الرباط ـ المغرب اليوم
كشف تقرير مشترك صادر عن بنك المغرب والبنك الدولي حول تقييم المخاطر المناخية في القطاع البنكي المغربي تمركز المخاطر الائتمانية في نطاق جغرافي ضيق؛ ذلك أن أكثر من 60 في المائة من إجمالي القروض متمركزة في الدار البيضاء، وتستأثر الأخيرة والرباط ومراكش معا بـ 77 في المائة من إجمالي القروض. وعلى العكس من ذلك، تتركز نسبة 3.5 في المائة فقط من القروض بـ 50 منطقة الأصغر حجما.
وأظهرت الدراسة الاستطلاعية الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تركز المحافظ الائتمانية في قطاعات محدودة، فيما ترتبط هذه التركيزات الجغرافية والقطاعية للائتمان بتداعيات مخاطر المناخ، علما أن التقرير الجديد شمل المخاطر المناخية المادية وتلك المترتبة عن الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ويقيس هذا التقييم مستوى تعرض محافظ البنوك لمخاطر الجفاف والفيضانات وتأثرها باعتماد ضريبة الكربون. كما تتضمن الدراسة أيضا تحليلا لمدى هشاشة البنوك في حالة حدوث صدمات مناخية افتراضية، وتسلط الضوء على التحديات المرتبطة بعدم وجود بيانات دقيقة بما يكفي، وبمدى تعقيد الإحاطة بالتفاعلات بين العوامل المناخية والاقتصادية والمالية.
يتصدى المغرب حاليا لتحديات كبيرة تتعلق بتغير المناخ. وبوصفها أحد أكثر بلدان العالم معاناة من الإجهاد المائي، تواجه المملكة ضغوطا متزايدة بسبب الجفاف تؤثر بشدة على قطاع الفلاحة على وجه الخصوص. وبالإضافة إلى ذلك، يلوح في الأفق خطر حدوث فيضانات شديدة ومتكررة في المناطق والمراكز الحضرية الرئيسية، فيما تشكل هذه الصدمات المناخية مخاطر ليس فقط على السكان والبنية التحتية والاقتصاد بوجه عام، ولكن أيضا على استقرار وسلامة القطاع البنكي المغربي، وهو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي بأصول تبلغ 138 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام.
وبهذا الخصوص، أوضح رشيد قصور، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، أن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في الأضرار المالية الناجمة عن موجات الجفاف والفيضانات في المغرب، مع آثار ملحوظة على خسائر البنوك في حالة الجفاف خصوصا، حيث تتعرض أكثر من ثلث محافظ القروض البنكية بشكل خاص لمخاطر مادية بسبب تغير المناخ، ويرجع ذلك أساسا إلى الإقراض في قطاعات الفلاحة والصناعات الغذائية والسياحة، وإلى الإقراض المعيشي للأسر في المناطق المعرضة للأخطار.
وشدد قصور، في تصريح لهسبريس، على أن تغير المناخ أجبر الحكومة على التدخل خلال السنوات الماضية، وهذه السنة على وجه الخصوص، باعتبار التوقعات السلبية بشأن الموسم الفلاحي (25 مليون قنطار فقط)، من أجل دعم البنوك عبر ضمانات وتحفيزات، ضمن برامج تمويل للمقاولات الصغرى والمتوسطة الناشطة في مجموعة من القطاعات المتضررة بشكل مباشر أو غير مباشر بتداعيات التقلبات المناخية.
وتتراوح الآثار الاقتصادية لتغيرات المناخ، حسب التقرير المشترك لبنك المغرب والبنك الدولي، حول تقييم المخاطر المناخية في القطاع البنكي المغربي، في مجموعة متنوعة من سيناريوهات الجفاف، بين 4 مليارات و200 ألف دولار (حدوث موجة جفاف تاريخية مرة واحدة كل 500 سنة)، و7 مليارات دولار (حدوث موجة جفاف مرة واحدة 500 سنة في سيناريو تغير المناخ الشديد في 2050)، وانخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1.8 إلى 3.5 نقطة مئوية، مع خفض نسبة كفاية رأس المال للبنوك بنسبة 1.3 في المائة إلى 2.2.
