الرئيسية » مراجعة كتب

مراكش - د.ب.أ

"الكُتَاب" قد تبدو عبارة غير مفهومة لدى كثيرين من جيل الشباب الآن في المغرب، لكنها تعني الكثير للأجيال السابقة. DWحاورت شخصيات مغربية بارزة حول ذكرياتهم عن أيام "الكُتَاب"، وفيها مزيج من حنين للطفولة وذكريات سلبية أيضا. مثقفون وسياسيون وفنانون وإعلاميون مغاربة يتذكرون في لحظات قصيرة أيام طفولتهم عندما كانوا في "الكُتّاب" بما عاشوها من شقاوة وبراءة، ويعيدون تقليب صفحات وصور من ذاكرتهم عن أولى مراحل التعليم التي تعرف بكتاتيب القرآن، وفيها ألوان من الشد والجذب بين الفقيه وطلابه، تتراوح بين تحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية والطرافة والتعذيب. DW عربية حاورت شخصيات مغربية بارزة، في حقل السياسة والثقافة والأدب والفن والإعلام، عن أقدم وألطف وحتى أطرف الذكريات التي عاشوها في "الكُتّاب"، الذي تراجع دوره الآن في النظام التعليمي بالمغرب لكنه لم يفقد تماما مكانته لدى فئات عديدة بل لدى مؤسسات رسمية وكبيرة مثل القصر الملكي. "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" كانت هذه الآية آخر ما كتب الدبلوماسي والسفير المغرب الأسبق في عدة دول عربية وآسيوية، عبد الهادي التازي على لوحه حين كان طفلا يدرس بـالكُتّاب القرآني. ولازال التازي الذي تجاوز عمره الآن الـ90 عاما، يحتفظ بلوحه الصغير الذي يؤرخ لأزيد من تسعة عقود، في غرفة نومه وإلى جانب سريره. التازي والذي صادف حوارنا معه اطلاعه على كتاب عن حياة أبي العلاء المعري، يذكر بحنين كبير ذكرياته بكُتّاب "العيون" والذي يحمل اسم الحي الذي كان يقطنه بمدينة فاس، ولم ينس ذكر التفاصيل الدقيقة لتلك اللحظات حيث قال "أتذكر الفقيه الأول الذي درسني، اسمه عبد السلام الحياني الجابري، ولازالت صورته، بلحيته البيضاء أمامي بادية"، ولا يصدق التازي نفسه كيف "حفظت القرآن الكريم من إملاء الشيخ بصوته وأنا أكتب على اللوح بخط يدي، ثم بعد أن أستظهر هذه اللوحة أقوم بمحوها بماء حوض خاص، ثم أعود مبكرا رفقة أصدقائي لنتلقى آيات أخرى وسور أخرى بشكل جديد، وكان هذا يتطلب أن أتوفر على أقلام من القصب الجيد والصمغ". ويبدو أن ذكريات شيخ السلفيين محمد الفزازي مع الكُتّاب القرآني رهيبة بعض الشيء، حيث كان وصفه للكُتّاب الذي درس به بـ"مرنيسة" منطقة الريف بإقليم الحسيمة (شمال المغرب)، لا يعدو أن يكون مكانا لحفظ القرآن عن طريق الترهيب والتعذيب، حتى أنه لم يشأ أن يصنف ذكرياته ضمن اللحظات الجميلة من حياته، حيث قال "لم يكن هناك تلقين القرآن فحسب، بل تعذيب بقطب(غصن) الزيتون أو الرمان، وكان العذاب يشتد في فصل الشتاء البارد حيث تعرف المنطقة تساقط الثلوج، ولم نكن نجد غذاء كافيا غير البيصارة (حساء مغربي ساخن)"، شهادة الفيزازي من قلب أواخر الخمسينيات تنم عن ظروف قاسية، لا مجال للذكريات الجميلة فيها. ونحن نحاول أن نستخرج منه حكاية أو حنينا لذكرياته مع الكُتّاب، سألناه عن ما إذا سبق للفقيه (المعلم) أن عاقبه بعقوبة تعرف بالمغرب بـ"الفلقة" أو "التحميلة"(عقاب يتم ضربا بالعصا على رجلي الطفل)، قال بابتسامة الطفل الشيخ "وهل في التحميلة والضرب والعقاب من ذكريات جميلة؟ !". الفيزازي الذي يبلغ من العمر الآن 63 عاما قال إنه كان حافظا للقرآن ومشاغبا في نفس الآن، ومن ذكرياته في الشغب والشقاوة، تذكر يوما كان فيه آتيا ببعض البيض للفقيه رفقة صديق له، ولشدة كرهه للفقيه إذاك قام بكسر البيض على الطريق ووصل عند فقيهه بلا بيض حيث قال له إنه سقط منه في الطريق وتكسر...". لا غرابة في أن الممثلة المغربية أمينة رشيد كان لها أيضا نصيب من الذكريات بالكُتّاب، حيث أفصحت عن كونها تلقت تعليمها الأولي بكُتاب الفقيه الزناتي بحي "الكزا" بالمدينة العتيقة في الرباط، حيث كانت تبلغ من العمر آنذاك ستة أعوام، ولم تنكر رشيد وهي تتحدث بابتسامة شغوفة فيها حنين إلى الماضي عن عقوبة "الفلقة" أو "التحميلة" التي كان لها نصيب منها، وذلك نهاية الأربعينيات حسب تقدير أمينة رشيد، وأقيمت لها حفلة صغيرة وسط العائلة بعد أن ختمت حفظ القرآن، حيث كانت تردد أناشيد من قبيل "كلام الله علينا"، وغيرها من الأمداح النبوية، والتي تعبر عن فرحة النجاح بختم القرآن. وبالنسبة للإعلامي جامع كلحسن مقدم برنامج "مباشرة معكم" بالقناة الثانية "دوزيم"، كانت حكايته مع الكُتّاب قصيرة الزمن، غير أنها لم تخل من لحظات جميلة على رغم بساطتها، حيث لم يقض الأمازيغي ابن منطقة "شتوكة آيت باها"(جنوب المغرب) سوى ثلاثة أشهر بالكُتّاب، والذي لم يكن -على حد قول كلحسن- سوى مرآب(سيارات) بأحد أحياء منطقة "هوارة". كلحسن الإعلامي الأسمر الذي أصبحت لغته العربية تخفي أمازيغيته، قال إنه كان طفلا صغيرا بالكُتّاب لا يعرف إلا الأمازيغية، حتى أنه كان يجهل ما كان يلقنه الفقيه للطلبة، ولم يكن يدري ما يجري في القاعة، كان شاهدا لا أكثر، يقضي حصته بجانب الفقيه ويغادر فور انتهاء الحصة، ذلك أن كلحسن الطفل، قدم من منطقة أمازيغية إلى منطقة "هوارة" العربية والمحاطة بقرى أمازيغية، رفقة والده الذي انتقل إلى تلك المنطقة للعمل بالتجارة. محمد ضريف الأستاذ الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في حركات الاسلام السياسي، درس في كُتّاب "عرس بنسلامة" يوجد بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء، حيث كان الكُتّاب القرآني في سنوات الستينيات، بمثابة روض الأطفال اليوم، ويقول ضريف "لا أذكر أنني عوقبت يوما لأنني طفل منضبط غير أنني كنت أشاهد 'حفلات التعذيب' التي يتعرض لها زملائي، حيث كانوا يتعرضون لضربات على أكف أقدامهم": وأوضح ضريف أن الكل كان يسخر من تلك الطريقة التي كان يعاقب بها الأطفال، وما ترسخ في ذهن ضريف وهو طفل في سن الرابعة، هو أن أولياء الأمور كانوا يأتون بالطفل إلى الفقيه الذي كان معروفا باسم "نعامس" بمعنى "نعم سيدي" ويطلبون منه معاقبة طفلهم، فكان الكُتّاب بمثابة سجن صغير، لا تتجاوز مساحته الثلاثة أمتار ويضم 20 طفلا.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

تعيين المغربي عمر هلال رئيساً مشاركاً لمنتدى المجلس الاقتصادي…
عبد اللطيف لوديي يُبرز طموح المملكة المغربية في إرساء…
لقجع يُبرز المكانة التي وصل إليها المغرب والتحديث الشامل…
الملك محمد السادس يُهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني…

فن وموسيقى

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…
المغربية بسمة بوسيل تُشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة التي تستعد…
كاظم الساهر يتألق في مهرجان الغناء بالفصحى ويقدم ليلة…

أخبار النجوم

محمود حميدة يكشف تفاصيل شخصية "ياسين" في مسلسل موعد…
إسعاد يونس تُعرب عن سعادتها البالغة بعودتها للمسرح
هاني سلامة وياسمين رئيس يجتمعان مجدداً بعد غياب 12…
محمد هنيدي يُعلن دخوله منافسات دراما رمضان 2025 بمسلسل…

رياضة

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
محمد صلاح على رأس قائمة جوائز جلوب سوكر 2024
الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم
إصابة في الرباط الصليبي تبعد إلياس أخوماش عن الملاعب…

صحة وتغذية

نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية
الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…
أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات…

الأخبار الأكثر قراءة