عمان ـ وكالات
صدر عن مركز "الرأي" للدراسات بالمؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، كتاب بعنوان "نافذة نزيه" للكاتب فخري قعوار، في 100 صفحة من القطع الكبير.يتضمن الكتاب مجموعة مقالات محتار لقعوار نشرها في زاوية "نافذة" بصحيفة "الرأي" اليومية في الفترة 1974-1978 باسم مستعار هو "نزيه".وكتب القاص والصحفي جعفر العقيلي تقديماً للكتاب جاء فيه: "تُعَدّ (نافذة) من أعرق الزوايا وأطولها عمراً في الصحافة اليومية في الأردن. إذ دُشِّنت في مطلع السبعينات من القرن العشرين بُعيد تأسيس (الرأي) بفترة قصيرة، وأُسندِت للزميل راكان المجالي لتغدو (نافذة) حقيقية (تُفَضْفِضُ) عمّا يؤرق المواطن من جهة، وتدفع المسؤول ليطلّ على قضايا الناس من جهة أخرى، بينما يمثل ثنائيُّ (الكاتب/الصحيفة) الوسيطَ الإيجابي الذي يحمل على عاتقه تسليط الضوء على القضايا الشعبية والعامة بغيةَ حلّها ومعالجتها بالشكل الأمثل".وأضاف العقيلي: "على مدى تاريخها، اتخذت (نافذة) خصوصيتها التي لم تُضاهِها فيها زاوية صحفية أخرى، من أنها ظلت تُذَيَّل بتوقيع (نزيه) الذي توالى على استعارة اسمه، ثلّةٌ من أقانيم الكتابة الصحفية في المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي)، وفي الصحافة الأردنية عموماً".وتابعَ أن قعوار تولّى الكتابة في هذه الزاوية سنة 1974، آتياً إلى الصحافة من محمول ثقافي، وهو "الكاتب الذي أراد لصوته أن يكون منفرداً منذ يفاعته، وقد تحقق له ذلك عبر إصدارات توالت على مدى أزيد من أربعة عقود، مشتملة على القصة والرواية والكتابة الساخرة والأدب الموجّه للأطفال، وقبل ذلك كله وبموازاته، إسهامه النوعي والمؤثّر في الكتابة الصحفية عبر زاويته (شيء ما) التي وقّعها باسمه الصريح على مدار أكثر من ربع قرن، والتي كرّسته (أستاذاً) في الكتابة الصحفية، وأدت دوراً بليغاً في إيصاله نائباً عن الشعب إلى قبة البرلمان، بعد أن (نابَ) عن هذا الشعب عبر قلمه وما تراجعَ قيدَ أنملةٍ عن رأيٍ أو حادَ عن مبدأ أو نكصَ عن موقف".وقال العقيلي إن قعوار تحلّى وعددٌ من مجايليه (وعلى رأسهم -الراحل- بدر عبدالحق) بِسِمات الكات الحر، فكان أن شكّلوا مدرسةً في الصحافة ما يزال السائرون على خُطاهم في الكتابة الصحفية يتفيأون ظلالها ويسترشدون بمنهجها ويستلهمون جرأتها ووضوحها ونزاهتها.ورأى العقيلي أن اتخاذ هذه الزاوية اسم "نافذة" لم يكن عفوياً، فقد أريد منها أن تكون صلةَ الوصل بين المواطن والمسؤول، بأن تعكس حال المواطن أياً كان موقعه، وتتيح له بثَّ شكاواه وعرضَ قضاياه، كي يتمكن المسؤول –فرداً أم مؤسسة- من الاطلاع عليها وإيلاءها الأهمية ومعالجتها.وتابع: "إنها (نافذةٌ) في زمنٍ اضطلعت فيه الصحافة اليومية –الناشئة والناهضة آنذاك- بواجبها بكل اقتدار.. فالصحافةُ هي (السلطة الرابعة) كما درجت العادة على توصيفها، وهي في أحد وجوهها مرآة لقضايا الناس، وأداة رقابة ومساءلة".وربط العقيلي بين هذه الوظيفة أو الرسالة للصحافة، وبين اختيار "نزيه" اسماً تُذَيَّل به "نافذة". إذ لا تخفى المدلولات التي ينطوي عليها هذا الاسم من نأيٍ عن الحسابات الضيقة والأهواء والأمزجة والانحيازات المسبَّقة والمواقف المرتجَلة، والتزامٍ بالمسؤولية الأخلاقية ومواثيق العمل الإعلامي والصدْقية والموضوعية والمهنية العالية.