بيروت ـ أ.ف.ب
في لبنان، تبرز العاملات في المنازل الى واجهة الاحداث عندما يتعرضن للضرب وسوء المعاملة او يقدمن على الانتحار.. اليوم،
ارتفع صوتهن في بادرة هي الاولى في العالم العربي، تهدف الى انشاء نقابة هدفها توحيد الموقف والخطاب من اجل الدفاع عن
الحقوق.
وقالت ليتيسيا، فيليبينية تعرضت للاغتصاب والضرب على يد مستخدمها قبل سنوات، لوكالة فرانس برس "نريد ان تتم معاملتنا
كبشر، كعمال حقيقيين. من خلال هذه النقابة، لن اشعر بانني لوحدي في مواجهة الانتهاكات".
وشاركت ليتيسيا الاحد، الى جانب اكثر من مئتي اثيوبية وسريلانكية وبنغالية، بالاضافة الى رجال ونساء من جنسيات اخرى بينهم
لبنانيون، في مؤتمر تأسيسي لما سمي "نقابة عاملات وعمال المنازل" انعقد في بيروت، في مشهد غير مسبوق في بلد برز اسمه في
تقارير عدة لمنظمات مدافعة عن حقوق الانسان كمسرح لانتهاكات لحقوق العمال، لا سيما الاجانب منهم.
ويستضيف العالم العربي حوالى ثلاثين مليون عامل اجنبي، بحسب الامم المتحدة. وتعتبر المبادرة التي تمت الاحد الاولى من
نوعها، علما انها لم تحصل على موافقة وزارة العمل، وبالتالي قد لا تحصل على فرصة لممارسة نشاطها.
واوضح وزير العمل سجعان قزي ردا على سؤال لوكالة فرانس برس ان"القانون اللبناني واضح ولا يحق فيه للاجنبي تأسيس
نقابة".
واعتبر ان "وضع العاملات في المنازل ليس مسموحا ان يبقى على حاله. لا بد من حلّه بوضع قوانين جديدة تحل المشاكل، وليس
من خلال تاسيس نقابات تدخل هذه العاملات في صراعات".
وجاءت مبادرة انشاء نقابة للعمال المنزليين بدفع من الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، ووصفها امينه العام
كاسترو عبدالله في خطاب القاه الاحد في المؤتمر، ب"الحدث التاريخي في مسار نضال الحركة العمالية في لبنان".
والنقابة مفتوحة لانضمام عمال لبنانيين، ولو ان الاجانب فيها يشكلون اكثرية.
وقال عبدالله لفرانس برس "في لبنان، يفترض باي عاملة أجنبية ان تحصل على اقامة، وإذن عمل، وتأمين طبي.. لم لا يتم بالتالي
ربط العقد الذي توقعه بقانون العمل؟ انها مهنة كغيرها".
واضاف ان "مكاتب الاستخدام التي تستقدم العاملات الاجنبيات، ويكاد عملها يشبه الاتجار بالبشر، لديها نقابتها الخاصة، بينما
حوالى 250 الف عاملة منزلية لا ينتمين الى اي نقابة".
ويؤكد ناشطون ان اوضاع العاملات المنزليات تحسنت بعد حملات التوعية والاحتجاج العديدة التي قام بها المجتمع المدني
ومنظمات مدافعة عن حقوق الانسان، الا ان العمل المنزلي لا يخضع لقانون العمل، وبالتالي لا حماية لمن يقوم به في مواجهة سوء
المعاملة او فسخ عقود العمل.
وبالكاد يؤمن قانون العمل اللبناني الذي لم تطرأ عليه تعديلات منذ 1946، حماية حتى للمنضوين اللبنانيين تحت سقفه، اذ ان
مؤسسات كثيرة تتجاوزه وتعتمد التسريح التعسفي، او لا تحترم بنوده. ويحول بطء المعاملات القضائية وخوف المستخدمين من
خسارة وظائفهم دون المطالبة بحقوقهم.
وقال قزي انه يعد لقانون عمل جديد "بات في مراحله الاخيرة".
وقالت جيما (48 عاما)، فيليبينية تعمل في لبنان منذ العام 1993، "كمستخدمين في المنازل، لا نعتبر موظفين حقيقيين"، مضيفة "
انها المرة الاولى التي نتحدث فيها بصوت واحد. معا، من الاسهل معالجة المشاكل".
وتركت جيما بلدها واطفالها لتاتي الى لبنان وتؤمن لقمة العيش. وقالت "نحن مثل اللبنانيين الذين يهاجرون من اجل البحث عن عمل
في بلدان اخرى".
وبدأ هذا المشروع النقابي يتبلور بعد دخول "اتفاقية منظمة العمل الدولية في شأن العمل اللائق للعمال المنزليين رقم 189" حيز
التنفيذ في 2013.
وتنص الاتفاقية على ضرورة اعطاء العمال المنزليين يوم عطلة اسبوعيا، وعلى دفع "اجور عادلة وساعات عمل عادية ومعقولة"،
وتمضية وقت الفراغ بالطريقة التي يرغبون بها، و"الاحتفاظ بالوثائق الشخصية وجواز السفر"، وغيرها من الحقوق الاساسية.
وهذه الحقوق منتهكة على نطاق واسع في لبنان الذي وقع الاتفاقية. اذ لا يمكن لعاملة اجنبية ان تقيم في لبنان من دون "كفيل".
وتقوم معظم العائلات التي تستخدم عاملات في المنزل، بالاحتفاظ بجوازات سفرهن. ونادرا ما يتم احترام دوام العمل. ولا يسمح
جميع ارباب العمل للعاملات بتمضية يوم العطلة خارج المنزل. وكل هذه الامور، بالاضافة الى حوادث عنف واستغلال عديدة،
دفعت دولا عدة بينها الفيليبين الى منع مواطناتها من السفر الى لبنان للعمل.
وقالت جيما "هناك ارباب عمل يحتجزون العاملات في غرفهن، وآخرون لا يدفعون لهن اجورهن على مدى اشهر، ولا يعطونهن
يوم عطلة، كما يجبروهن على العمل من السادسة صباحا حتى منتصف الليل".
وتابعت "نحن موظفون عندهم، ولسنا عبيدا".
وتعاني العاملات الاجنبيات من تمييز ظاهر، اذ يمنعن مثلا من السباحة في مجمعات سياحية معينة.
في 2014، اوردت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقرير لها ان السلطات اللبنانية باتت ترفض اعطاء اوراق اقامة الى اولاد
العاملات الاجنبيات وتقوم بطردهم من البلاد، ولو على حساب فصلهم عن امهاتهم. وكان تقرير للمنظمة ذاتها في 2008 ذكر ان
هناك عاملة اجنبية واحدة تنتحر كل اسبوع في لبنان.
وقالت ليلى مزهر من مكتب منظمة العمل الدولية في بيروت ان "النقابة تشكل فرصة للعمال الذين يشعرون بانهم معزولون، للدفاع
عن قضيتهم بشكل جماعي".
وشدد عبدالله كاسترو من جهته على ان النقابة من شأنها ان تصب في مصلحة رب العمل كذلك، اذ ستساهم في تحديد حقوق العمال
الاجانب وواجباتهم، وحقوق ارباب العمل وواجباته، معربا عن امله في نشوء مبادرات مماثلة في دول عربية اخرى.