شاي وصلحو

"شاي.. وصلحو"..

المغرب اليوم -

شاي وصلحو

بقلم: يونس الخراشي

القاهرة ساحرة. ويزيد سحرها في عين من قرأ للعم نجيب محفوظ، وسبق له أن شاهد مسلسل "الأيام"، يحكي عن سيرة طه حسين، وتعرف على دولة علي باشا، وثورة 1919، والصراع السياسي بين الملكية والأحزاب المعارضة من جهة، وبين كل منهما والاستعمار الإنجليزي، وقُضي له أن يقرأ عن ثورة العسكر، ورحلة عذاب الرئيس محمد نجيب، وبقية الحكاية، عبر الكتب، وبواسطة مسلسلات أسامة أنور عكاشة، وشعر أمل دنقل وصلاح عبد الصبور، وأزجال الكبير نجم، وأغنيات كوكب الشرق.
في تلك الأيام من شهر يناير 2006 كان الجو الليلي باردا بعض الشيء. وكان ذلك يتيح لي أن أتعرف على المكان من حولي، بفعل الحاجة إلى الأكل، ومطالعة الصحف، وسماع الناس وهم يناقشون فعاليات البطولة الإفريقية، وملف ترشح مصر لاحتضان كأس العالم. ثم إن وجود الفندق في "وسط البلد"، وهو مكان له قيمته التاريخية في العاصمة القاهرة، دفعني دفعا إلى المشي أكثر وقت ممكن، حتى أكتشف المكان والناس.
كنت أغادر بناية الفندق الشبيهة ببنايات الفرنسيين في الدار البيضاء، لأجدني إما في شارع 26 يوليوز أو في شارع أحمد عرابي، أو أمضي عبر سوق شعبي بسيط، من الجهة الأخرى للشارع، حيث تكثر الفواكه، وبخاصة المنجة، وتمر هندي، والعنب، والتين، وهلم عصيرا. ثم أصل إلى شارع رمسيس، الطويل الامتداد، حيث المحلات التجارية على أشكالها، وأغلبها يبيع الملابس الجاهزة، تحت أضواء كاشفة قوية تعمي العيون.
ولطالما أثارت انتباهي أشياء بسيطة جدا. لا يلقي لها المقيم المصري بالا، بحكم الألفة. فأغلب المقاهي عبارة عن "كراجات" صغيرة، تضم "كونطوارات" وضعت عليها "شيشات" مجهزة للزبائن. غير أن تلك المقاهي سرعان ما تتمدد في الباحات التي أمامها، ليلا، لتضم عشرات، بل مئات الزبائن، ممن يدخنون الشيشة بهدوء، فترى الأدخنة تتصاعد مع الضحكات في السماء، ويبقى مفعولها في الرؤوس عبارة عن متعة ليست مرئية، ولكنها مرعية.
أول قرار اتخذته مع نفسي، حين استقر بي المقام في "غراند أوتيل"، أن أحب الشاي المصري. فنحن شعب "أتاي والخبز". وفي أحيان كثيرة يؤلمك رأسك إن لم تشرب كأس شاي. وبالفعل، فقد طلبت شايا، من عم محمد، الذي كانت مقهاه تحادي الفندق، وأمامها محل إنترنيت، كنت أقيم فيه وقتا طويلا كي أكتب المواد الصحفية، وأصححها، وأرتب عناوينها، ثم أبعثها للزميل صلاح الدين القشيري، في الدار البيضاء، منتظرا منه ردا إيجابيا يحررني.
وبالفعل، فقد صار العم محمد صديقا، وشايه لا غنى عنه. أي نعم كان مذاق الشاي في البداية مرا بعض الشيء، إلا أنه صار، مع مرور الوقت، محبوبا، ورائحته شهية. فكنت حالما أدخل محل الإنترنيت لأتخذ لي مكانا، أجد العم محمد بجلابيته، و"ترازته" البيضاء، يصبح أو يمسي، ثم يقول:"شاي ولا إيه يا حج يونس؟". فأقول له المطلوب، ثم يأتي بسرعة البرق، بابتسامة تملأ وجهه الترابي الصعيدي، وود كبير يملأ المكان، وخدمة فوق الوصف، وطيبة أبوية عجيبة، جعلت علاقتنا تتوطد يوما على صدر يوم.
حين كنت أتعب من الكتابة، وأختار أن أرتاح لبعض الثواني بنظرة إلى وجهة غير "الكمبيوتر"، كانت تأخذني تلك المقهى حيث يشتغل العم محمد، بضيقها، وقتامة جدرانها، وذينك الرجلين المسنين اللذين يقبعان فيها طول الوقت؛ أحدهما يهتم بتحضير المشروبات، والثاني يهتم بتحضير الشيشة، وقلما تسمع لهما ركزا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاي وصلحو شاي وصلحو



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib