القاهرة - أ ف ب
اعلن البنك المركزي المصري الخميس تحرير سعر صرف الجنيه للقضاء على السوق السوداء التي انتعشت في البلاد منذ اشهر نتيجة الضغوط على الدولار، ما ادى على الفور الى تراجع قيمته بنسبة 57% امام الدولار الاميركي.
وبسبب النقص الحاد في العملات الاجنبية الناجم عن الاضطرابات الامنية والسياسية منذ الاطاحة بالرئيس الاسبق حسني مبارك في 2011، ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء الى 18 جنيها مطلع الاسبوع الجاري في حين كان سعره الرسمي عند 8،88 جنيها.
وكان يتم تداول الدولار في عدة مصارف صباح الخميس عقب اعلان قرار البنك المركزي ب 13 جنيها للشراء وبين 13،5 و14،3 جنيها للبيع.
وتعتمد مصر على الاستيراد لتلبية نسبة كبيرة من حاجاتها الاساسية بدءا بالقمح مرورا بمستلزمات الانتاج وانتهاء بعلف الدواجن.
وادى نقص العملات الاجنبية الى تداعيات متتالية اذ تباطأ استيراد المواد الخام ومستلزمات الانتاج ما انعكس سلبا على قطاعات الصناعة والتجارة والتصدير.
كما ارتفع معدل التصخم السنوي باضطراد في حزيران/يونيو الماضي الى 12،37%، وفق البيانات الرسمية.
وقال البنك المركزي في بيان انه "قرر اتخاذ عدة إجراءات لتصحیح سیاسة تداول النقد الاجنبي من خلال تحریر أسعار الصرف لاعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعیر شراء وبیع النقد الأجنبي بهدف إستعادة تداوله داخل القنوات الشرعیة وإنهاء تماما السوق الموازیة للنقد الأجنبي".
كما اعلن رفع سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصري "بواقع 300 نقطة أساس لیصل إلى 14,75 %" والى "15,75 %" بالنسبة للاقراض وهو قرار يهدف الى تشجيع الافراد على عدم الاحتفاظ بالدولار وتحفيزهم على الادخار بالعملة الوطنية.
وكان رد فعل البورصة ايجابيا على قرار تحرير سعر صرف العملية الوطنية اذ قفز مؤشرها الرئيسي لدى افتتاح الجلسة الاولى الخميس بنسبة تزيد عن 8% .
ووصف محافظ البنك المركزي طارق عامر قرار تحرير صرف الجنيه "بالتاريخي" في مؤتمر صحافي في مقر البنك في القاهرة.
وقال عامر "لا يمكن ان نسمح بوجود سوقين للنقد الاجنبي في مصر".
وأضاف "كان من الضروري اتخاذ قرار باعادة هيكلة سعر الصرف"، مشيرا إلى أن الأمر كان ضروريا "لاحداث اصلاح جذري" في الاقتصاد المصري.
وأشار عامر الى ان "البنوك ستسعر العملة كما يحلو لها" اعتبارا من الاحد المقبل.
واعتبر هشام ابراهيم استاذ التمويل والاستثمار في كلية التجارة جامعة القاهرة ان "القرار صدر في الوقت المناسب"، مشيرا الى ان "الوضع كان سيسوء أكثر لو تأخر القرار".
وتابع ان تعويم الجنيه "سيكون له أثر إيجابي للغاية عبر تشجيع الاستثمار". وقال "لم يكن من المنطقي ان يأتي مستثمر لبلد بها سعرين للصرف الفارق بينهما 100% تقريبا".
وكان البنك المركزي خفض في الماضي سعر الجنيه مقارنة بالدولار بنسبة 14،5% في منتصف اذار/مارس الماضي.
وابرمت مصر في آب/اغسطس الماضي اتفاقا مبدئيا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات للمساعدة في تنفيذ برنامج اصلاح اقتصادي ومالي يتضمن تحرير سعر صرف العملة المحلية.
