الرئيسية » اقتصاد دولي
بكين

بكين - المغرب اليوم

من سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحمائية، إلى التوتر النفطي والجيوسياسي في الشرق الأوسط، وصولا إلى معطيات حالة اللايقين على مستوى الاقتصاد الدولي، كل ذلك يقدم حججا شبه كافية للقادة الصينيين لتبرير تباطؤ النمو الاقتصادي الذي بات شبه مؤكد لدى بكين حاليا... فالحفاظ على معدل نمو 6 في المائة وما فوق بات معقداً بعض الشيء في ظل كل تلك الظروف المحيطة، وفقاً لمعظم المحللين.

ففي أغسطس (آب) الماضي، انخفض نمو الإنتاج الصناعي الصيني إلى 4.4 في المائة، مقابل 4.8 في المائة في يوليو (تموز)، أي إلى أدنى مستوى منذ 17 عاماً. إلى ذلك، فإن قراءة أرقام نمو مبيعات التجزئة والاستثمارات الرأسمالية تظهر أنها تأتي أقل من توقعات المحللين. فالاستهلاك أو الطلب الداخلي لم يعوض الفاقد من الصادرات بعد، رغم اتخاذ السلطات عددا من الإجراءات التحفيزية على هذا الصعيد. إذ سجلت أرقام نمو مبيعات التجزئة في أغسطس الماضي 7.5 في المائة، مقابل 7.6 في المائة في يوليو.

فمبيعات السيارات، على سبيل الدلالة، تراجعت أكثر الشهر الماضي وذلك للشهر الخامس عشر على التوالي. كما أن مبيعات سلع معمرة أخرى مثل التجهيزات الكهربائية والإلكترونية المنزلية، تراجع نموها إلى 5 في المائة فقط. وهذا الاتجاه الانخفاضي سيؤثر في معدل النمو الاقتصادي العام.

ومع ذلك تؤكد السلطات المعنية في بكين أنه رغم الضغوط الانخفاضية، فإن الاقتصاد مستقر؛ ويسجل نموا هو الأفضل على الإطلاق مقارنة بنمو الاقتصادات الدولية الكبيرة وحتى المتوسطة. لكن بعد تسجيل 6.2 في المائة في الفصل الثاني من العام الحالي، فإن الاقتصاد يتجه نحو نمو بنسبة 6 في المائة فقط وفقا لمحللين في بنك «جي بي مورغان»، علماً بأن محللين اقتصاديين آخرين يتوقعون نزول النمو الصيني تحت ذلك المعدل إذا ارتفعت أسعار النفط وتعقدت ظروف الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأميركية.

وكان رئيس الحكومة أعلن في مارس (آذار) الماضي أن المعدل سيبلغ 6.5 في المائة للعام 2019... لكن انخفاض سعر صرف اليوان إلى أدنى مستوى منذ 11 عاماً، الذي خفض عمليا قيمة الاقتصاد، جاء ليغطي قليلاً على التباطؤ، ولولا ذلك الانخفاض لكانت أرقام النمو أقل.

ورغم أن العملاق الاقتصادي خفف وتيرة السباق، فإنه يبقى مواصلاً للنمو بفعل التدخل الحكومي، لا سيما تخفيف بعض القيود المفروضة على الائتمان لتشجيع البنوك الحكومية على زيادة الإقراض والاستثمار.

وبجرعات بسيطة متدرجة، تحضر الحكومة المستثمرين والسكان لمناخ اقتصادي «طبيعي» أكثر في ظل التوتر التجاري المتفاقم مع الولايات المتحدة، علما بأن البلدين يسعيان حاليا لتخفيف التصعيد تمهيدا لجولة مفاوضات جديدة الشهر المقبل في واشنطن، والهدف الأول أمام المفاوضين الآن بحث سبل توقيع «نصف صفقة» لتطمين الأسواق مرحليا بانتظار «الصفقة الكاملة» التي ترغب فيها بكين بقوة للحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية الدولية. ومن دون ذلك، برأي الاقتصاديين، ستجد السلطات نفسها أمام تحدٍ هائل، لأن معظم الإجراءات التحفيزية التي اتخذت على الصعيد الداخلي لم تعط ثمارها كاملة.

في الأثناء، قام البنك المركزي الصيني الأسبوع الماضي بضخ سيولة حجمها 800 مليار يوان (102 مليار دولار)، وذلك عبر تخفيض الاحتياطيات الإلزامية للمرة الثالثة هذه السنة، ويتوقع المصرفيون ضخ المزيد بعد الأرقام الاقتصادية المخيبة للآمال التي بدأت تطل برأسها. وهذا يفسر أيضا الخطوة التي اتخذتها بكين بإلغاء بعض الرسوم الإضافية التي كانت تنوي تطبيقها على سلع ومنتجات أميركية مثل لحوم الخنزير وفول الصويا، ما دفع بمحللين أميركيين مؤيدين لسياسات دونالد ترمب الاقتصادية إلى القول إن الرئيس نجح في «ردع جموح التنين، ليعود إلى رشده ويقبل بشروط تجارية جديدة تصب في مصلحة الولايات المتحدة أولا».

ويؤكد هؤلاء أن للرسوم الجمركية العقابية أبلغ الأثر، في مقابل محللين آخرين يؤكدون أن الاقتصاد الصيني كان بدأ يتباطأ منذ ما قبل الهجوم الأميركي عليه بسلاح الرسوم، لا سيما أن القطاع المالي والمصرفي ظهرت معاناته منذ سنوات طويلة، ما دفع السلطات للتدخل أكثر من مرة، وهي مستمرة في ذلك إذ سارعت خلال الأشهر الأخيرة إلى إنقاذ 3 مصارف في عدد من المقاطعات.

