المنامة ـ بنا
رأت دراسة صدرت حديثا أن خطط التنمية الحالية التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي تشير بالإجماع إلى جهود مضنية تُبذل لتنويع النشاط الاقتصادي، وذلك باعتباره أحد السبل لضمان استقرار مستويات الدخل في المنطقة واستدامتها في المستقبل، مؤكدة أن هناك العديد من العوامل التي وضعت مسألة التنويع الاقتصادي وإضافة مصادر أخرى للدخل كأولوية سياسية لدول الخليج منذ اكتشاف النفط. وقالت الدراسة الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إن ثمة أسباب عديدة لدراسة التنويع الاقتصادي كما يتبدى على أرض الواقع في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك بالنظر إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أن المورد النفطي بطبيعته مورد قابل للنضوب، شأنه شأن الكثير من الموارد الطبيعية الأخرى، ويخضع لتقلبات الطلب في الأسواق العالمية، فضلا عن تأثر مداخيل الدول الخليجية ومصادر الثروة بها بتغيرات أسعار هذا المورد وتذبذبها بين الفينة والأخرى، وهو الأمر الذي جعل انخفاض أسعار النفط عاملا أساسيا في حفز التأكيد السياسي الخليجي القوي على عملية التنويع. وذكرت الدراسة التي أعدها مارتن همفدت الأستاذ المشارك بمركز دراسات الشرق الأوسط المعاصرة في جامعة جنوب الدانمرك، وهي الدراسة رقم 116 من سلسلة دراسات عالمية التي يصدرها مركز الإمارات، أن التنويع الاقتصادي ليس استراتيجية جديدة لدى دول مجلس التعاون الخليجي، مؤكدة أن هناك من المشروعات الكبرى التي تؤكد على هذا المعني، وأبرزها: صهر الألمونيوم في البحرين، والمدن الصناعية في ينبع والجبيل بالمملكة السعودية، والموانيء في دبي، وغيرها، والتي أقيمت جميعها في سبعينيات القرن الماضي بهدف محدد وهو تنويع الاقتصادات الخليجية عن طريق استثمار أموال النفط في أصول إنتاجية أخرى. ووجدت الدراسة أن نجاح دول مجلس التعاون الخليجي في عملية التنويع الاقتصادي مكنها من تحقيق عدة أهداف رغم الصعوبات والعقبات التي اعترضتها، مشيرة إلى من بين أهم الأهداف التي حققتها دول التعاون من خلال التنويع هي: تحقيق الاستقرار في الإيرادات، والتوسع في العوائد، والحصول على وزيادة القيمة المضافة من توطين أنشطة اقتصادية أخرى غير إنتاج وتكرير النفط، هذا بالرغم من حدوث بعض الآثار الناتجة عن تطبيق إستراتجيات التنويع الاقتصادي. وأضافت أن التنويع الاقتصادي كان رمزا وشعارا للسياسة الاقتصادية في دول الخليج منذ الطفرة النفطية الأولى في سبعينيات القرن العشرين، وأن الدافع إلى هذا التنويع تغير بتغير الزمن، حيث كان المحرك لعملية التنويع هو وعي القيادات الخليجية بقابلية الموارد النفطية للنضوب مستقبلا، وهو ما كان دافعا لها للعمل من أجل إيجاد اقتصادات وطنية قادرة على البقاء والاستمرار من خلال التنويع، وقد ساعد ذلك في تنمية البنية التحتية المادية والاجتماعية والاستثمار فيهما، وتنمية الصناعات ذات الرأسمال الكثيف التي تستفيد من الميزة النسبية للمنطقة في الموارد النفطية، في إشارة لصناعات إنتاج الصلب والألمونيوم والأسمدة والبتروكيماويات وغيرها. واعتبرت الدراسة أن لكل بلد خليجي تاريخه الخاص وتجربته المتميزة في تنويع مصادر دخله، مشيرا إلى أن بعض الدول عملت على بناء صناعة السياحة والصناعات الخدمية، بينما عملت دول أخرى على تعزيز النشاطات المصرفية وقطاعات الإعلام والنقل البحري وتجارة الترانزيت التي تلائم موقعها الجغرافي وميزات الإنتاج النسبية التي تتمتع بها دون الأخرى، مؤكدة أن هذا التنوع ساهم إلى درجة كبيرة في تقليص الحجم النسبي لقطاع النفط، وزاد من نسبة حجم الصادرات غير النفطية إلى إجمالي الصادرات، كما تراجع إسهام العوائد النفطية في الإيرادات الحكومية بصفة عامة، وهو ما يعني درجة من درجات النجاح في استراتيجية تنويع النشاط الاقتصادي رغم العقبات التي واجهت ذلك. وتابعت قائلة إن دول الخليج العربية بعدما كانت قاعدتها الصناعية تقارب الصفر منذ 30 عاما، باتت اليوم أحد المراكز العالمية الكبرى لإنتاج البتروكيماويات والأسمدة والألمونيوم والإسمنت والمباني المعدنية سابقة التجهيز