بقلم: بدر الدين الإدريسي
كنت متصدعا من الذي سمعته من أخبار راجت واشتعلت كالنار في الهشيم، تقول بأن عبد الرزاق حمد الله غادر معسكر الفريق الوطني غاضبا من الذي تداعى بعد المباراة الودية أمام المنتخب الغامبي والتي لعب إبن آسفي شوطها الثاني، مضيت أبحث مثل غيري، عن مسببات هذا الخروج الطوعي لحمد الله من عرين الأسود في لحظة مفصلية وحرجة، والفريق الوطني على بعد أيام من منافسة قارية، يلبسنا فيها الآخرون جلباب المنافس القوي على اللقب.
ومع التكتم الشديد الذي أحاط بهذا الرجة العنيفة، بإحجام حمد الله عن الكلام المباح وباكتفاء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ببلاغ، قالت فيه أن حمد الله غادر معسكر الفريق الوطني مصابا، وهو الأمر الذي لم يتمكن الدكتور عبد الرزاق هيفتي طبيب الفريق الوطني من إثباته بتقرير تستطيع به الجامعة إقناع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بإحلال لاعب آخر من اللائحة الإحتياطية بديلا لحمد الله، غمرتنا مياه جارفة من التأويلات والإستزادات والتخيلات، كثيرها اندلق على منصات التواصل الإجتماعي، وقد بدا كل واحد مالكا للحقيقة، مع أن حقيقة هذا الذي حدث واستوجب الخروج الإرادي لحمد الله من عرين أسود الأطلس، غائبة عن عمد، لأن من يملكونها أودعوها في سرداب مظلم ويعدوننا بإخراجها في الوقت المناسب، أي بعد أن ينتهي الفريق الوطني من مهمته الرسمية بمصر.
لا أنكر أنني تحرجت من هذا السيل الهائل من المكالمات والترجيات والتمنيات، التي تصلني عبر مسالك تواصلية عديدة، تطلب مني أن أتحرى عن الحقيقة الضائعة، وسط هذا الكوم الهائل من الحقائق المختلقة والمخترعة والتي يدعي أصحابها أنها واقعية وليست من نسج خيالاتهم، وعلى أساسها مضوا في إطلاق الكثير من أحكام القيمة، وتسأل رأيي المجرد في هذا الذي حدث، وبكل الصدق فإنني أجد أن هناك الكثير من الحقائق المعلنة والتي لها صلة بالحقيقة المغيبة أو المسكوت عنها، الحقيقة التي قال المعنيون بها أنهم لن يشهروها، إلى وقد انتهى الفريق الوطني من إلتزامه القاري.
أول هذه الحقائق المعلنة، أن الفريق الوطني يحتاج بالفعل إلى حكمتنا ورجاحة عقلنا، ويحتاج إلى فرملة مشاعر التأييد والتضامن مع حمد الله، للإنتصار إلى مصلحة هذا الفريق الوطني، ومصلحة الفريق الوطني هي، في أن نكون جميعا خلفه وهو مقبل على اختبار قاري كنا إلى وقت قريب وما زلنا فيما أظن، واثقين من أنه سيكون فيه من المتفوقين.
لا ندعي في هذا أننا سنحجب أنين حمد الله وسنفرم معاناته، أو نرمي بقضيته في سلة المهملات ومزبلة التاريخ، ولكن القصد أنه في الوقت الراهن لا شيء يعلو على الفريق الوطني.
ثاني هذه الحقائق، أننا شكلنا كإعلام مواطن ضغطا على السيد هيرفي رونار ليضم للفريق الوطني عبد الرزاق حمد الله، على خلفية موسمه الأنطولوجي مع ناديه النصر السعودي، وعلى خلفية تتويجه هدافا تاريخيا للبطولة السعودية على مر حقبها وأزمنتها، ولم نفعل ذلك من أجل سواد عيون حمد الله، ولكن إيمانا منا بأنه سيكون بالفعل قيمة مضافة للفريق الوطني.
