الرباط - وكالات
صدرت عن منشورات «الزمن» المغربية، الطبعة الثانية من رواية «الشيخ والبحر» للمترجم العراقي المقيم في المغرب علي القاسمي. وحول دواعي ترجمته لهذه الرواية الكبيرة التي تنتمي إلى عيون الأدب العالمي، يكتب القاسمي «نَشرتْ مجلة لايف Life Magazine الأمريكيّة قصّة «الشيخ والبحر» لأرنست همنغواي في عددها الصادر بتاريخ 1/9/1952م، فباعت أكثر من خمسة ملايين نسخة خلال يومَيْن فقط. وفي السنة التالية، 1953م، مُنِحَتْ أرفعُ جائزة أمريكيّة أدبيّة، جائزة البولتسر، لإرنست همنغواي لقاء هذه القصة، كما أسبغت عليه الأكاديميّة الأمريكيّة للآداب ميدالية الاستحقاق للرِّواية. وفي سنة 1954م، حاز إرنست همنغواي جائزة نوبل». وورد في قرار لجنة جائزة نوبل سببُ اختيار همنغواي: «…لإتقانه فنّ السرد، الذي برهن عليه مؤخَّراً في «الشيخ والبحر» وللتَّأثير الذي مارسه على الأسلوب المعاصِر…». وتَمْنح لجنةُ جائزة نوبل جائزتَها، عادةً، للأديب على مجمل أعمالـه، ولا تسمّي عملاً بذاته. وفي سنة 1958 أَنْتجتْ هوليوود القصّةَ في فيلم من إخراج جون ستيرجس John Sturges وبطولة سبنسر تريسي Spencer Tracey. واعتبر النقّاد السِّينمائيون الدورَ الذي أدّاه تريسي في هذا الفيلم من أعظم الأدوار في تاريخ السينما الأمريكيّة، فرُشِّحَ على إثره لنيل جائزة الأوسكار. وتوالى إنتاج الأفلام السِّينمائيّة والتلفزيونيّة التي تُشَخِّص هذه القصة، ومن أهمِّها الفيلم الذي أخرجه جود تايلور Jud Taylor عام 1990 وقام ببطولته أنطوني كوين Anthony Quinn، الحائز على جائزة الأوسكار، والذي قام ببطولة أفلام رائعة مثل فيلم «زوربا ذه كريك» و فيلم «الرسالة» وفيلم «عمر المختار» وغيرها. ومن هذه الأفلام التي تشخّص قصة «الشيخ والبحر» فيلم الكسندر بتروف Aleksander Petrov بعنوان: La viel Homme et la Mer.». ويشير القاسمي إلى أن قصّة «الشيخ والبحر» تدور حول صيّاد كوبيّ مُتقدِّم في العمر اسمه سنتياغو، لم يستطع أن يصطاد سمكة واحدة خلال 84 يوماً، حتّى تركه الصبيّ الذي كان يُرافِقه لمساعدته ولتعلُّم المهنة. وعلى الرغم من أنّ بعض زملائه الصَّيَّادين راح يَسْخر منه وبعضهم الآخر أخذ يرثي لحاله، فإنّه لم يفقد إيمانه بنفسه، بل ظلَّ واثقاً بقدراته، متشبّثاً بالأمل؛ يستيقظُ كلَّ صباح باكراً، فيحمل ساريته وشراعه وعدّته إلى مركبه الصغير، ويجذّف بعيداً في مجرى خليج المكسيك بحثاً عن سمكةٍ كبيرة. وفي اليوم الخامس والثمانين، علِقت صنّارته بسمكةٍ ضخمة فاخرة، فظلَّ يُعالجها مدّةَ يومَيْن كاملَيْن حتّى استطاع أن يتغلّب عليها. ولمّا كانت تلك السمكة أطول من قاربه، فإنّه اضطرَّ إلى ربطها بجانب القارب وحملها معه إلى الشاطئ. بَيْدَ أنّ أسماك القرش تأخذ في التقاطُر على القارب لِنَهْش لحم السمكة؛ فيدخل الصيّاد الشيخ في قتالٍ ضارٍ غير متكافئٍ مع أسماك القرش حفاظاً على سمكته. وعندما يصل الشاطئَ لا يبقى من السمكة سوى رأسِها الذي لا يؤكل وهيكلها العظميِّ الهائل. وهكذا يخسر المسكين معركته بصورة تُبذِر الحسرة في القلب وتجذِّر الأسى في الروح. ولكنّه سرعان ما يرتفع بشهامةٍ على خسارته متطلّعاً إلى مستقبل أفضل. ويتحدث المترجم عن السياق الخاص الذي كتب فيه أرنست همنغواي هذه الرواية الشهيرة، يقول: «كان همنغواي يعيش مع زوجته الثالثة مارثا غلهورن Martha Galhorn (تزوّج أربع مرات) بالقُرْب من هافانا في كوبا ابتداء من سنة 1940م حتّى نجاح الثورة الكوبيَّة بقيادة فيدل كاسترو سنة 1959م. وكانت إحدى هواياته المُفضَّلة هي صيد السمك بمركبه الشِّراعي المُسمَّى «بيلار» (Pilar). واستخدم همنغواي صيّاداً كوبيّاً متقاعداً اسمه جورجيو فوينتس للعناية بمركبه الشِّراعيّ. وعندما مات همنغواي مُنتحِراً سنة 1961، بادر فوينتس إلى إهداء قارب همنغواي إلى الحكومة الكوبيّة. ويتّفق النُّقّاد على أنّ همنغواي صوّر بطل قصّة الشيخ والبحر» على غرار الصياد فوينتس، أو أنَّه سمع القصة منه. وكان فوينتس قد ولد في جزر الكناري سنة 1897، وتُوفِّيَ مُصاباً بالسرطان سنة 2002 بعد أن عاش ما ينيف على 104 سنوات، دون أن يقرأ «الشيخ والبحر» حتّى ولا في ترجمتها الإسبانيّة. وحول سؤال، هل «الشيخ والبحر» قصة أم رواية؟ يشير القاسمي إلى أن النقّاد يختلفون في تجنيس الأنواع الأدبيّة. فمنهم مَن يتّخذ الكم، أي طول العمل الأدبيّ، مقياساً لاعتباره قصّة أو رواية، ومنهم مَن يعتمد الكيفيّة التي كُتِب بها العمل الأدبيّ، أي عدد الشخوص والأحداث والتقنيات السردية المستخدمة فيه. فالفريق الأوّل اعتبر «الشيخ والبحر» رواية قصيرة أو قصّة طويلة، أما الفريق الثاني فعدّها أطول قصّة قصيرة كتبها همنغواي. ولكنّنا إذا نظرنا إلى اقتصار «الشيخ والبحر» على بطل واحد وشخصيّة أخرى فقط هي الصبيّ مانيلو، وانتقائها حدثاً واحداً، وتطوّر تفاعل البطل مع ذلك الحدث، واستخدامها لغة مكثّفة، صرنا أميل إلى أن نعدّها قصّة وليس رواية. وعلى كلّ حال، فالمهمّ في العمل الأدبيّ ليس تجنيسه، وإنَّما تأثيره في القارئ، والقِيَم التي يريد إيصالها إليه. وهذه القصة تُمجِّد نضال الإنسان من أجل التَّحكّم في الطبيعة وتسخيرها لترقية حياته، دون أن يفقد إيمانه وثقته بنفسه من جراء الانتكاسات التي يتعرَّض لها. وكُتِِبَت هذه القصة بأسلوبٍ سهلٍ ممتنعٍ وتقنيّاتٍ سرديّةٍ عاليةٍ تترك أثراً عميقاً في نفس القارئ. إنّها من الأدب الرفيع الخالد الذي يستحق أن تقرأه الأجيال المتعاقبة. وفي مرحلة الاستعداد لترجمة «الشيخ والبحر» شاهدتُ فيلمي سبنسر تريسي وانطوني كوين؛ كما أمضيتُ ليلة كاملة مع صيّاد وحيد في قارب صيد شبيه بقارب القصة، في شواطئ مدينة الصويرة المغربية.