ودعت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي مصر اخيرا الى خفض قيمة العملة الوطنية بسرعة لتضييق الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية للعملات الاجنبية.
وفي واشنطن رحب صندوق النقد الدولي بقرار البنك المركزي.
وقال كريس غارفيس رئيس وفد الصندوق الى مصر في بيان "نرحب بما قرره البنك المركزي المصري من تحرير نظام الصرف الأجنبي واعتماد نظام مرن لسعر الصرف".
واضاف "في ظل النظام الجديد، سيكون الناس على استعداد لبيع العملة الأجنبية وشرائها أيضا، وبذلك يوفر العملة في السوق. وسيؤدي نظام سعر الصرف المرن الذي يتحدد فيه سعر الصرف تبعا لقوى السوق، إلى تحسين تنافسية مصر الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبي. وكل ذلك سيساعد على تعزيز النمو، وخلق فرص العمل، وتقوية مركز مصر الخارجي".
بدورها رحبت الولايات المتحدة التي تقدم مساعدة عسكرية لمصر بقيمة 1,3 مليار دولار سنويا بالقرار ووصفته وزارة الخارجية بانه "تطور ايجابي لتحسين عمل اسواق الصرف في مصر والانتعاش الاقتصادي".
ويستهدف برنامج الاصلاح الاقتصادي خفض عجز الموازنة العامة للدولة الذي يقترب من 13% من اجمالي الناتج الداخلي. كما يشمل اصلاح منظومة دعم الطاقة وزيادة ايرادات الدولة من خلال فرض ضريبة للقيمة المضافة وطرح شركات مملوكة للدولة للبيع في البورصة.
وقالت الحكومة ان الفجوة التمويلية خلال السنوات الثلاث المقبلة تبلغ 21 مليار دولار وانه اضافة الى قرض الصندوق فانها ستغطيها باصدار سندات دولية بالدولار ومن خلال قروض اخرى.
وصرح جيري رايس المتحدث باسم صندوق النقد الدولي للصحافيين في واشنطن الخميس الماضي ان حصول مصر على قروض من السعودية والصين سيساعدها في جمع بين خمسة وستة مليارات دولار من التمويل المطلوب لتضاف الى القرض من صندوق النقد الدولي.
واضاف "اعتقد انهم اقتربوا من ذلك". وتابع "نامل في ان نتمكن من الحصول على موافقة مجلس صندوق النقد الدولي خلال اسابيع قليلة".
وبلغت احتياطات مصر من النقد الأجنبي 19،6 مليار دولار في ايلول/سبتمبر الفائت، ما يشكل ارتفاعا مقارنة بالاعوام السابقة لكنه بالكاد يلامس نصف احتياطي مصر مطلع العام 2011.
اوضح البنك المركزي انه قرر كذلك "السماح للبنوك بفتح فروعها حتى الساعة 21,00 وأیام العطلة الأسبوعیة بغرض تنفیذ عملیات شراء وبیع العملة وصرف حوالات المصریین العاملین في الخارج".
كما اكد انه "لا توجد أیة قیود على إیداع وسحب العملات الأجنبیة للأفراد والشركات".
واضاف ان "منظومة أسعار الصرف الجدیدة تعد جزءا من حزمة الإصلاحات التى تدعم غرض البنك المركزى الأصیل المتمثل فى إستهداف التضخم وإستقرار الأسعار على المدى المتوسط".
ويعاني السكان في مصر من اوضاع اقتصادية صعبة مع موجة ارتفاع كبير في أسعار الخدمات والمنتجات نتيجة انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بشكل حاد مؤخرا.
إلا أن محافظ البنك المركزي قال ان "الحكومة تتعهد بانها تستمر في دعم السلع الغذائية في الموازنة العامة للدولة. لابد من حماية محدودي الدخل من ارتفاع الاسعار".