الرئيسية » مراجعة كتب

الكويت ـ وكالات

يقوم أي عملٍ روائي على أربعة أركان: الحدث، والشخصية، والزمان، والمكان.وعلى ضوء هذه الأركان الأربعة وشبكتها العلائقية يمكن تناول العمل الروائي بالنقد مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأركان تتراوح فيما بينها توهجاً وإشعاعاً، مما قد يجعل احداها ركيزة رئيسية يقوم عليها أساس العمل كله، ومن ثم تتسلسل بقية الأركان تتابعياً حسب قوة الحضور ووثوق العروة.وقد ميز الرواية المعنية "ها هو اليتيم بعين الله" توازي ركنين أساسيين على مستوى الأهمية، وهما الحدث والشخصية، فجاء من بعدهما الزمان، وأما المكان فلكون الرواية تاريخية فقد جاء بطبيعة الحال مقيَّداً بوقائع ما جاء في كتب التاريخ من أمكنة جرت عليها أحداث الرواية، وهذا لا يعيب العمل أبداً. ترتبت سردية الرواية بنسق مموسق بين المستويات الثلاثة (الحدث، الزمان، الشخصية)، مما أضفى على العمل هالة تتوهج فيها امكانية التأويل لتحول القضية الرئيسية للرواية (صراع ذرية عبد المطلب مع قريش) الى رمزٍ يسكن فيما وراء النص. 1 – الزمان: على مستوى الزمان، بدا التداخل واضحاً كزيّ يميز القالب السردي، فبالرغم من تتابع أحداث الرواية كخرز المسبحة، الا أن لحظات الحلم، والتذكر والاسترجاع، التي كانت تمر بها بين الفينة والأخرى شخصيات الرواية كانت تمزج الأزمنة ببعضها البعض، ليتوقف الزمن الحاضر عند لحظة معينة تسترجع فيها احدى الشخصيات ذكرى زمنٍ ماضٍ، أو تستبصر رؤيا من رؤى المنامات كمثل ما كان يجري مع شخصية (عبد المطلب)، ومن ثم يرجع تتابع الأحداث مرة أخرى وقد تخلل حاضره لحظة ماضٍ، أو رؤيا لمستقبل. 2- الحدث والشخصية: أما على مستوى الحدث والشخصية، فيمكن لأي ناقد وبكل ثقة استطلاع بؤرة النص من خلال المزاوجة بين حدثين رئيسيين تقوم عليهما أحمال الرواية كلها. تبدأ الرواية بحدث مهم، وهو بحث عبدالمطلب سيد قريش وسادن الكعبة عن بئر زمزم محاولا انهاء أزمة قحط وعطش مرت بها مكة وأهلها، تراوده الرؤيا لأيام أربعة، فيبدأ وابنه الحارث بعملية البحث ومن ثم الحفر، فتتكالب عليه كبار قريش ورؤساء بطونها وفتيانها، فهم على علم تام برمزية هذه البئر كسلطة تكفل لصاحبها (من يجدها) السيادة على أهل مكة قاطبة، فتعرقل عمل عبدالمطلب وابنه، وبين الشد والجذب والنزاع المستمر، يبحث القوم عن حكم لهذا النزاع، وفي سبيل ذلك يسافرون الى يثرب في طلب الحكم، وفي الطريق يحل عليهم العذاب على شكل تيهٍ في طريق يثرب القاحل، فلا يخلصهم من هذا العذاب الا رجاحة عقل عبدالمطلب وحكمته وتقواه (منزلته عند الله)، فيكتفون بما رأوه من انذار ويرجعون الى مكة وقد ردّوا السلطة والسيادة مسلِّمين الى صاحبها عبدالمطلب. بعد أن يجد عبدالمطلب البئر، يلتفت الى ما ابتلي به من عداوات يضرمها القوم له، فيدرك أنها جاءت نتيجة لكونه بلا ذرية كثيرة تكفل له الحماية، فيطلب من ربه ذرية كثيرة ناذراً أحد ابنائه للذبح، فيستجيب الله له ويعفيه من ذبح أحد ابنائه بعد افتداءه بمائةٍ من الابل. تنتقل بؤرة الصراع من الشخصية الرئيسية الأولى (عبدالمطلب) لتصل الى (عبدالله) الذي يقضي نحبه مبكراً في رحلته الى الشام، ومن عبدالله تنزاح البؤرة مرة أخرى الى الشخصية الرئيسية الأخرى (محمد - ص)، لتختلف الشخصيات ظاهراً وتتحد رمزاً، فالصراع (الحدث) واحد، فصراع عبدالمطلب مع قومه هو بذاته صراع عبدالله وصراع محمد، مما يجمع الشخصيات الرئيسية هذه في قالب رمزي واحد.. فما هو؟ وما هي دلالته؟ يبدأ الصراع مع الحدث الأول (حفر البئر) وينتهي ظاهراً ببعثة النبي محمد (ص) في ختام الرواية، ولاستخلاص ما وراء النص (التأويل) يتحتم على الناقد اتباع منهجية مناسبة للقراءة، وقد اخترت منهجية (رومان جاكوبسون) التي تتناول العناصر من خلال المحورين الأفقي (التتابعي) والرأسي (التبادلي)، فكيف جاء التأويل؟ تعليق، أما ما هو مميز فيأتي عند ترتيب الأحداث ترتيباً رأسياً (تبادلياً)، فالحدث الأول (البحث عن البئر)، يوازي الحدث الأخير (بعثة النبي صلى الله عليه وسلم)، والشخصية الأولى في الحدث الأول (عبدالمطلب)، توازي الشخصية الأولى في الحدث الأخير (النبي محمد)، وعليه يتمكن لنا القول بأن الصراع الأول يوازي ما لم يذكره الراوي من صراع سيكون بعد البعثة! بيد أن الواضح هو أن الصراع كان دوماً حول (الزعامة) و(السيادة) .. أي ما يمكن التعبير عنه وفقاً لمصطلحات العقيدة الاسلامية (خاتم الولاية) .. فمشكلة القوم مع عبدالمطلب ومحمد (ص)، هو اختلاف مفهوم الولاية لدى الجانبين، فهم يرون الولاية بالوجاهة الاجتماعية أو الثروة المادية أو كثرة الأبناء، في حين أن الولي (عبدالمطلب) أو (محمد)، يرى أن الولاية تتحقق في عدالة الشخص وعلمه وايمانه.. وهو ما كان يتأكد للقوم في ساعات البلاء، حيث كانوا دوماً يبحثون عن الأعلم والأحكم لحل مشكلة ما، أو الأعدل لحل نزاع ما، كما جرى في قضية هدم واعادة بناء الكعبة، ووضع الحجر الأسود في موضعه، أو الأكثر ايماناً واتصالاً بالله، لإيصال رسائل السماء لهم، فيلجأون اذ ذاك الى عبدالمطلب أو محمد (ص). في علاقة وطيدة بين الرمز والمرموز، يتوازى زمزم مع فكرة الولاية، ويستعرض الكاتب (رضا سرشار) هذه القضية (محل صراع العرب منذ الأزل الى اليوم) بأسلوب تلألأ بنعومة مفرداته، وفاض بشعرية لغته، ولولا براعة المترجم (د. بتول مشكين فام) لما وصل الينا هذا العمل محتفظا ببكارة الايحائية التي وسمته، فبراعة المترجم تجعل القاريء يظن بأن النص قد كتب بلسان عربي مبين! إذاً فزمزم هي الولاية، وعبدالمطلب هو الولي، والقوم هم هم.. اولئك الذين ينازعون محمد (ص) أو (ذريّته) حول زمزم (الولاية)، وما انتهاء الرواية بحدث البعثة إلا نقطة الاشعاع التأويلي التي يستخلص منها القارئ ما سيجري بعد ذلك من صراع.. كتبه الكاتب البارع بأسلوب.. ايّاك أعني واسمعي يا جارة! 3- الراوي: أحد أبرز العناصر التي وسمت النص بهالة التميز هو الراوي، الذي امتزج فيه الراوي (العليم) ذاك الذي يتحدث بضمير الغائب متوغلاً بأسرار الشخصيات، والذي كان يطل بين الحين والآخر ممسكاً بزمام السرد، بذاك الراوي (المصاحب) الذي لعبت دوره شخصيات الرواية والتي كان كلامها يتلألأ بين غمازتين (قوسين)، كأنها تلك الشخصيات التي كانت تروي أحاديث النبي في كتب الحديث والتاريخ الاسلامي، ولعلي لا أبالغ ان قلت بأنني لم أرصد هذا الأسلوب لأول مرةٍ في الأدب العربي والاسلامي الحديث، فهو أسلوبٌ أصيل يذكرني بألف ليلة وليلة وغيرها من أدبيات المسلمين القديمة، الا أنني لم أرصده حديثاً الا في هذا العمل الجميل، فالرواة هنا يتأبطون بعضهم بعضاً! فراوٍ يروي، وفي روايته راوٍ آخر يروي، وفي روايته آخر أيضاً يروي! ثم تعود دفة السرد الى الراوي الأول (العليم)، فيتحول العمل الى عنقود سردي تستبطن الأحاديث فيه بعضها بعضاً، بأسلوب واثقٍ من صنع الكاتب الفذ، يضرب فيه المثل على امكانية تقديم الحداثة مع الحفاظ على أصالة الشكل مما يكفل للعمل الابداعية بامتياز. يذكر أن الكاتب الإيراني محمد رضا سرشار، تمّ تعريبها بقلم الدكتورة بتول مشكين فام وحصلت الترجمة على جائزة كتاب السنة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 2012 وهذه الرواية تسرد سيرة حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسلوب روائي حديث.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

منزل نتنياهو تعرض لسقوط قنبلتين ضوئيتين
السفير الإيراني السابق في بيروت يكشف عن اتصال نصرالله…
تعيين المغربي عمر هلال رئيساً مشاركاً لمنتدى المجلس الاقتصادي…
عبد اللطيف لوديي يُبرز طموح المملكة المغربية في إرساء…

فن وموسيقى

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…
المغربية بسمة بوسيل تُشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة التي تستعد…
كاظم الساهر يتألق في مهرجان الغناء بالفصحى ويقدم ليلة…

أخبار النجوم

محمد فراج يكشف تفاصيل أحدث أعماله الفنية
أشرف عبدالباقي يعود للسينما بفيلم «مين يصدق» من إخراج…
أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
هند صبري تكشف سر نجاحها بعيداً عن منافسة النجوم

رياضة

محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
محمد صلاح على رأس قائمة جوائز جلوب سوكر 2024
الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

صحة وتغذية

نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية
الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…
أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات…

الأخبار الأكثر قراءة