إلا أن هذا لا يلغي أبدا حقيقة أن الفريق الوطني حقق هذا الصعود المميز له إفريقيا، بتحقيق التأهل للمونديال بعد عشرين سنة غياب، وبأن أصبح في عيون كبار خبراء كرة القدم الإفريقية من أكبر المرشحين للمنافسة على لقب كأس إفريقيا، من دون حمد الله، فمن أسميناه بالغوليادور العابر للقارات، لم يحمل قميص الفريق الوطني ولا مرة على عهد المدرب هيرفي رونار، طبعا قبل مباراة غامبيا الأخيرة.
الحقيقة الثالثة، هي أن الفريق الوطني ما خلا يوما من التكتلات التي لا يراد بها دائما محاربة هذا اللاعب أو ذاك، ولكن ما يفرضها في كثير من الأحيان المنشأ واللغة والإنتماء والمشتركات الرياضية والعاطفية، وقد كان الناخبون المتعاقبون على تدريب الفريق الوطني، باختلاف مدارسهم، مواجهين بضرورة ضبط هذه التكتلات وترويضها وصد رياحها الخبيثة، حتى لا تجني على وحدة الصف والمجموعة وتسمم محيطه الداخلي.
وإذا كان حمد الله قد واجه صعوبة في اختراق هذه التكتلات، أو أنه لم يجد من يساعده على ذلك، فلا يمكن أبدا أن نحمل وزر ذلك كله للاعبين الذين يرمز إليهم بأنهم أصبحوا وزراء السيادة داخل الفريق الوطني أو للمدرب الوطني دون سواهم.
الحقيقة الرابعة هي أن حمد الله دخل العرين مجددا بعد أن رفض ذلك في مرة سابقة، تحديدا خلال المعسكر التدريبي الذي حضر الفريق الوطني لمباراته الودية قبل الأخيرة أمام الأرجنتين، ولو أن هيرفي رونار كان متصلبا في معاقبة فعل الرفض، لما كان ضم أصلا حمد الله للائحة النهائية لكأس إفريقيا للأمم، والتي خرج منها بشكل إرادي مخلفا وراءه سيلا من التهم ومتسببا في أن الفريق الوطني سيذهب لـ «الكان» بـ 22 لاعبا وليس بـ 23 لاعبا.
الحقيقة الخامسة، وهي أن حمد الله ما استطاع أن يداوي جرح الإستغناء عنه بشكل تراجيدي في مناسبتين، الأولى لما أسهم في تأهيل المنتخب الأولمبي لأولمبياد لندن 2012، فوجد نفسه يسقط من اللائحة النهائية من المدرب الهولندي بيم فيربيك، والثانية لم استبعده الزاكي بادو من الفريق الوطني بشكل نهائي قبل أن يسلم الشاهد للفرنسي هيرفي رونار، والحال أن الحادثين معا تركا جرحا غائرا في نفسية حمد الله، ولو لم يكن هذا الجرح موجودا، لما تصرف حمد الله بالطريقة التي تصرف بها وهو يتجه طوعا لبوابة الخروج.
الحقيقة السادسة، هي أن هيرفي رونار على غرار كل المدربين والناخبين الذين يعمرون لمدة زمنية شبه طويلة، يرتبطون بعلاقات عاطفية مع اللاعبين الذين شكلوا لهم عناصر النجاح، لذلك ما كان منتظرا ولا مفترضا أن يدخل حمد الله عرين الأسود ليأخذ مكان لاعبين يعتبرهم رونار من الثوابت والمرتكزات القوية لمنظومته، وهذا الإرتباط العاطفي الذي يجد كل المدربين صعوبة في التحلل منه، نجد له أمثلة كثيرة، أقربها للذاكرة ما حدث مع المنتخب الألماني خلال مونديال روسيا 2018، حيث نسب الفشل الألماني إلى التعلق الكبير للمدرب خواكيم لوف بلاعبين تبث فيما بعد أن صلاحيتهم قد انتهت.
في خضم كل هذه الحقائق، تظل الحقيقة المطلقة هي أن حمد الله صفحة مؤجلة، سنعود لفتحها بعد أن ينتهي الفريق الوطني من الإمتحان القاري، والأمل أن لا يحدث أي رسوب في هذا الإمتحان، لأنه لو حدث هذا الرسوب لا قدر الله سيكون الجناة فيها كثيرون، وأولهم حمد الله.