دمشق - سانا
يفتتح الباحث فراس عبد الرحمن البغدادي كتابه الجديد "العرب بين أحقية الانتصار ومرارة الانكسار" بدراسة البيئة التي مهدت لنشوء الفكرة القومية في شبه الجزيرة العربية مع فجر الإسلام عبر تهيئتهم لأداء رسالة حضارية نقلوها للعالم أجمع في صدر الإسلام وعصر الدولة الأموية ومن بعدها العباسية وصولاً إلى شرح الكاتب لما أسماه "الشخصية الإيجابية للعربي المسلم". ويناقش البغدادي في كتابه الصادر حديثاً عن دار العرب للدراسات والنشر والترجمة بالتعاون مع دار نور حوران معنى لفظة "عرب" محاولاً استيضاح أسباب تشكل العقل العربي من خلال بلاغة الكلام عند الإنسان العربي ونجاحه المنقطع النظير في إشادة مدن وحواضرعربية الطابع فيقول:"حتى في زمن الحروب الصليبية لم تذهب دهشة جيوش أوروبا الغازية وهم يرون جهلهم وتخلفهم مقارنة ببعض مدن العرب المسلمين وهي لحظة الغروب الحضاري عندما دخلوها فتفاجؤوا بذلك النسيج الاجتماعي الفريد وبروعة العمارةوالمكتبات والمدارس والحمامات المتوفرة للجميع". ويقارن الكاتب في موءلفه الذي يقع بـ359 صفحة من القطع الكبير بين الأندلس في عهد حكم العرب لها وبين الأندلس في حكم الأوروبيين لها مستشهداً بكلام المستشرق الأمريكي فيكتور روبنسون فيقول:"كانت مدن أوروبا غارقة في ظلامٍ دامس بعد غروب الشمس بينما كانت قرطبة تضيئها المصابيح العامة.. كانت مدن أوروبا قذرة بينما كانت قرطبة تشتمل على ألف حمام عمومي كانت أوروبا غارقة في الوحل بينما كانت قرطبة مرصوفة الشوارع وكانت سقوف القصور في أوروبا مملوءة بثقوب المداخن بينما كانت قصور قرطبة تزينها الزخرفة العربية العجيبة". ويقول المؤلف في معرض مناقشته لتفوق الشخصية العربية وريادتها الحضارية:"لو لم يظهر العرب في التاريخ لتأخرت نهضة العلوم والفنون في أوروبا قروناً عديدة فبعد ثلاثة قرون كانت أوروبا تهضم فيها ذلك المنهج العلمي التجريبي العربي فبدأت بوادر ثورتها العقلية ونهضتها العلمية رامية وراء ظهرها تقاليد فكرها الفاسد وخرافات فلاسفتها ومتاهاتهم حتى أن فرنسيس بيكون في القرن السابع عشر أعلن فلسفته الجديدة التي ترى أهمية الابتعاد نهائياً عن الشعوذة والغيبيات والأخذ بمنطق التجريب العلمي". ويستشهد الباحث بكتاب المستشرقة الألمانية الشهيرة زيغريد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب" والتي قالت فيه:"إن مآثر العرب المسلمين الخالدة تقوم على تطويرهم بواسطة المشاهدة والتجربة للمعطيات العلمية فالعرب هم مبدعو هذه التجربة بالمعنى الدقيق للكلمة وهم الخالقون الحقيقيون للاستقصاء العلمي فقد كانوا أول من جعل من الوقائع المعزولة عن متنها نقطة الانطلاق لكل بحث علمي ليصبح عندئذ الارتقاء الأكبر في مسيرة الإنسانية بالعبور من الخاص إلى العام". ويبحث الكتاب في فصل عنونه البغدادي "جيوش المستشرقين تغزو أمة العرب" الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الأمة العربية من قبل الغرب حيث كان الشرق في قلب العالم النابض منبعا للثروات غنياً بالموارد البشرية والطبيعية والفكرية فكان هذا الشرق حلم الغرب وكابوسه في آن معاً مواجها لأوروبا متحديا لها حتى في عقر دارها فكان يعتبر مشكلةً لها على الأصعدة الفكرية والسياسية والاقتصادية فكان الاستشراق على الدوام مرتبطاً بمشاريع الصهيونية العالمية والاستعمار الغربي حيث نجح الصهاينة في التسلل إلى حقل الاستشراق الأوروبي فكان أبرزهم اليهودي المجري المتعصب "جولد زيهر".