ولكونها زاوية تفاعلية، كان من المفهوم، بحسب العقيلي، أن تفتح "نافذة" أبوابها كلما اقتضت الضرورة، لتنشر رداً من مؤسسة رسمية أو أهلية، أو تعقيباً من مسؤول، أو توضيحاً من مواطن حول قضية معينة، وهذا ما دأبت عليه على مدى أربعة عقود، وهو ما يتماشى مع فلسفتها ونهجها وغاية وجودها.وقد تحلّى قعوار في هذه الزاوية، وفق ما يرى العقيلي، بـ"حسّ الجرّاح وهو يحمل مبضعه/ قلمه يتلمّس أوجاع الناس ويكتب عما يعترضهم في مسيرة الكدّ والمعاناة اليومية، انطلاقاً من كونه (واحداً منهم). فالاندغام بـ(ابن الشارع) لمعرفة همومه، يمثّل سرّ الخلطة التي تحقق لكتاباتِ فلان خلوداً، فيما لا يبقى أثرٌ لما يكتبه كثيرون من خلف زجاج مكاتبهم، جاهلين بنبض الناس ومغيَّبين عن هواجسهم".علاوة على ذلك، أكد العقيلي أن قعوار خرج كما تكشف مقالاته، من نطاق العاصمة ومركزيتها، وذهب يتبنى القضايا التي تؤرق الناس في المحافظات والمدن: مادبا، إربد، الفحيص، السلط، الرمثا، معان، الأزرق، الرصيفة، إضافة إلى الزرقاء التي عاش فيها ردحاً من حياته.وبيّن أن القضايا المطروحة تتنوع، بدءاً من تلك الفئوية التي تتعلق بشريحة دون سواها، وانتهاءً بالقضايا التي تهمّ الجميع على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم. إذ تتناول المقالات أوضاع الأحياء الشعبية، وتكدّس النفايات، ووعورة الشوارع الإسفلتية، وتُعرّج على أزمة المواصلات، ومشاكل حافلات نقل الركاب والباصات السياحية وسائقي "التراكتورات" و"الونشات"، وتَعْرِض مسائل متصلة بالتعليم والطلبة والمدارس الحكومية والخاصة والمعلمين والمناهج، وتؤشر على أعطال الكهرباء وسوء توزيع المياه وتردّي الخدمة البريدية وخطوط الهاتف، وتناقش واقع التشجير والغابات والأشجار الحرجية، وتنتقد أداء التلفزيون وبرامجه المحلية في حينه، كما تتخذ موقفاً ضدياً من التلوث بأنواعه المختلفة، بخاصة الصناعي والسمعي، وهو الموقف الذي يتبناه قعوار أيضاً عند حديثه عن الرقابة على الأفلام ورفع قيمة ضريبة المغادرة وعمالة الأطفال وكَتبة الاستدعاءات و"بقالات الأدوية" و"ضريبة التلفزيون".يشرح العقيلي: "لا يتردد قعوار في الكتابة عن أي قطاع، وفي أي مجال، ما دامت بوصلتُه واضحةَ المؤشر، فيشرّح أداءَ مؤسسات حكومية أو شبه حكومية ذات طبيعة خدمية، مثل وزارة الأشغال ووزارة التربية وزارة التموين ودائرة ضريبة الدخل وأمانة العاصمة ومؤسسة رعاية الشباب ومؤسسة الإسكان ودائرة السير.. وهو في ذلك لا يبدو متطرفاً في أحكامه، رغم ما تشي به مقالاته من قسوةٍ ببن حين وآخر، لكنها قسوةٌ ليزدجروا، على حد قول الشاعر العربي القديم".ومما يمكن التوقف عنده في تجربة قعوار في "نافذة"، بحسب ما يرى العقيلي، "عنايته بعنوان مقالته بوصف العنوان عتبةً أولى تجذب القارئ إلى المتن إن وُضعت بصيغة جاذبة وملفتة. ويمكن هنا التمثيل بعدد من عَنْونات قعوار لمقالاته، للكشف عن مهارة الكاتب الذي يحذق في وضع (الطُّعْم) المناسب ليصطحب قارئه المفترَض –أيّاً كان موقعه وأيّاً كانت منزلته- في رحلة عبر سطوره وكلماته. وهي مهارة تلقي بظلالها على متن المقالة أيضاً. إذ تُغري المقدمةُ بالانتقال إلى التفاصيل، وتحفز العبارةُ قارئها ليواصل دربه نحو التي تليها، حتى تكون الخاتمة بما تنطوي عليه من خلاصاتٍ بلغة تكتسي رداء السخرية حيناً، والنقد اللاذع حيناً آخر".