بقلم: بدر الدين الإدريسي
ما وجدت في حلي وترحالي عنوانا للإبهار، أقوى وأدق منه في الإمارات العربية المتحدة، فهنا تتجسد صناعة الإبهار في أتم معانيها، ليس القصد أن تنبث في صحراء قاحلة، ناطحات تغازل السماء وأن تخضر أرض وصفوها بأن لا زهر يينع فيها، وأن يتطاول البنيان فيلتقي بالسحاب، ولكن القصد أن ينتصر الجمال الإنساني في إبداع صورة تفتن العين وتسلب اللب والعقل، ففي الإمارات أكثر من غيرها، تنحني الخوارق إجلالا لما أبدعه الفكر الإنساني، وتتسامى الصور المعبرة عن روعة الخلق.
المبهر في الإمارات، رشاقة في الإعمار، ونبوغ في تحويل الصحراء إلى جنة، وسمو فكر إنساني في جعل هذه البيد تحتفظ برغم ألقها على خصلات إنسانية متوارثة تصل حاضرها الجميل بماضيها التليد، في النهاية هذه الإمارات المبهرة، هي الإمارات التي زانها زايد، هي الأرض التي ينطق رملها وصخرها وماؤها المنهمر بإسم زايد.
رأيت في سيرة الأمم، ما يشد الشعوب إلى قياد سارت بذكرهم ونبوغهم الركبان، إلى شخصيات حجزت لها مكانا عليا في القلوب والوجدان قبل كتب التاريخ، بفضل ما صنعت وما فعلت من أجل شعوبها، إلا أنني للأمانة أقف مبهورا من هذا الوفاء الذي ينذر له مثيل، لشعب الإمارات بقائده وملهمه وباني مجده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آلـ نهيان رحمة الله عليه.
فوق أن كل ما في الإمارات من إعمار ومن نبوغ ومن تجليات للفخامة الملفوفة في البساطة، ومن فكر إنساني متوقد حافظ للعهود، ينطق بإسم زايد، فإن كل تفاصيل الحياة هنا بإمارات الخير، فلسفة العمل واتساع الرؤية ونشر فكر التسامح، كل شيء ينطق بإسم زايد، فهذا الذي رأيته شخصيا مجسدا على أرض الإمارات وأنا أزورها ملبيا دعوة كريمة من مجلس أبوظبي الرياضي لحضور فعاليات كأس أمم أسيا، يقول أن إرث زايد الإنساني أولا وأخيرا هو النشيد الخالد والأبدي لأهل الإمارات، ولعل أعظم مظاهر هذا الإرث، هو الوفاء بالعهد، الوفاء لبناة الوطن والوفاء للقيم الأصيلة العربية والإنسانية التي أراد زايد أن تكون الإمارات مستودعها الأمين، الذي لا تصل إليه أيادي العابثين والظلاميين.
إنقضت سنة 2018، وقد اختار لها قادة الإمارات، شعارا هو من أصل هذا الوفاء الذي تحدثت عنه وشاهدت له مجسمات كثيرة، «عام زايد»، وخلاله أظهر الإماراتيون بمختلف التعبيرات عن ولائهم لفكر باني الإمارات، فكان ما لا يعد من صور الوفاء لهذا الفكر الذي يغزل من ضوء الفجر صباحات جميلة في هذه البقاع الحالمة، ومع بداية سنة 2019، التي اختير لها شعار من وحي فكر زايد، «عام التسامح»، جددت الإمارات وفاءها للوالد والملهم، وهي تختار لأوبيريت حفل افتتاح كأس أسيا للأمم، عنوانا معبرا ومشبعا بالدلالات المتسامية لقداسة الرباط الروحي والعاطفي، «زانها زايد»، وكأني بهذا الأوبريت الطافح بالمعاني الراقية في التعبير اللغوي والحركي، يصلنا بربع قرن مضى، يوم استضافت الإمارات سنة 1996، نهائيات كأس أسيا للأمم، وقدمت بحضور المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آلـ نهيان بذات الإسم والدلالة وبذات الزخم الإبداعي، أوبريت «زانها زايد».
وما بين الحضور والغياب، تتجلى أعظم وأجل معاني الخلود، ويبرز الوجه الجميل للقيم كمحرك أساسي لإنسانية الإنسان، أكان ساكنا على قمة جبل أو على كتبان رمل أو بين جدولين.
شكرا للإمارات ما صممته في حفلها الإفتتاحي المبهر ببساطته، شكرا للإمارات على أنها في أسيوية الحدث لا تنسى عروبتها، شكرا للإمارات أنها تعلمنا كيف يكون الوفاء، أو لعلها تذكرنا نحن العرب بما ورثناها عن أجدادنا، حفظ العهد.
عن صحيفة المنتخب المغربية