الرئيسية » أحداث ثقافية
المركز الثقافي الملكي

عمان - بترا

مجدي التل- أعادت مسرحية "بحر ورمال" للمخرج الاردني المقيم في روسيا عبدالسلام قبيلات، الالق للحالة المسرحية الاردنية، ونهضت بثقافة المسرح وأدبياته في العرض الذي قدم مساء أمس الجمعة على المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي بعمان أن يتصدى مخرج مسرحي اردني لتقديم عرض مميز يحترم العقل والذائقة معا ضمن رؤية إخراجية وفكرية ملخصة ومكثفة دون مباشرة، فهذا شيء يدعو إلى التفاؤل لصالح الحركة المسرحية الاردنية، ولكن ان ينهض المخرج بثقافة المسرح وأدبياته من حيث التنظيم وانضباط الجمهور النخبوي الذي أبدى سلوكيات تحترم المسرح ما ذكرنا بالمسارح الاوروبية العريقة، فهذا شأن يسجل للمخرج وفريقه الاداري.

العرض المسرحي "بحر ورمال" الذي نهض على مختلف عناصر السينوغرافيا والاداء التمثيلي والرؤية الاخراجية، واعده المخرج عن نص للكاتب ياسر قبيلات، يكشف في مشاهده الاولى عن ديكور خشبي واقعي يمثل النصف الخلفي لمؤخرة سطح سفينة يأتي على ثلاث مستويات متباينة الارتفاع ببضع سنتمرات الاعلى منه تنتصفه سارية الشراع الرئيس، 

ويرتبط بالمستوى الثاني بدرجتين من يمينهما، فيما تحيط بالسطح على جانبي خشبة المسرح، اقواس خشبية تؤطر هيكل السفينة المفترضة والتي غابت دفتها من بين قطع الديكور، في الوقت الذي تتدلى ارجوحة وحبال من اعلى يمين المسرح باتجاه يمين المستوى الثاني من سطح السفينة ويتموضع مقعد وثير على يسار المستوى الثالث لسطح السفينة اقرب الى مقدمة الخشبة فيما يقابله من الجهة اليمنى كرسي خشبي صغير وبجانبه دلو وبضعة حبال.

يستهل العرض بمؤثر صوتي لهدير البحر وحركة السفينة وسواريها واصوات طيور النورس فيما اضاءة زرقاء علوية تسقط على ساري المنتصف الرئيس واخرى صفراء تنبعث من داخل حجرات السفينة التي نوافذها على اليمين واليسار، تشكلت بين المستوى العلوي والثاني لسطح السفينة، ليتلو ذلك تعتيم مطلق ما تلبث ان تنبعث موسيقا غرائبية هادئة وبطيئة في ظل اطلالة اضاءة صفراء خافتة تعلن عن صعود شخوص العرض من مؤخرة السفينة، الفنان القدير خالد الطريفي /القبطان، بلال زيتون/البحار، ومحمد الجيزاوي والوجه الجديد هلا بدير بوصفهما ركاب السفينة، حاملين آلات موسيقية نفخية ووترية (طنبورة) يقدمون من خلالها اداء يواكب تلك الموسيقا الخافتة الحزينة بوصفهم عازفيها.

اذا كان معيار نجاح اي عرض مسرحي، هو ان يترك في الذاكرة منظراً او تشكيلاً او ظلاً يبقى ملتحما مع الذاكرة فان للأنظمة العلامتية والايقونات دوراً لا يستهان به في تنشيط هذه الذاكرة، إذ أن العرض المسرحي الذي يطرح في ثيمته الرئيسة القائمة على الانتظار، حكاية سفينة تبحث عن مرفأ لترسو عليه، في الوقت الذي يرفض فيه المرفأ أن ترسو السفينة، مبررا ان على متنها حمولة "غير مأمونة"، ليطول الانتظار وتتوالى الاحداث المشبعة بعبارات ومنولوجات وديالوجات رمزية محملة بمضامين تحيلنا إلى البناء العميق للعرض المسرحي علاوة على تطور الحالة لكل شخصية وفقا لسياق الاحداث الدرامية، ليتبين في ختام احداث العرض ان السفينة راكدة في بحر من الرمال، التي قد اجتاحتها او لربما لم تبحر يوما.

العرض المسرحي "بحر ورمال" الذي عبر ديكوره عن الواقعية، وإتكأ على مدرستي العبث والرمزية مقتربا من اسلوبية المسرحيين الفرنسي -الروماني يوجين يونسكو في مسرح اللامعقول والقائم على السخرية من عبثية ظروف الحياة، والايرلندي صموئيل بيكيت باسلوبية الايجاز في التراجوكوميديا والتشاؤوم والانتظار الذي يذكرنا بابرز اعماله "انتظار غودو"، قدم شخوصه في إطار واقعي في سلوكيات عبثية بناءً على تسلسل الاحداث التي تركت اثرها على وضعهم النفسي، لتعبر في بنائها العميق كل شخصية منهم عن شريحة او طبقة من شرائح المجتمعات العربية، حيث مثلت الفتاة بسذاجتها وحالة اللاموقف التي تعيشها،

 والتي تتعرض للانتهاك الجسدي من البحار الذي يقصي القبطان ويستحوذ على المركب، بوصفها طبقة الشعب، فيما جاء البحار معبرا عن الطبقة الانتهازية والتي لا تسأم من تكرار السرديات في قوالبها الجاهزة دون إمعان، كما عكست النمطية التي تؤمن بالخرافات لا بالعمل لاسيما حين كان يقبل قطعة اشبه بالحجاب، في الوقت الذي عبرت فيه شخصية القبطان عن طبقة النخب والسلطة العاجزة عن ايجاد حلول والسير نحو آفاق التقدم والنهوض.

