاقا بمثل هذه القطعية.
سيكون قراء «المنتخب» من الأوفياء لخطنا التحريري، وهم يصلون لقراءة هذه الزاوية، قد أطلعوا على الحوار الحصري الذي أنجزه الزميل أمين المجدوبي مع المدرب والناخب الوطني هيرفي رونار، وقد استوعب كل الأسئلة التي يطرحها الشارع الرياضي المغربي، ولابد أن قراءنا فطنوا إلى أن الرجل لا يحيد قيد أنملة عن قناعاته، بما يعطي الإنطباع، على أنه لا يبدي أي ليونة في تدبير بعض الإشكالات، ولا يكسر قاعدة منطقية في منظومة تفكيره، فكل شيء معلل وواضح، دليلا على البراغماتية وعلى التسلسل المنطقي في التفكير.
ويظهر جليا أن هيرفي رونار يربط في تدبيره الحالي للفريق الوطني بشكل موضوعي، بين بعدين متوازيين لا يتقاطعان، بعد آني وبعد مستقبلي، البعد الآني يتمثل في التأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2019 وبعدها المراهنة على دخول هذه النهائيات برهان المنافسة على اللقب، وهذا ما يبرر تشبث رونار بالنواة الصلبة للفريق الوطني، والتي أنجزت التأهل لمونديال روسيا، بل ولعبت مباريات هذا المونديال الثلاث، وبعد مستقبلي يتطلع لمرحلة ما بعد «كان 2019»، حيث سيكون لزاما إقصاء العناصر التي سيحين موعد اعتزالها اللعب دوليا بحكم السن (بنعطية، الأحمدي، بوصوفة، درار...) وتعويضها بالعناصر الشابة التي يجري دمجها تدريجيا داخل الفريق الوطني (حكيمي، المزراوي، حارث، النصيري، أكرد...).
كما أن من يريد أن يضع على عنق رونار حبل المعايير، ليشنقه بتهمة ما يوصف أحيانا بأنه شذوذ وتعدي على هذه المعايير، فإنه سيجد الإجابة التي كنا نوردها من حين لآخر، وهي أن لا مطلق في كرة القدم، ولا مطلق في تدبير ما له علاقة بفعل إنساني يخضع لأحكام العاطفة، وغير معياري التنافسية والجاهزية اللذين يترددان كثيرا في مساءلتنا لرونار بشأن دعوة لاعب بعينه أو تغييب لاعب بعينه، هناك معيار التطابق مع الأسلوب الحياتي المفروض داخل العرين ومعيار الإستجابة بالكامل للشروط التي يضعها أي مدرب، وأولها شرط عدم مساءلة المدرب عن أي من اختياراته.
ويمكن التأكد من خلال بنية الأجوبة التي يعمد لها رونار في كل حواراته، من أن معيار التطابق بكل أبعاده السيكولوجية والشخصية وحتى العاطفية يقف على رأس المعايير التي يعتمدها رونار في تشكيل لوائح الفريق الوطني الواحدة بعد الأخرى، وهو ما يعطيها صفة التطابق والتناسق، ويوم تسوء نتائج الفريق الوطني لا قدر الله، ونقف على حقيقة خرق رونار للوحدة الموضوعية التي يتسم بها تفكيره، أنذاك لسنا نحن من سيبادر لإقالته، بل هو من سيبادر لذلك، بل الأدهى من ذلك سيكون قد ضحى بأكبر سلاح فني ساعده على ربح كل رهاناته الرياضية في مشواره التدريبي.