وسلط التحليل الضوء كذلك على الآثار المضاعفة لتغير المناخ على مستوى جميع السيناريوهات، حيث تسبب الفيضانات أيضا أضرارا تتراوح بين 8 مليارات دولار (موجة فيضانات أمطار تاريخية مرة واحدة كل 500 سنة)، و10.5 مليارات دولار (السيناريو التمثيلي في 2025)، ما يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج الداخلي الخام بنسبة 1.6 إلى 2.2 في المائة. وبخلاف الطبيعة طويلة الأمد للجفاف، تبرز الفيضانات قصيرة الأجل، التي تؤدي إلى آثار ليست كبيرة على خسائر القروض ورؤوس أموال البنوك.
تأثير خفض الانبعاثات
يمكن أن يواجه القطاع البنكي المغربي، حسب تقرير بنك المغرب والبنك الدولي، مخاطر متصلة بعملية التحول بسبب التغيرات في السياسات وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. ورغم ضعف نسبة المغرب في إطلاق الانبعاثات على المستوى العالمي (0.16 في المائة)، إلا أن هذه الانبعاثات في المملكة آخذة في الارتفاع، ما قد يزيد من المخاطر المرتبطة بالتحول في القطاعات كثيفة الانبعاثات الكربونية، مثل توليد الكهرباء والنقل والتعدين والفلاحة والصناعات التحويلية والمرافق.
وتشكل آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، التي تفرض تعريفات تجارية على بعض السلع كثيفة الكربون، مخاطر إضافية على صناعات مثل الإسمنت والألومنيوم، مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة حجم التبادل التجاري بين المغرب وأوروبا.
وخلص التقرير الجديد إلى أن 24.3 في المائة من إجمالي القروض، و43.6 في المائة من القروض المقدمة إلى المؤسسات غير المالية، موجهة إلى القطاعات والصناعات الحساسة إزاء التحول نحو خفض الكربون، وهي نسبة مرتفعة نسبيا مقارنة بالبلدان الأخرى.
في السياق ذاته، أظهر التقييم لمواطن الضعف أن فرض ضريبة كربون بقيمة 75 دولارا/طن متري من ثاني أكسيد الكربون، يمكن أن يزيد من مخاطر الائتمان بنسبة 8.4 في المائة من قروض الشركات والمؤسسات، أي ما يعادل 3.1 في المائة من أصول القطاع البنكي، فيما حذرت الوثيقة الجديدة من نتائج تحليل مخاطر المناخ بسبب أوجه عدم اليقين بشأن التقديرات والقيود المنهجية، حيث قد يتم عرض آثار تغير المناخ على القطاع البنكي بأقل من قيمتها بارتباط مع المشكلات المتعلقة بنمذجة نقاط التحول المناخية، والتداخل بين الآثار الخاصة بالاقتصاد الكلي والآثار المالية والمناخية، فيما يمكن أن تؤثر أوجه القصور في البيانات وتنوع أساليب النمذجة على دقة التقييم، وبالتالي يكون هذا التقييم عملا بحثيا قابلا للتحديث مع تحسن فهم المخاطر المناخية.
وأبرز التقرير حول تقييم المخاطر المناخية في القطاع البنكي المغربي أنه رغم إمكانية تدبير وإدارة الآثار المناخية المجمعة على القطاع المذكور، إلا أن الأثر المالي يختلف من بنك إلى آخر، ما يتطلب مزيدا من الاهتمام من جانب المؤسسات المالية وبنك المغرب.
وتختلف آثار المخاطر المادية ومخاطر التحول (نحو اقتصاد منخفض الكربون) بصورة كبيرة بين المؤسسات، مع وجود قيم متطرفة منخفضة وعالية تبعا للتركز الجغرافي والقطاعي لمحافظ القروض.
وشدد التقرير على ضرورة أن تدمج البنوك المغربية مخاطر المناخ في ترتيبات تدبير وإدارة المخاطر والحكامة، وفي الوقت نفسه يستجيب بنك المغرب بوضع إرشادات رقابية أكثر تفصيلا للبنوك، خصوصا فيما يتعلق باختبار القدرة على تحمل الضغوط وإعداد التقارير، ويعمل على دمج المخاطر المناخية في الممارسات الرقابية، بهدف المواءمة مع المعايير العالمية مثل “مبادئ لجنة بازل” لإدارة المخاطر المناخية ومتطلبات الإفصاح المتعلقة بالاستدامة في إطار المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
والي بنك المغرب يقيد نجاح صفقة استحواذ مجموعة سهام والشركة العامة بشروط محددة