جاء العرض المسرحي الذي عبر عن القلق الوجودي الذي رسمه مارتن هديجر وارنست كاسبر، زاخرا وبشكل موفق، بايقونات وصور ومضامين عديدة، حيث صاغ المخرج رؤيته الاخراجية على سلسلة لا تنتهي من المرئيات والصور والاحاسيس والاصوات التي تتشكل على هيئة منظومة علاماتية داخل نسيج ذلك العرض المسرحي، حتى أن لغة الممثل المنطوقة بحد ذاتها تصبح هي الاخرى ايقونة بمجرد نطقها بحسب استاذ المسرح البريطاني باتريس بافيس كما ظهر ذلك في الجمل التي جاءت على شكل مونولوجات او ديالوجات او غناء او شعر لاسيما تلك التي أعاد تكرارها شخوص العرض بغية ترسيخ ما تحمله من مضامين ومدلولات وإن تجلت بشكلها الرمزي لتترك اصداءها وتحفرها لدى المتلقي بعمق، ومنها "حمولة غير مأمونة"

 التي التصقت خلال الجدل الدائر على السفينة بشخصية الشاب الطليعي الذي يمثل شريحة الشباب في بلادنا العربية والباحثة عن حلول ومخرج لما تعانيه بلادهم، وعبارة "الزمن يقاس حين تفعل شيئا" والتي تحمل الكثير من المضامين تكشف من خلالها عري العديد من الانظمة العربية التي لم تستطع ان تحقق انجازا رغم مرور السنوات عليها، و"لقد مر زمن الاشياء المفهومة" و"لم يعد بوسعنا فهم شيء مما يجري هذه الايام"، و"يمشي الاخرون ولا يغرقون وانتم تمشون وتغرقون، تبحر السفن وانتم لا تبحرون" بما تحمله من تساؤلات تشير الى الراهن العربي.

الاداء التمثيلي والحركي بكل تفاصيله وايمائاته، جاء مميزا لجميع فريق التمثيل من خلال تقمصهم المتقن للشخصيات وخصوصا الفنان القدير خالد الطريفي، علاوة على تميز كل من الفنان بلال زيتون، ومحمد الجيزاوي والوجه الجديد هلا بدير التي تعلن عن نفسها بقوة في اولى اعمالها المسرحية.

السينوغرافيا التي كانت العلامة الفارقة في العرض وأبدعها السينوغراف الروسي فيكتور انطونوف والاضاءة المتحركة والمتغيرة بحسب سياقات المشاهد وحركة الممثلين، بين التعتيم والازرق والاصفر والاحمر والابيض، بما حملت من مدلولات ومعان والبقع الضوئية الصغيرة التي تدلت امام السيكوراما السوداء وعبرت عن النجوم في تعاقب الليل والنهار على السفينة وابدعها محمد المراشدة، علاوة على المؤثرات الصوتية والموسيقا التي شكلت نصا غير منطوق في بوحها الغرائبي الحزين، 

علاوة على الاشرعة التي تدلت من اعلى المسرح في بداية العرض وحركتها نافثات هوائية من الكواليس لترتفع وتعود ساكنة في المشهد الاخير كناية عن عدم الحركة، إضافة الى صنارة القبطان والتي عبرت عن مقاليد السلطة رغم انها لم تكن تصطاد شيئا وتعيش وهم الصيد الكبير واغتصبها منه البحار عنوة ليقصيه ويتبادل الشخصان الادوار دون ان تتغير المخرجات والنتائج، والدلو الذي يمتليء بالرمل ليكون مفتاح الجدل ومحور العمل، فيما بقيت السفينة بلا دف وساهم بالتأليف الموسيقي موسى قبيلات، والنصوص الشعرية للعمل علي شنينات.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

السجل الثقافي يُطلق صالونه الادبي في عاصمة جنوب لبنان
معرض الشارقة الدولي للكتاب ينظم ندوة "ذاكرة وفن" إضاءات…
مشاهد غابرة من ذكريات سوق العاشور في شارع “خوصفات”…
ترجمة جديدة تعيد دراسات حول "أصوات العيطة" إلى المغرب…
الدورة ال 14 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي في طنجة…

اخر الاخبار

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
مجلس الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
الرئيس الصيني يُؤكد لولي العهد المغربي دعم بكين لأمن…
جمهورية لاتفيا تسعى إلى تعزيز تعاونها مع المملكة المغربية…

فن وموسيقى

رافائيل نادال يختتم مشواره ويلعب مباراته الأخيرة في كأس…
الذكرى التسعين لميلاد فيروز الصوت الذي تخطى حدود الزمان…
سلاف فواخرجي تؤكد أنها شاركت في إنتاج فيلم "سلمى"…
نادين نسيب نجيم تكشف عن سبب عدم مشاركتها في…

أخبار النجوم

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
سلاف فواخرجي تتألق في فيلم ”سلمى” وتسلط الضوء على…
أول تعليق من حسين فهمي بعد حصوله على جائزة…
مها أحمد تسخر من قلة العمل وكثرة النجوم على…

رياضة

بيب غوارديولا يكشف سبب تمديد تعاقده مع مانشستر سيتي
كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
أبرز المحطات في مسيرة لاعب التنس الاستثنائي نادال التي…
المغربي أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل…

صحة وتغذية

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على…
فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…
نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية

الأخبار الأكثر قراءة