وكان صندوق النقد الدولي حذر سابقا من ضعف بعض المصارف الصينية، ودعا منذ العام 2017 إلى ضخ رساميل في البنوك الصغيرة لأنها تظهر علامات تعثر بعد أن مارست سياسات إقراض عشوائية وبكل اتجاه. وكان تعثر بعض وحدات القطاع البنكي بدأ منذ 2009، وأعلنت الحكومة لاحقا برامج إنقاذية قيمتها 500 مليار دولار كجزء من حلول لمواجهة تداعيات الأزمة المالية التي اندلعت آنذاك. وتباعا خلال 7 سنوات، تكرر سيناريو التعثر هنا وهناك بفعل قروض كانت تمنح لمشاريع عقارية وصناعية مكلفة وغير مجدية. والنتيجة أن ديون الشركات والأفراد تراكمت بسرعة خيالية حتى بلغت كما في مارس الماضي 40 تريليون دولار، أي 3 أضعاف حجم الاقتصاد الصيني كما يؤكد تقرير لمعهد التمويل الدولي. ويضيف أن في الصين أكبر ديون على مستوى مجموعة العشرين، وتحمل الصين وحدها 15 في المائة من إجمالي جبل الديون العالمية.

وتدخلت السلطات خلال السنوات الماضية لتنظيم هذا القطاع الذي انتشرت فيه بنوك الظل (غير النظامية وفق قواعد البنك المركزي) كثيرا، وفرضت قيودا على الائتمان، لكن ذلك أثر في اقتصادات الأقاليم التي كانت بدأت التعود على إدمان الاقتراض لتحقيق النمو. وتؤكد القراءات التاريخية لمعدلات النمو أن التباطؤ كان بدأ منذ ما قبل الحرب التجارية، إذ بعد نمو نسبته 14.2 في المائة في 2007 راح المعدل يتراجع سنة بعد أخرى حتى وصل إلى 6.2 في المائة فقط.

وكانت الصين اكتشفت قبل 5 سنوات أنه لا يمكن لها الاستمرار في نموذج عمل قائم على تصنيع السلع الشعبية الرواج، وشرعت في تحول سريع نحو الاستثمار التكنولوجي مع تطوير لقطاع الخدمات وتحفيز لقطاعات الاستهلاك الداخلي. كما أقفلت الحكومة مئات المصانع للحد من فوائض الطاقات الإنتاجية لا سيما في قطاعات الفولاذ والصلب والإسمنت والبواخر. وذلك التحول إضافة إلى القيود الائتمانية ترك ندوبا في جسم الاقتصاد.

إلى ذلك تضاف عوامل أخرى، مثل أن الشيخوخة تزداد بفعل سياسة الطفل الواحد، فالتوقعات تشير إلى أن أكثر من ربع السكان سيصبح في شريحة عمرية فوق 65 عاما في العقدين المقبلين. وتختم مصادر المحللين بأن مشاكل الاقتصاد الصيني هيكلية، وبدأت بالظهور مع تداعياتها منذ ما قبل وصول دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة الأميركية.
   

قد يهمك ايضا:

مسؤول صيني يعترف بصعوبة الحفاظ على تحقيق معدل نمو فوق الـ6% سنويًا

الصين تتعهد بمواصلة دعم المصالحة وإعادة الإعمار في أفغانستان

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

عملة البيتكوين تقترب من 90 ألف دولار بعد انتخاب…
صناعة العملات الرقمية بالولايات المتحدة قد تدخل "عصرها الذهبى"…
الصين ترفع سقف ديون الحكومات المحلية بمقدار 6 تريليونات…
الدرهم يتراجع بهذه النسبة مقابل الدولار الأمريكي
جيه.بي مورغان يقلص توقعاته للنمو في إسرائيل خلال 2024

اخر الاخبار

أخنوش يعرض تجربة المغرب في التكيف مع التغيرات المناخية…
الحكومة المغربية تؤكد التعامل الإيجابي مع الرقابة البرلمانية وقبول…
عزيز أخنوش يحل بمجلس المستشارين المغربي في جلسة حول…
مجلس النواب المغربي يعقد جلسات عمومية للتصويت على مشروع…

فن وموسيقى

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…
المغربية بسمة بوسيل تُشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة التي تستعد…
كاظم الساهر يتألق في مهرجان الغناء بالفصحى ويقدم ليلة…

أخبار النجوم

محمود حميدة يكشف تفاصيل شخصية "ياسين" في مسلسل موعد…
إسعاد يونس تُعرب عن سعادتها البالغة بعودتها للمسرح
هاني سلامة وياسمين رئيس يجتمعان مجدداً بعد غياب 12…
محمد هنيدي يُعلن دخوله منافسات دراما رمضان 2025 بمسلسل…

رياضة

الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم
إصابة في الرباط الصليبي تبعد إلياس أخوماش عن الملاعب…
المغربي ياسين بونو بين كبار اللعبة بمتحف أساطير كرة…
وليد الركراكي يخطط لثورة في تشكيلة المنتخب المغربي قبيل…

صحة وتغذية

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…
أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات…
حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

الأخبار الأكثر قراءة

أسعار الذهب ترتفع بدعم من الإقبال على الملاذ الآمن
الدولار الأميركي يتجه لتسجيل أكبر مكاسب أسبوعية منذ أبريل
الدولار الأميركي يحتفظ بمكاسبه مع اتساع رقعة الحرب في…
ارتفاع أسعار الذهب لقمة تاريخية جديدة فوق 2665 دولارا…
أسعار الذهب تصل لمستويات قياسية وسط تفاؤل بشأن تخفيضات…