الرئيسية » مراجعة كتب

دبي ـ وكالات

منذ توسلها التاريخ مادة لإبداعها، طرحت الرواية -التي تتخذ من التاريخ مادة لها- كثيرا من الإشكاليات لدى القارئ والمبدع على حد سواء، ومع كل "رواية تاريخية" تبدأ المقارنات بين الوثيقة التاريخية وبين العمل الروائي، مما يوقع كثيرا من الالتباس بين الرواية باعتبارها عملا تخييليا والتاريخ بوصفه حقائق مستقرة عن الماضي.وفي كتابه المرشح لجائزة الشيخ زايد، يقترح الناقد عبد الله إبراهيم مصطلحا بديلا "للرواية التاريخية" داعيا إلى استبداله بمصطلح "التخيل التاريخي" الذي من شأنه الدفع بالكتابة السردية التاريخية إلى تخطي مشكلة الأنواع الأدبية وحدودها ووظائفها.ويرى إبراهيم في مفتتح كتابه (التخيل التاريخي: السرد، الإمبراطورية، والتجربة الاستعمارية) أن المصطلح الجديد "كفيل بتفكيك ثنائية الرواية والتاريخ ودمجهما في هوية سردية جديدة فلا يرهن نفسه لأي منهما، كما أنه سوف يحيّد أمر البحث في مقدار خضوع التخيلات السردية لمبدأ مطابقة المرجعيات التاريخية".ويعرف المؤلف "التخيل التاريخي" بالمادة التاريخية المتشكلة بواسطة السرد، وقد انقطعت عن وظيفتها التوثيقية والوصفية وأصبحت تؤدي وظيفة جمالية ورمزية، فهو لا يحيل على حقائق الماضي ولا يقررها ولا يروج لها إنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسرة لأحداثه، وهو من نتاج العلاقة المتفاعلة بين السرد المعزز بالخيال والتاريخ المدعم بالوثائق، لكنه تركيب ثالث مختلف عنهما.وفي العلاقة بين التاريخ والسرد، يعتبر الكتاب أنهما يتقاطعان في أكثر من علاقة، لافتا أن هذا التقاطع يجهز على الثنائية القائلة باختلافهما الكلي، فقوة التاريخ وقوة السرد تجدان المعنى المشترك لهما في "إعادة تصوير الزمان"، أي بـ"الإحالة المتقاطعة" للتاريخ والسرد، فكثيرا ما يتبادلان الوظائف والأدوار.ويخلص إبراهيم في مقدمته النظرية إلى أنه لم يبق بالإمكان قبول التصورات الأولى لوظيفة "الرواية التاريخية" كما أشار إليها الروائي جرجي زيدان وأضرابه المؤسسين لهذا النمط من الكتابة، معتبرا أنها قد استنفدت طاقتها الوصفية بعد أن جرى تحويل جذري في طبيعة تلك الكتابة السردية التاريخية التي استحدثت لها وظائف جديدة لم تكن معروفة آنذاك.وفي فصل كتابه الأول، يعالج الكاتب -عبر نماذج تطبيقية من الرواية العربية التي اتكأت على التاريخ موضوعا لسردها- مفهوم الإمبراطورية، عارضا لأعمال الروائي اللبناني أمين معلوف وبينها كتابه "بدايات" الذي تتضح فيه ملامح "التخيل التاريخي" عبر بحث سردي في أصول عائلته الكبيرة، متتبعا مصائر عائلته منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى ثلاثينيات القرن الماضي.كما يرصد عبر رواية ليون الأفريقي "البيئة الحولية والتخوم الإمبراطورية"، وهي الرواية التي جرت أحداثها على خلفية تدهور حال المسلمين في الأندلس وإخراجهم منها.وبحسب الكتاب، فإن الرواية قرنت التشرد بفقدان المكان وجعلت من الارتحال الدائم نزوعا لا يرتوي في البحث عن فردوس مفقود في دار الإسلام ودار الحرب. فبالخروج من الأندلس الذي اتخذ صورة إبعاد غير مصرح به، انهار التماسك الموروث لعائلة الحسن الوزان الذي ظل يتحاشى الاستقرار في مكان معين فطاف في أجزاء كبيرة من قارات العالم. ويعتبر إبراهيم أن ترحال بطل ليون الأفريقي يوازي إحساسا مضمرا بفقدان الأندلس.وبعد معاينته التطبيقية لمدونة معلوف السردية وإنزال مصطلح التخيل التاريخي عليها، يخلص الدكتور عبد الله إبراهيم إلى أن التخيل التاريخي يشكل لبَّ هذه المدونة، ومحورها سير تاريخية لمشاهير يطوفون العالم بحثا عن قضية ودفاعا عن فكرة. ويلفت إلى أن معلوف يمر بجوار تلك المادة ويستعير منها لكنه لا يجعل من مدونته السردية مصدرا موثوقا لها.وتحت عنوان التهجين السردي وتمثيل الأحداث التاريخية، يعرض الكتاب لتجربة الروائي "بنسالم حميش" في رواياته "العلاّمة" و"مجنون الحكم" و"هذا الأندلسي"، مقدما وقارئا أعماله ضمن مفهوم التخيل التاريخي، لافتا إلى أن "شرط البداية" وهو شرط سردي مأساوي ظهر في سائر رواياته التاريخية ورسم مصائر الشخصيات الكبرى فيها، فثمة انهيار قيمي عام في "دار الإسلام" وهو المجال العام لوقوعها.يقع كتاب الدكتور عبد الله إبراهيم -الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- في ثمانية فصول وزهاء ثلاثمائة صفحة، عالج فيها عبر النماذج الروائية العربية مفاهيم: "السرد والتاريخ واللاهوت" و"كتابة مقدسة وكتابة مدنسة وانشقاقات دينية"، و"التخيل التاريخي وتفكيك الهوية الطبيعية" و"التوثيق والتخيل التاريخي" و"التخيل السردي والتمثيل الاستعماري للعالم" و"التجربة الاستعمارية والهوية المرتبكة" و"التهجين السردي وتمثيل الأحداث التاريخية" و"الإمبراطورية والسرد والتاريخ".

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

وزير الداخلية المغربي يؤكد الاهتمام الذي يوليه الملك محمد…
وفد برلماني شيلي يشيد بدينامية المشاريع التنموية بمدينة الداخلة
وزير الخارجية الأميركي يُشيد بالشراكة مع المغرب في مجال…
لفتيت يُبرز مجهودات وزارة الداخلية لمحاربة البطالة ودعم المقاولات…

فن وموسيقى

سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…
منى زكي تؤكد أنها تتأنى دائما في اختياراتها لأعمالها…

أخبار النجوم

الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني
تامر حسني يشوق جمهوره لدويتو مع رامي صبري
أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
أحمد السقا يكشف عن مفاجأة حول ترشحه لبطولة فيلم…

رياضة

المغربي أشرف حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024
نجم منتخب البرازيل وريال مدريد فينيسيوس جونيور يفوز بجائزة…
ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح
يوسف النصيري يواصل تألقه رفقة فريقه فنربخشة في الدوري…

صحة وتغذية

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة
المغرب يُنتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في أفريقيا

الأخبار الأكثر قراءة