وكابلات الألياف الضوئية وأجهزة تكييف الهواء وجميع صور المنتجات الخاصة بالبناء والتشييد، ناهيك عن التطور في مجالات الخدمات المالية والتجارية والمصرفية التي تنمو بشكل تصاعدي. وحول العقبات التي واجهت استراتيجيات التنويع الاقتصادي الخليجي، أشارت الدراسة إلى العقبات الفنية التي حدت من عملية التنسيق والتكامل الكامل في مجال التصنيع بين دول الخليج وبعضها، من قبيل شروط المنافسة وعدم حماية الصناعات والخدمات الناشئة وصغر حجم الأسواق وندرة الأيدي العاملة الماهرة وتركزها في قطاعات بعينها دون غيرها، ناهيك عن استمرار سيطرة القطاع العام بوصفه العامل المحفز على النمو الاقتصادي، هذا بالرغم من النجاحات التي حققتها الاتفاقات الاقتصادية الخليجية، حيث تم تطبيق الوحدة الجمركية عام 2005 وإعلان السوق المشتركة عام 2008 وغيرها، وهو ما كفل بناء الأركان الأساسية للوحدة الاقتصادية وصياغة المسارات الصحيحة للتقدم والنماء في مجال التكامل البيني. وأفردت الدراسة جزء خاصا بالخطط المستقبلية التي تنوي مملكة البحرين اتباعها لتحقيق عملية التنويع في أنشطتها وقطاعاتها الاقتصادية، مشيرة إلى أن المملكة أصدرت عام 2008 خطتها المعنونة "رؤية مملكة البحرين الاقتصادية حتى عام 2030"، وبعد عام أصدرت "الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية" باعتبارها الخطة التطبيقية التفصيلية للرؤية التي توضح معالم الطريق المستقبلي لتنمية الاقتصاد الوطني اعتمادا على توسيع دور القطاع الخاص، وزيادة قدرته على خلق وظائف للمواطنين، واستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، وزيادة دخول الأسر البحرينية، ومن ثم الانتقال من اقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسة عالميا. وأكدت الدراسة أن محدودية الموارد كانت سببا في انتهاج البحرين استراتيجية التنويع منذ مطلع السبعينيات، وهو ما مكنها من الانخراط بقوة في استراتيجيات متعددة للتنمية الصناعية والخدمية، في إشارة للنجاح البحريني في إنشاء مصافي التكرير وبناء وإصلاح السفن وصناعة الصلب وصهر الألمونيوم، فضلا عن التقدم في صناعة الخدمات المالية التي أصبحت القطاع الرائد في حركة التنويع، واصفة رؤية البحرين 2030 باعتبارها أجرأ وثيقة استراتيجية تنشرها حكومة من حكومات مجلس التعاون الخليجي، حيث أنها لا تتناول فقط قضايا التنمية والتخطيط، ولكنها ترسم أيضا طريق المستقبل لتحقيق التقدم الاقتصادي والحكومي والاجتماعي على مدى العقدين المقبلين. وتوصلت الدراسة بعد مراجعة خطط التنمية الاقتصادية المستقبلية لدول الخليج العربية إلى زيادة مستوى الوعي بشأن معوقات النمو إلى درجة كبيرة في المنطقة، ما ساهم في التحرك الجاد نحو تغيير البنية الاقتصادية الحالية عبر التنويع كأداة لحل كل المشكلات، مؤكدة أن أبرز القطاعات التي اُستهدفت لتحقيق التنوع المنشود تمثلت في الصناعات المرتبطة بإنتاج وتكرير النفط والغاز والبتروكيماويات، والصناعات كثيفة استخدام الطاقة شبه الرخيصة من قبيل الصلب والألمونيوم، فضلا عن السعي نحو البروز في الصناعات الخدمية ذات القيمة المضافة العالية من قبيل : المعاملات المصرفية في البحرين وقطاع الإمداد والموانئ والتجارة في دبي وقطاع التجارة في الكويت والصلب في سلطنة عمان والأسمدة والطيران والسياحة والمعارض الدولية وغيرها. وخلصت الدراسة إلى استمرار النموذج التنموي الذي تقوده الدولة في كل من الكويت وقطر والمملكة السعودية، على الرغم من الإشارة الإيجابية إلى الدور المستقبلي للقطاع الخاص، بينما أولت كل من البحرين وسلطنة عمان اهتماما خاصا بالمبادرات الفردية للقطاع الخاص الذي وصفته باعتباره عصب الاقتصاد هناك، معتبرة أن خطط التنويع الخليجية تستهدف التعويل على المواطنين مستقبلا ليقوموا بأعباء التنمية، ولذلك أولت دول الخليج اهتماما كبيرا بتنمية العنصر البشري وتزويده بالمؤهلات التعليمية اللازمة التي تمكنه مستقبلا ليس فقط من اجل شغل مواقع العمل المختلفة والمنافسة على الوظائف في القطاعين العام والخاص، وإنما قيادة عملية التنويع بهدف الحفاظ على مستوى الدخل والمعيشة التي ينعم بها.