بقلم- جمال اسطيفي
بين رحلة الذهاب الى موسكو والعودة منها قاسم مشترك، هو ضياع حقائب سفري، لكن شتان بين حقائب ضائعة في موسكو وأخرى ضلت طريقها الى "جهنم" مطار محمد الخامس.
في رحلة الذهاب مرت الإجراءات مع شركة الخطوط الروسية بسلاسة بالغة، اذ توجهت الى المكتب المكلف بالحقائب الضائعة..
هناك وجدت سيدة دونت كل شيء، وقالت لي اطمئن، حقائبك ستصل، وسنعلمك بكل شيء في وقته..
غادرت صوب الفندق، ولحسن الحظ كنت أحمل حقيبة يد، بها بعض الملابس الخفيفة، ففي السفر عليك أن تتوقع كل شيء.
في الغد وصلتني رسالة قصيرة على هاتفي، تخبرني من خلالها شركة الخطوط الروسية أنه تم تحديد مكان حقائبي بمطار ميلانو، ثم رسالة ثانية تخبرني ان حقائبي وصلت الى مطار موسكو، وأن علي ان أحدد اين أريد استلامها..
ولأنني كنت ملزما في اليوم الموالي بالمشاركة في اولى حلقات برنامج بي إن موسكو، فقد قررت التوجه الى المطار.
ذهبت الى مكتب الحقائب الضائعة، حيث وجدت موظفات لا شغل لهن إلا خدمة الزبناء..
حصلت على حقائبي في أقل من خمس دقائق، وغادرت مع حرص كبير من الشركة على الاعتذار، وعلى توجيه السؤال لي إذا ما كانت لدي بعض الملاحظات أو أي شكوى في الموضوع..
لم أجد إلا أن أوجه لهن الشكر، لأنهن يقدمن صورة جميلة عن البلد وعن الشركة، علما أن الانطباع الاولي عن المطار يظل راسخا في الذهن، فهو يقدم صورة مصغرة عن ما ستجده في جوف البلد.
بعد 40 يوما بروسيا، كان علي أن اشد الرحال الى المغرب، وكان علي ان اتوقع تخلف وصول حقائب سفري خصوصا ان توقفي في روما لن يدوم اكثر من ساعة ونصف.
في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، وبعد ان تاكدت من عدم وصول الحقائب كان علي أن اتوجه الى مصلحة الحقائب الضائعة لاضع تصريحا في الموضوع.
أول ملاحظة أن التصريح لا يتضمن أي توقيع، فقط رقم التصريح، ورقمان هاتفيان للاتصال بهما.
تعامل معي الموظف بالكثير من الود، ثم اخبرني أنه فور توصلهم بأي معلومات سيخبرونني برسالة نصية.
مر اليوم الاول ولم اتوصل بأي رسالة نصية، فاتصلت بالرقم الموضوع رهن الإشارة.
بصوت حاد تستقبلك الموظفة، ثم تخبرك أنه ليس هناك جديد في الموضوع، حدث هذا الامر اكثر من مرة..
ولأنه في مغربنا الحبيب لابد أن تكون لك قنوات أخرى، فقد ربطت الاتصال باصدقاء لي، حرصوا مشكورين على تتبع الموضوع، حيث اخبروني أن حقائبي ستصل أمس الخميس في الرحلة القادمة من روما.
حدث كل هذا، ومازالت شركة الخطوط الملكية المغربية لم تبعث لي بأي رسالة نصية كما هو مطلوب منهم، لإخباري اولا بتحديد مكان حقائبي وثانيا بموعد وصولها..
توجهت الى مطار محمد الخامس، لأستلم حقائبي..
هناك التقيت باشخاص حرصوا على مد يد المساعدة، وتذليل الصعاب، لكن وانا انتظر وصول الحقائب وجدت مغربيا يهوديا ينتظر حقيبته منذ الساعة 3 الى الساعة 11، علما انه فوت مواعيد أكثر من رحلة هو الذي كان متوجها الى فرانكفورت وجاء الى المغرب ليقضي 15 يوما مع احفاده..
وقد أذهلني صبر هذا الرجل وتحكمه في أعصابه، هو الذي لم يجد أي مخاطب يمكن أن يطمئنه او يعطيه موعدا نهائيا لوصول حقائبه.
الى جانبه كان رجل آخر انجليزي الجنسية قدم من مدينة مانشستر الى الدار البيضاء، وسيدة أخرى قادمة من مونريال..
الرجل الإنجليزي وهو بالمناسبة من أصول هندية أشفقت عليه كثيرا، بل إنني نسيت حقائبي، وكان علي أن أشد من أزره، وأن استمع اليه على الأقل.
ظل الرجل حسب ما حكي لي يحاول الاتصال بالارقام الهاتفية، لكن لا احد يرد عليه او يعطيه جوابا او موعدا نهائيا لوصول حقيبته، التي فيها حسب قوله أدوية زوجته المريضة التي بدت في حالة نفسية صعبة، لذلك كان يضطر لشد الرحال يوميا صوب المطار قادما وسط العاصمة الاقتصادية حيث يقيم، ولعلكم تعرفون بالتحديد ما معنى التوجه الى المطار يوميا من قلب كازا نيكرا.
لم يجد هذا الرجل وهو يتم إخباره أخيرا بأن حقيبته ستصل اليوم الجمعة، الا أن يردد welcome in morocco، في هذه اللحظة بالضبط ظهر اليهودي المغربي، وقال له بالحرف، المطار ليس هو المغرب، لقد عشت في هذا البلد وفيه اناس طيبون وخدومون، وستكتشف ذلك قريبا..
ذهلني رد هذا اليهودي المغربي، لأنه في عز انتظاره الذي دام ازيد من سبع ساعات ظل يدافع عن صورة المغرب..
أما أنا وعدد من الاشخاص فقد كان علينا رغم وصول الحقائب أن ننتظر وصول رجل شرطة ليضع ختمه على مرور الحقائب من السكانير، ويتم اخراج الحقائب لنا..
وهو ما دفعني انا والسيدة المغربية ان نردد هل هناك شرطي للإيجار يا ناس..
تسلمت حقائبي أخيرا وغادرت وفي قلبي شيء من حتى، مع يقين تام بان ذاك الإنجليزي القادم من مانشستر لن يعود مرة أخرى الى المغرب..
للاسف تفاصيل صغيرة تشوه صورة البلد، أما من في الواجهة فهم بعض الموظفين البسطاء، أما المسؤولون فإنهم "يتبندرون ويتفطحون" و يمصون دماء المغاربة..