ويدْرس العقيلي عناوين قعوار التي يخلص أنها تقوم على المفارقة، وتوظف التعابير المحكية والأمثال الدارجة والمأثورات، وتفيد من السياقَين الزمني والاجتماعي اللذين كُتبت فيهما. من ذلك مثلاً: "دخلة جسر الحمام.. هل زارها غوار الطوشة؟"، "ديكور من النفايات لمسرحيةٍ يجب إيقافها فوراً"، "أنقذوا الرصيفة من هذا الضجيج (الفنّي)"، "كهرباء مادبا في مجموعة قصص قصيرة"، "أفلام التلفزيون الأجنبية.. كي تعثر على ترجماتها، راقب رؤوس الأبطال وأحذيتهم"، "اللّي شبكنا يخلّصنا.. نشيد خاص لثلاثة آلاف مواطن"، "جينا وجينا وجينا.. جبنا العروس وجينا"، "أوعر المسالك.. إلى مشروع المهالك"، "نُمَر هواتف السلط.. يا تلحق يا ما تلحق"، "دائرة السير وفقدان الذاكرة المفاجئ"، "إسعافات أولية لبرنامج المسابقات (شو أنا؟)"، "مَن المسؤول عن تعتيم الرمثا؟" و"أصنام الروتين وتعقيد الإجراءات".تنطوي مقالات قعوار في "نافذة"، والحديث للعقيلي، على حسّ سردي واضح، وانزياح نحو التهكُّم والسخرية، بإلهامٍ من تجربته الأدبية التي بدأها قبل تجربته الصحفية بسنوات. هذه المزاوجة "الشرعية" و"نسيج وَحْدها" بين المقالة بأركانها المعروفة والقصة بعناصرها القارّة، تتجلى في المقالات المنشورة في العام 1978 تحديداً.ويقل العقيلي إن المقالات تكشف إدراك الكاتب لأهمية المعلومة والرقم وتقديم الأمثلة والمحاججة أثناء طرح القضية موضوع المقالة، ما يجعله يتسلح بالمنطق والعلمية، وينأى قدرَ مستطاعه عن الجانب الوجداني الذي لا حُكْمَ فيه لعقل! كل ذلك دون أن يتخلى عن بساطة التعبير ودقته، ورشاقة اللغة ووضوحها.وهو يرى أن أهمية جمع هذه المقالات في كتاب بعد نشرها بعقود، تنبع من أن القضايا التي تطرحها ما تزال ماثلة بيننا، وإن اتخذت أشكالاً أو صيغاً مختلفة، أو حملت الجهاتُ ذات الصلة بها مسميات جديدة. ومن المفارقة أن كثيراً من هذه القضايا، وكما هي العادة دائماً، تنتظر الحل من المسؤول. "فما كتبه قعوار عن نظافة المدينة يصلح لأن يُعاد نشره الآن، لا يهمّ إن كانت الجهة التي يوجّه لها اللوم أمانة عمان الكبرى في العام 2012، أو أمانة العاصمة في العام 1975! وما كتبه عن سوء توزيع المياه وانقطاعها يمكن نشره مرة أخرى وكأنه كُتب للتوّ.. وحتى الآن يشكو المواطن من بيروقراطيةٍ في بعض أجهزة الدولة كان قعوار قد تناولها قبل نحو أربعة عقود.. وهكذا دواليك!".وختم العقيلي بالقول إن لَمّ شمل هذه المقالات بين دَفّتي كتاب، يمثل مبادرة تستحق التقدير؛ ففي ذلك إدراكٌ لدور الصحافة ووعيٌ بمسؤوليتها، وفيه توثيق لجزء من ذاكرة الكتابة الصحفية الأردنية في "الزمن الجميل"، إلى جانب ما تسهم به هذه المبادرة من تعريفٍ وإعادة تذكيرٍ بمنجَز فخري قعوار، أحد أبرز الأقلام التي مثّلت "رقماً صعباً" في الكتابة الصحفية الأردنية.